عاشت عروس البحر والنهر طوال عام 2007 على وقع احتفالية "طرابلس عاصمة الثقافة الإسلامية" وهي نفس الفترة التي كانت "الجزائر عاصمة الثقافة العربية"، وعلى هامش الأسبوع الثقافي الجزائري بالعاصمة الليبية، التقت "المساء" مع سعادة السفير عبد الحميد فتحي فرحات الرئيس التنفيذي لاحتفالية "طرابلس عاصمة الثقافة الإسلامية"، فكان هذا اللقاء فرصة للاقتراب من الدبلوماسي الفنان الذي شاركناه خلال ما يقارب الساعة بعضا من مساعيه الرامية إلى تحقيق أهداف الاحتفالية، وكذا جوانب من حياته الدبلوماسية كيف لا وهو الذي شغل لسنوات عددا من المهام الدبلوماسية إلى جانب شغله منصب مدير المراسم للقائد معمّر القذافي من 1982إلى 1984ومن 1994إلى 1998· - عام 2007 سنة احتفلت فيه ليبيا باحتفالية "طرابلس عاصمة الثقافة الإسلامية"، فكانت بذلك محطّ أنظار العالم الإسلامي والمغاربي، كيف كان هذا الاختيار؟ * أرحب بكم أوّلا في بلدكم ليبيا، وكذا بالشعب الجزائري الشقيق من خلال جريدة "المساء" خاصة وأنّ ما يربط الشعبين وكذا قائدي البلدين هي علاقات متميّزة· اختيار طرابلس عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2007 هو اختيار من وزراء الثقافة للدول الإسلامية المجتمعين في الجزائر وهذا الاختيار جاء تكريما لليبيا بمدنها وقراها، وللأخ قائد الثورة الليبية صاحب المواقف الثابتة فيما يخصّ القضايا الإسلامية، فتشرّفنا بهذا الاختيار وبدأنا الاستعدادات لهذه الاحتفالية· - كيف كانت التحضيرات لإنجاح هذه الاحتفالية؟ * بعد اختيار الجماهيرية لاحتضان احتفالية العواصم الثقافية الإسلامية، تمّ تشكيل لجان بقرار من اللجنة الشعبية العامة الليبية (مجلس الوزراء)، وتمّ إنشاء لجنة أوكلت إليها مهمة وضع ملامح لبرنامج الاحتفالية موزّع على طول السنة، وبعد إقرار البرنامج تمّ اختيار اللجان العاملة حسب المَنشط· في البداية كان هناك نوع من الاستفتاح وليس الافتتاح، فالمتعارف عليه هو أنّ الدولة المضيفة هي التي تختار تاريخ الافتتاح الرسمي، واختارت طرابلس 12 أفريل للافتتاح الرسمي، وقبل هذا التاريخ تمّ استفتاح الاحتفالية بمناشط ضمّت محاضرات، ندوات، سهرات فنية وكذا مهرجانات، وهذا كلّه احتاج إلى لجان عاملة صغيرة العدد لكن المتعاونين كانوا في الموعد، ليس من طرابلس فحسب بل من كلّ مناطق الجماهيرية لتنفيذ هذه الأنشطة، وكان برنامج الافتتاح كبيرا جدّا تمّت خلاله دعوة عدد كبير ونوعي من الضيوف من وزراء الثقافة وشخصيات فكرية إسلامية كبيرة· وواصلنا تنفيذ برنامج احتفالية "طرابلس عاصمة الثقافة الإسلامية" إلى غاية تنظيم مؤتمر وزراء ثقافة الدول الإسلامية وتزامن هذا الحدث مع سنة الاحتفالية، وسمعنا خلاله كلّ عبارات الشكر والإطراء من المشاركين في المؤتمر والاحتفالية، وكان المؤتمر ناجحا بقدر كبير جدّا ونستعد لاختتام الاحتفالية مثلما تستعد الجزائر لتوديع احتفالية العواصم الثقافية العربية، وكان من أبرز المناشط في الفترة الأخيرة الأسبوع الثقافي الجزائريبطرابلس الذي تميّز بالجمال والتنوّع وكان تتويجا لاحتفالية "طرابلس عاصمة الثقافة الإسلامية"· -أيّ احتفالية مهما كان طابعها، تسطّر أهدافا ترنو لتحقيقها، فما هي الغايات التي كانت احتفالية "طرابلس عاصمة الثقافة الإسلامية" تعمل على بلوغها؟ * هي نفس الأهداف التي تصبو لتحقيقها أيّة دولة تستضيف مثل هذه الاحتفاليات، ف"الجزائر عاصمة الثقافة العربية" ارتكزت أساسا على تعميق الشعور القومي والعربي خلال سنة الاحتفالية، وهو نفس الشيء بالنسبة لطرابلس إذ عملت على إبراز الإسلام الفعلي بعيدا عن التعصّب والتطرّف وكذا المغالاة، أن تعطي الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين وإسقاط الصورة المشوّهة التي تبثّها بعض الأطراف المغرضة· الهدف كبير جدّا، ونتمنّى أن نكون قد حقّقنا ولو جزءا منه، ركّزنا كثيرا على المناشط الثقافية والمحاضرات وكذا الندوات التي لم تكن محلية بل تعدّتها لتحمل طابعا إقليميا، إسلاميا وحتى عالميا باستضافة عدد من الضيوف من العالمين العربي والإسلامي ومن غيرهما، وحاولنا خلق فضاء للتحاور في مواضيع مهمّة وكبيرة جدّا، وكانت هذه السنة بفضل اللّه سنة مميّزة· - وما هي أوجه التنسيق والتعاون التي جمعت "طرابلس عاصمة الثقافة الإسلامية" مع المنظّمة الإسلامية للتربية، الثقافة والعلوم؟ * للأمانة لابدّ أن نؤكّد على أنّه منذ انطلاق الاحتفالية لم يكن هناك تعاون فقط مع الإسيسكو برئاسة الدكتور عبد العزيز التويجري المثقّف الفعّال والمتابع الجيّد، بل كنّا نعمل كفريق واحد من خلال المتابعة اليومية في إطار عمل مشترك ومتّفق عليه في جميع الحيثيات، ونقدّم بالمناسبة للاسيسكو وللدكتور التويجري الشكر والتقدير· - وماذا عن مختلف العواصم الإسلامية الإقليمية الأخرى؟ * من خلال المناشط التي نظّمناها، حاولنا أن تشاركنا كلّ الدول الإسلامية احتفاليتنا سواء ببرامج ثقافية أو فنية أو استعراضية أو مهرجانات، وكان هناك تجاوب تجلّى بصورة واضحة خلال مؤتمر وزراء ثقافة الدول الإسلامية الذي شهد حضورا متميّزا ومميّزا بشهادة المشاركين، وهذا يدلّ دلالة كبيرة على وجود تعاون واتّفاقات، وأشاد المشاركون بالقرارات التي انبثقت عن المؤتمر، واعتبرت نقطة تحوّل في مسار اجتماعات وزراء ثقافة الدول الإسلامية· - ما هي أهمّ الانجازات المحقّقة في إطار احتفالية "طرابلس عاصمة الثقافة الإسلامية" في مختلف روافد الفكر، الثقافة والفن؟ * لقد أصدرنا الكثير من الكتب ضمن الاحتفالية، وقدّمت ملاحم كبيرة جدّا على غرار ملحمة "طرابلس أخت الشمس" التي افتتحت بها الاحتفالية وكان لها صدى رائع، وحتى المواضيع التي طرحت للنقاش خلال السنة كانت مواضيع جدية غير مستهلكة وقديمة، وكان التركيز على الدولة الفاطمية الكبيرة جدّا خاصة ونحن نحتاج إلى دولة فاطمية ثانية، وهناك محطات أخرى في روافد النشر، المسرح، الأمسيات الثقافية، المهرجانات وبالتالي كانت هناك انجازات كثيرة جدّا في مختلف الأنشطة، و عرف عام 2007 حركية ثقافية وفنية وعملية كبيرة جدّا، كما صدرت بعض الجرائد الهامة· -احتفالية بحجم "طرابلس عاصمة الثقافة الإسلامية" تحتاج لتحقيق أهدافها للأموال وكذا للدعم، فكم بلغت الميزانية التي خصّصت لهذه التظاهرة؟ * صحيح أنّ احتفالية بهذا الحجم تحتاج إلى ميزانية خاصة بها، لكن ما ميّز احتفالية "طرابلس عاصمة الثقافة العربية"، هو التلاحم الكبير الذي سجّلناه على جميع المستويات وبين مختلف أطراف النخبة الليبية من مثقفين وفنانين، كان هناك وعي جماعي، مبادرات وعمل تطوّعي مدهش، وعلى سبيل المثال قدّم مؤخّرا الفنان الكبير محمّد حسن أغنية أنا كرئيس للاحتفالية لم أكن اعرفها، وكنت أتمنّى أن يشاركنا فنان بحجمه في هذه الاحتفالية وتحدّثت معه مرارا، فشرّفنا بأغنية جميلة جدّا عن طرابلس وتاريخها وكذا الحركة الثقافية فيها· العامل المادي في اللجنة المنظّمة لم يكن هاجسا بالنسبة لنا، وما أراحنا هو العمل التطوّعي الذي كان مدهشا ليس فقط في العاصمة طرابلس ولكن من مختلف مناطق الجماهيرية، حيث أبدى الشباب استعدادا كبيرا لذلك وروح مبادرة عالية للكشف أكثر عن وجه طرابلس المشرق· -هل أشعّت "طرابلس عاصمة الثقافة الإسلامية" على مختلف المقاطعات الليبية الأخرى أم تركّزت بالأساس في العاصمة؟ * الاحتفالية تركّزت في طرابلس، لكن هذا لم يمنع من توزيع عدد من الأنشطة في أنحاء الجماهيرية، كان هناك رأيان، الأوّل يقول بتوزيع الفعاليات في أنحاء الوطن، أم تأتي المناطق الأخرى إلى طرابلس، فكان أن قدمت المناطق الأخرى بكثافة على العاصمة، وهذا لم يمنع من تنظيم عدد من المهرجانات، حيث نظّمنا مهرجانا مسرحيا ببنغازي، في البيضة، في غدامس، لكن الكثافة كانت في طرابلس· - بهجة المدائن "الجزائر عاصمة للثقافة العربية" و "عروس البحر والنهر"، "طرابلس عاصمة للثقافة الإسلامية"، هما مدينتان قريبتان، تحتفيان بتظاهرتين تجعل منهما محطّ أنظار العالمين العربي والإسلامي، ما هو رأيكم في هذا التقارب، وما الصدى الذي وصلكم من تظاهرة الجزائر؟ * نظرا لطبيعة عملي، كان هناك متابعة دقيقة من البداية لما قدّمته الجزائر كعاصمة للثقافة العربية، ونحن في ليبيا مسرورون جدّا فعلا بما قدّم من البرامج الجميلة والرائعة ، وفعلا كانت الجزائر في احتفاليتها متميّزة ونحتاج لها لأنّنا نعمل على جبهتين، تأكيد العمل القومي وكذا تأكيد العامل الديني، والجزائر وليبيا مهيأتان لمثل هذه الأمور، والجزائر كانت موفّقة جدّا وكنا باستمرار على اتصال بالقائمين عليها· - آخر أسئلتي خاص نوعا ما، فخلال الدردشة التي سبقت اللقاء، حدّثتمونا عن الذكريات الجميلة التي قاسمتموها مع الجزائريين وعن مكانة الجزائر في وجدانكم، هل بالإمكان أن تقاسموها القارئ الجزائري؟ *واللّه لي كشخص علاقة كثيرة مع الجزائر والإخوة الجزائريين من موقع عملي و من الجانب الشخصي، لقد تربينا وكبرنا على المبادئ الجزائرية وعرفنا الثورة التحريرية ومختلف المراحل النضالية التي مرّت بها ووردتنا قصص عن بطولات شعبها، كما لدي علاقات مع بعض السفراء الذين اشتغلوا معي في عدد من العواصم العالمية وآخرها في دولة الإمارات العربية المتّحدة، ودائما علاقة الجزائري بالليبي أو الليبي بالجزائري علاقة مميّزة، فهم دوما معها، بينهم الألفة الخاصة·