تنذر التطورات المتسارعة التي عرفتها منظومة الشغل خلال موسم العطلة الصيفية بانفجار وشيك للجبهة الاجتماعية التي عبرت ولا تزال تعبر عن موقفها الرافض جملة وتفصيلا المساس بحقوق ومكتسبات عمالها تحت أي ظرف مالي أو اجتماعي، بعدما رفعت النقابات المستقلة راية "إيجاد الحلول واجب والمساس بالمكتسبات ممنوع". وتعمل النقابات المستقلة كل منها على حدى خلال هذه الفترة على الاتصال بقواعدها بغرض تحسيسها وتجنيدها للدفاع عن حقوقها، بعدما قررت الحكومة خلال اجتماع الثلاثية الماضي إلغاء التقاعد المسبق والنسبي وتحديد سن التقاعد ب60 سنة، وهو ما رفضه التكتل النقابي المستقل الذي يضم قرابة 20 نقابة، معتبرا أن التقاعد النسبي والمسبق حق مكتسب للعمال لا يمكن التفريط فيه تحت أي ظرف، مؤكدين بأن الحلول موجودة لإنقاذ صندوق التقاعد من الإفلاس ويمكنهم التعاون لتجسيدها.
وكنتيجة لرد الفعل النقابي حول قرار الحكومة خلال الثلاثية الماضية، قامت الأخيرة باستدراك الأمر باستثنائها من إلغاء التقاعد النسبي والمسبق من سمتهم بأصحاب المهن الشاقة، في حين حددت سن التقاعد بالنسبة للنساء ب55 سنة، إلا أن الحكومة لم تفصل لحد الساعة في ملف المهن الشاقة الذي من شأنه تخفيف حدة الغضب العمالي، خاصة وأن جميع القطاعات تطالب بإدراجها في هذه القائمة، وعلى الرغم من درجة الاحتقان التي تعاني منها النقابات المستقلة إلا أن العمل على ملف المهن الشاقة خلال هذه الأيام مجمد نظرا لدخول المكلفين بالملف على مستوى المركزية النقابية في عطلتهم السنوية، بعدما أدرجوا سلفا الصناعات الثقيلة والأشغال العمومية والمناجم.
من جهته جدد التكتل النقابي المستقل تمسكه برفض قرار الوزير الأول عبد المالك سلال بإلغاء التقاعد النسبي والمسبق جملة وتفصيلا، حيث أكد رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين الصادق دزيري في اتصال هاتفي مع "الحوار" أمس بأن التكتل النقابي المستقل يعتزم الاجتماع بعد الدخول الاجتماعي المقبل للفصل في نوعية وكيفية الاحتجاج، مؤكدا بأن حتى لو أدرج قطاع التربية ضمن قائمة المهن الشاقة سينتفض عمال القطاع تضامنا مع بقية القطاعات، مؤكدا بأن المطلب الرئيسي للتكتل هو فتح نقاش معمق مع النقابات والحكومة الهدف منه معرفة ملابسات وأسباب هذا القرار.
واستبعد في نفس الإطار دزيري أن تكون الأرقام المروجة مؤخرا حول إفلاس الصندوق الوطني للتقاعد حقيقية، مشيرا أنه حتى ولو ثبتت صحتها لا يمكن أن يكون الحل في إلغاء التقاعد النسبي والمسبق، مقترحا إيجاد آليات تمويل جديدة للصندوق كفيلة بإعطاء نفس له وإحداث التوازن خلاله، منها دفع منح الأولاد من طرف المستخدم بدل الصندوق بالنسبة للخواص، وكذا تمويل الصندوق من الضرائب المحصلة من التهرب الضريبي، وغيرها من الحلول البعيدة عن المساس بمكتسبات العمال وحقوقهم، وعلى سبيل المثال ما اقترحه الخبير الاقتصادي، فارس مسدور، خلال اليوم الدراسي المنظم من قبل النقابات منذ أيام قليلة حول التقاعد، المتمثلة في تخيير العامل عند توظيفه أن يدفع حقوق اشتراك سنوية مضاعفة ليستفيد من تقاعد مريح، مقارنة مع من يدفع أقل، وأيضا إمكانية أن يعمل الموظف لساعات إضافية تُحتسب له في سنوات التقاعد، أو تخصيص ضريبة جديدة لتمويل صندوق التقاعد على غرار بعض الدول، حيث لقيت هذه البدائل المطروحة تجاوبا من النقابيين الحاضرين. ليلى عمران