هل يعلم الّذين احتفلوا باستصدار أول بطاقة بيومترية، ونزلوا جماعات من أجل هذا الحدث التّاريخي الذي شهدته الجزائر، وتداعى له جمع كريم من الوزراء أن هذه البطاقة البيومترية سبقتنا إليها الصومال، هذا البلد الذي كلما تذكرناه تذكرنا الحروب والمجاعة، بل وكان محل سخرية وتنكد من طرف الجزائريين، وهم لا يعلمون أنّه بلغ أشواطا لم نبلغها نحن إلاّ بعد مدة من الزّمن، والمصيبة أنّنا جعلنا من هذا الحدث الّذي سبقتنا إليه الصّومال حدثا جللا أقمنا له احتفالية عظيمة. في الوقت الذي كنّا نقيم احتفالية لهذا المشروع البيومتري العظيم، احتفل المغرب بإنشاء أكبر محطة للطاقة الشّمسية والتي ستغني البلد الجار التّبعية الطّاقوية، خاصة في مجال استغلال الكهرباء، فحقا للمغرب أن يحتفل بهذا المشروع ويقيم له "زردة" تليق بعظمة المشروع، وتُخصص له تغطية إعلامية كبيرة في مستوى الحدث، لأنّه مشروع طاقوي استثنائي لم تسبقهم إليه دولة في القارة السمراء. نعم، في الوقت الذي كنّا نحتفل ونتصوّر مع البطاقة البيومترية، هذا المولود الذي ازداد في غير وقته ومتأخرا بسنوات، كانت الإمارت تطلق مشروع بناء برج شبيه ببرج إيفل الموجود في العاصمة الفرنسية باريس، على أن يكون وجهة السّياح الأولى، وتحقق من خلاله الإمارات أرباحا خيالية من عائدات السياحة. الإمارت احتفلت بهذا المشروع وأقامت له هالة إعلامية ومن حقها ذلك، وكيف لا وهي تنافس عاصمة الجن والملائكة وتنازعها في كبريائها السّياحي. الإمارات هذه الدولة التي كانت مجرد صحراء قاحلة، قبل أن تتحول إلى جنة الله فوق الأرض تستعد للاحتفال بآخر برميل من النفط، وكذلك تصنع الاستثناء عربيا من خلال تحطيم الأرقام القياسية في بناء الأبراج الّتي تناطح السّحاب وتشييد المنتجعات، والمدن العائمة، وغيرها من المشاريع التي جعلت من الإمارات مهوى للسّياح الذي يقدمون إليها من كل فج عميق. بمثل هذه المشاريع يكون الاحتفال وتقام البهرجة الإعلامية، أما استصدار بطاقة بيومترية، فكان الأولى إصدارها بصمت، ونتخفّى حتى لا تسمع بنا دولة الصومال والدّول الأخرى التي سبقتنا إليها، فلا نصبح محل سخرية وتنكد من طرف شعوب هذه الدول التي كنّا نحسبها دولا متخلفة تكنولوجيا، وإذ بنا نكتشف أنّنا نحن ولا غيرنا نتذيّل المراتب الأخيرة وفي كل شيء، وما نقوم به من إنجازات ماهو إلاّ محاولات حثيثة من أجل اللّحاق بالركب الذي سبقنا للبيومتري وللطّاقة الشمسية وللبديل الاقتصادي للبترول. الآن وبعدما كنّا نسخر من الصّومال وعلى شاكلتها من الدّول الصغيرة، وإدراكنا متأخرا أنّ هذه الدّول بلغت أشواطا في مجال التّكنولوجيا لم نبلغها نحن، فعلى من سنضحك اليوم، هل سنضحك على أنفسنا ؟