تنقل لكم "الحوار" في هذه الصفحة كيفية صيام شباب جزائري عبر مختلف عواصم العالم من ستكوهولم إلى العاصمة الكندية مرورا بباريس الفرنسية، أين يتواجدون هناك من أجل الدراسة أو العمل أو هربا من واقع مزرٍ وبحثا عن فرص أخرى لمعيشة أفضل تختلف الروايات وتتعدد نكهات الشهر الفضيل في بلاد الغربة ويشترك الجميع في خاصية واحدة وهي محاولة استحضار أجواء الصوم في الجزائر مهما كان الثمن من أجل تخفيف وطأة الغربة خاصة لمن يخوض هذه التجربة لأول مرة. * رمضان الجالية الجزائرية في السويد
يصوم الجزائريون المقيمون في مملكة السويد شهر رمضان المعظم كغيرهم مثل باقي المسلمين وباقي الجاليات المسلمة في كل بقاع العالم..غير أن رمضان في هذا البلد له خصوصياته مقارنة بالبلدان الأوروبية الأخرى خاصة الجنوبية منها..وهذا نظرا للبعد عن الوطن وكذا لقلة الجالية الجزائرية المقيمة هنا والتي تقل كثيرا في العدد مقارنة بالجاليات العراقية والإيرانية والصومالية والتونسية والمغربية وحتى الجالية البوسنية. وبمناسبة هذا الشهر المعظم أجرينا هذا الحوار مع بعض الجزائريين المقيمين هنا وسجلنا آراءهم حول ظروف وأجواء قضاء الشهر الفضيل هنا. بن عربي علي: شاب ينحدر من مدينة الشلف يقول: شهر رمضان هذه السنة كان مباركا عليّ حيث رزقت بولد..ففي هذه السنة فقط أحسست بجو رمضان وذلك بصيام زوجتي معي لأن ما تعده للفطور يذكرني بأجواء رمضان في البلد..وهذا بخلاف شهر رمضان في السنوات الماضية التي كنت أقضيها وحيدا دون طعم. من جهته يرى لعماري فيصل المنحدر من مدينة قالمة بأن أجواء رمضان في هذا البلد لا معنى ولا ذوق له..فصيام اثنين وعشرين ساعة يجعلني أتعب كثيرا ولهذا فأنا أنام مباشرة بعد الإفطار كي أستعد للعمل في اليوم الموالي وهذا يمنعني حقيقة من صلاة التراويح والسمر مع الأصدقاء مثلما تعودنا عليه في الجزائر.. ورغم أني أصوم رمضان مع زوجتي وأطفالي والتي تحاول توفير جو هذا الشهر الكريم في منزلنا إلاّ أن رمضان الجزائر له طعمه الخاص ونحن نشتاق لذلك. أما أرزقي من مدينة تيزي وزو فيروي بأنه يصوم شهر رمضان أو جزء منه هنا في مدينة ستكهولم مع الأصدقاء..فأنا مقيم في مدينة كيرونا أقصى شمال السويد ففي هذه المدينة لا يوجد جزائريون نهائيا..ثم في ستوكهولم على الأقل مع أصدقائي نوفر بعض الأجواء ونجعلها مشابهة لرمضان لبلاد كما أن توفر السلع التي نحبها في شهر رمضان ينسينا القليل من غربتنا. أما الحاج محي الدين صاحب مطعم في منطقة "هوتوريت" في وسط مدينة ستوكهولم فتجد عنده كل أنواع الحلويات مثل قلب اللوز الذي يحبه الجزائريون كثيرا كما تجد كل أنواع اللحوم الحلال وخاصة "المرقاز" الذي يكثر عليه الطلب في هذا الشهر. الحاج محي الدين اعتاد على توفير وجبات ساخنة من شربة وطبق رئيسي ومشروبات وفواكه بكميات معتبرة من أجل إفطار عابر السبيل وكل من يفتقد الجو العائلي في هذا الشهر لمختلف الجاليات المسلمة حيث يرسل كل هذا إلى أحد المصليات في مدينة ستوكهولم..وبفعله هذا هو يرجو رحمة الله والثواب والأجر.
* ساعات صيام طويلة..وهموم العمل تنسينا اللّمة يقول الشاب يانيس المتواجد في السويد وتحديدا في العاصمة ستوكهولم منذ ثلاث سنوات بأن الصيام هناك يدوم ساعات طويلة يوجد من يصوم 20 ساعة خاصة في العاصمة أما في الشمال فهناك مناطق لا تغرب الشمس فيها إلا بعد 23 ساعة مثل مدينة كيرونا. وعن مدى صعوبة الصيام في السويد قال يانيس بأن الصيام هنا أسهل من الجزائر نظرا لدرجة الحرارة المعتدلة مقارنة بالحر الذي يميّز الجزائر في هذه الأيام"، مضيفا "أقضي أيام رمضان بشكل متشابه حيث أعمل حتى الساعة السادسة مساء الشيء الذي يسمح لي بعدم التركيز على الجوع والعطش حيث أنشغل بعملي، وبعد خروجي أقتني بعض اللوازم المنزلية..وعن مائدة الإفطار التي يتفنن فيها الجزائريون كل عام قال المتحدث "زوجتي هي من تحضّر الطعام، وقد يحدث أن أقدم لها بعض النصائح والمساعدة في حال ما كان الطبق جزائريا خالصا لأنها سويدية"، وفي حال تزامن أيام رمضان مع العطلة فيروي صاحبنا صعوبة الصبر على الطعام لأن الوقت يمر ببطء شديد وساعات الصيام في السويد طويلة. وبعد تبليل الحلق بالماء وقتل الجوع بطعام الزوجة في غالب الأحيان لا أخرج للسهرة لأن الإفطار يتزامن مع الساعة 22 والسحور على الساعة الثانية صباحا، وبما أن معظم الجالية تعمل فمن النادر أن نجتمع في سهرات ليلية نظرا لظروف عمل كل واحد منا، وختم محدثنا وصفه السريع لصيام المسلمين في السويد بذكر أهم مسجد في المدينة "أكبر مسجد في السويد هو مسجد زايد بن سلطان آل نهيان حيث تلتقي الجالية هناك لصلاة التروايح.
* باريس…أحياء بحلاوة باب الواد
تعتبر فرنسا أحد أكبر تجمعات المسلمين في أوروبا حيث يقاس عددهم بالملايين وككل عام تظهر علامات الشهر الفضيل في العادات اليومية للمسلمين هناك، حيث تزداد أعداد المصلين في المساجد وتلتزم الأغلبية الساحقة بصيام رمضان حسب دراسات نشرت مؤخرا. وبالعودة إلى الشباب الجزائري المتواجد بمئات الآلاف في فرنسا يروي لنا سمير رمضانه الأول في فرنسا بعيدا عن الأهل والأصدقاء بعد أن قرر الشروع في ماستر اتصال "كنت متوترا جدا قبل الإعلان عن أول يوم لرمضان حيث ترقبت ليلة الشك بقلق شديد لا أعرف سببه وعندما تم الإعلان أحسست براحة نفسية كبيرة ولحد الآن لم أجد صعوبات في الصوم في الأسبوع الأول بل بالعكس أحسست بقوة روحية أنستني بأني أصوم لأول مرة خارج الجزائر"، من جهتها تروي لبنى عاملة في مكتب دراسات بأن "شربة الماء عند المغرب لا تقدر بثمن لكن قبل ذلك أمضي يومي كاملا في العمل لكني أقوم بقيلولة لمدة ساعة في حين يذهب زملائي لتناول الغذاء" وعن المأكولات التي يتم إعدادها من أجل الإفطار قالت المتحدثة بأن "محاكاة موائد الجزائر صعب جدا نظرا لضيق الوقت لكن البوراك والشوربة عناصر ثابتة في مائدتنا أنا ورفيقتي التي أكري معها هذا الأستوديو". على عكس سمير الذي سيكتشف أجواء الصيام لأول مرة بفرنسا..فكمال سيصوم للمرة السادسة هناك "يمكن أن أقول بأني تعودت على أجواء الصيام في فرنسا خاصة في حينا بارببيز فالحي معروف بأسواقه الشعبية الشبيهة بأسواق باب الواد وباقي الأحياء العاصمية حيث نجد كل المنتجات..من حشائش وبهّارات تعيد لنا نكهة رمضان التي تركناها يوم قررنا الإقلاع"، وحسب كمال فمن المستحيل الاستغناء عن السهرات الرمضانية…بين الأصدقاء والعائلة…"على مدار أيام الأسبوع في كل ليلة نفطر عند صديق ونقضي السهرة عنده أيضا وهناك نجد كل الحلويات الرمضانية المعروفة في الجزائر من زلابية وقلب لوز وغيرها…فعلينا أن لا ننسى بأن عدد المسلمين الذين يصومون في فرنسا يعدّون بالملايين فهم يمثلون سوقا كبيرة جدا يحاول التجار توفير كل ما تحتاجه لأن ذلك سيدّر عليهم الملايين …وعن كيفية قضائه للصلاة أجاب كمال بأن المسجد الكبير بباريس الذي بني في مطلع القرن الماضي..يتوفر على قرّاء ومجودين رائعين ينسونك بأنك في بلاد غربية..بل هناك من يختار المسجد الذي يصلي فيه وفق المقرئ المحلي أو الذي بعثته الجزائر أوالمغرب لضمان ترتيل كل القرآن في أيام رمضان. وعن بعض الأصوات اليمينية المتطرفة التي تندد بما تسميه انتشارا كبيرا لمظاهر التأسلم في فرنسا يرى محدثنا بأن التطرف السياسي واقع يشتد كلما كانت هناك أزمات اقتصادية وسياسية مثل ما هو حاصل فالتاريخ علمنا أن عتاة المتطرفين يظهرون في عز الأزمات الاقتصادية دون أن يقدموا حلولا حقيقة للمشاكل" ورغم هذه الأصوات إلا أن كمال يعتقد بأن فرنسا تضمن حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر بشكل مقبول.
* كندا…عطل نهاية الأسبوع تجمع مئات الصائمين * تظهر أولى إرهاصات الشهر الفضيل في كندا عندما تتغير محتويات المتاجر التي تبدأ شيئا فشيئا بالتزيّن بالأكلات المشهورة لدى المسلمين في رمضان من تمور وألبان وحلويات مختلفة حسب سميرة التي تباشر دكتوراه في علم النفس في كندا وتعيش رفقة زوجها في كندا أيام الأسبوع تمضي سريعة خاصة مع وتيرة الدراسة والعمل التي لا ترحم ولا تنتظر الكسالى لهذا نمضي أيام رمضان أنا وزوجي حيث نحاول استحضار ما نستطيعه من تقاليدنا الضاربة في التاريخ "فأنا أحاول أن أطبخ رغم ضيق الوقت ويساعدني هو في التحضيرات"..لكن أهم حدث في رمضان هنا هو التقاء الجالية في كل عطلة نهاية أسبوع حيث نقوم غالبا بإفطارات جماعية "تحضر كل ربة بيت أطباقا معينة ثم نجتمع حول مائدة ضخمة ونسافر عبر كل طبق إلى منطقة ما من الجزائر أو من بقية العالم الإسلامي" وبعدها يفسح المجال لصلاة العشاء ثم صلاة التراويح التي يؤديها مقرأ يتقن اللغة العربية..وتليها دروس إيمانية وروحانية تذكرنا برمضان الجزائر. وعن يوم الصيام في حد ذات فأكدت لنا سميرة بأن ساعات الصيام طويلة وفي حال ما أتى رمضان في أيام الصيف فمن الصعب مسايرة وتيرة العمل لكن هنا في كندا "احترام العقيدة شيء أساسي فالحرية الفردية مقدسة في حال ما لم تؤثر على الحرية الجماعية حيث تأخذ المدارس مثلا بعين الاعتبار صيام رمضان وتتفهم الإدارات عدم أكل بعض موظفيها ولا تتدخل في قراراتهم الشخصية". جعفر خلوفي