أكدت الدكتورة الأخصائية في علم النفس المدرسي واللغوي مليكة قريفو بودالية في حديث جمعها ب "الحوار" أن الكتاتيب لا يمكن أن تؤدي في يوم من الأيام دور المدارس التحضيرية، معتبرة تدخل وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط فيها حاليا جرأة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الكتاتيب الذي يعود إلى 1400 سنة، محملة إياها ونظيرها وزير الشؤون الدينية محمد عيسى مسؤولية ما قد ينجر عن هذا القرار الخطير على الأطفال وعلى الموروث الثقافي والديني للجزائر، ورفعت النقاب في معرض حديثها عن "مخطط" قديم يستهدف اللغة العربية انطلقت بوادره بالمدرسة العمومية وسينتهي بالكتاتيب. – أثار موضوع تأميم المدارس القرآنية من قبل وزارة التربية الوطنية الكثير من الجدل مؤخرا، وهذا بعد حديث الوزيرة عن دفتر شروط خاص ودليل للأساتذة هم بصدد تحضيره.. ما تعليقكم على ذلك؟ جذور هذه الفكرة بعيدة وليست وليدة اليوم، وإنما وصلت اليوم للخاتمة، حيث أن فكرة تحويل الكتّاب انطلقت في حدود 1980، ويظهر ذلك جليا عندما نرى أن الوزراء المتعاقبين على حقيبة الشؤون الدينية كانوا مفتشين بقطاع التربية، وأدخلوا معهم نمط التربية إلى القطاع والذي انعكس على واقع الكتاتيب، فمنذ 1400 سنة ولا مرة جاء أي مسؤول وتحدث عن تحويل الكتّاب، ما عدا نورية بن غبريط وزيرة التربية التي تجرأت على ذلك. وجرأة وزيرة التربية الحالية ليست جديدة لأنها نابعة من مخطط عمره 30 سنة، والذي يهدف إلى تحويل اللغة العربية البسيطة إلى الكتاتيب بعد أن فشلوا في تحطيم الشعب الجزائري وضربه في لغته العربية من خلال إقرار لغة بسيطة جدا بالمؤسسات التربوية، وكان من يستهدف التعليم في الجزائر يظن أن 50 سنة تكون كافية لذلك، إلا أنهم وجدوا نخبة تتقن العربية، وعندما حققوا في الموضوع تفطنوا إلى الدور الذي تلعبه الكتاتيب في الحفاظ على اللسان العربي، فوجّهوا أهدافهم هذه المرّة صوبه من أجل إدخال لغة عربية بسيطة عبر مشروع التربية الوطنية، علما أن من يحفظ القرآن الكريم له رصيد قوي ومفردات ثرية ويعتمد على التفكير المركب.
– تحصلت "الحوار" على نسخة من مراسلة رسمية من الوزير محمد عيسى لإحصاء المدارس أو الأقسام المرخصة لمباشرة التعليم التحضيري، بمعنى أن القرار نابع من وزيرة الشؤون الدينية.. فما تعليقك على ذلك؟ هناك اتفاق بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الشؤون الدينية، فلطالما كانت هذه الأخيرة ملحقة لوزارة التربية، وكما أشرت سابقا كل الوزراء المتعاقبين على وزارة الشؤون الدينية كانوا مفتشين بقطاع التربية، ما عدا اثنين أو ثلاثة، وهؤلاء الثلاثة لم يعمروا كثيرا بحكم الاختلاف في التوجهات مع الأهداف المرجوة من المخطط القديم، وبالتالي فالوزارتان وجهان لعملة واحدة ويتحملان نفس المسؤولية. ولكن يمكنني القول إن الوزير الحالي محمد عيسى بريء مما يحدث، لا لشيء إلا لكونه عندما جاء وجد المخطط قائما ووضع في الأمر الواقع الذي يرتبط ببرامج كثيرة وكبيرة لمن كان قبله من الوزراء.
– وزير الشؤون الدينية أكد في تصريح اليوم (أمس) أنه يرفض أي إصلاح للمدرسة القرآنية لا ينبع من أسرة التعليم القرآني ذاتها، فهل هذا ما نشهده في أرض الواقع وعلى الميدان؟ الوزير محمد عيسى هنا في تناقض تام إذا ما رأينا كل تصريحاته وتوجهاته الحالية، واستذكري في هذا السؤال عندما استدعيت مرة إلى أحد الزوايا ولم يتركني مفتش التعليم أتحدث بالمرة، وهذا ما يدل على حجم التطويق الذي كانت تمارسه وزارة التربية الوطنية بمعية وزارة الشؤون الدينية. وهناك تجاوز في الصلاحيات اليوم من وزارة التربية وحتى من وزارة الشؤون الدينية، إذن لا يمكن أن تعتبر الكتاتيب مدرسة قرآنية لأن القرآن لا يدرس وإنما يحفظ.
– هل تستطيع أن تكون المدارس القرآنية "تحضيرية" من حيث المحتوى طبعا؟ إذا قلنا مدارس قرآنية فقد اقتنعنا بمخطط وزارة التربية، وتسمية "المدارس القرآنية" ظهرت في 1800 عندما لم تكن مدارس عمومية بالجزائر، أما في أوروبا فقد أنشئت مثلها أقطاب لاستمرار الثقافة بعيدا عن الكراريس والسيالات والسبورات. و"الكتّاب" هي التسمية الصحيحة وليس "المدارس القرآنية" مثلما تريد لها وزارة التربية أن تكون، وإذا أدخلت التربية التحضيرية إليها فستفقد قيمتها ودورها المنوط بها، وبالتالي "لا يمكن أن تلعب الكتاتيب دور المدارس التحضيرية لأنها ستكرس القطيعة".
– تحدثتم في وقت سابق عن "مخطط" يستهدف المدارس القرآنية من أجل تطبيق خطة تخل بذكاء الأطفال، ما هي الغاية من ذلك؟ إذا تكلمنا عن الذكاء، فإن إدخال العربية البسيطة إلى الكتّاب سينعكس على الأطفال في عدد المفردات التي يستطيع استيعابها وتعلمها للتعبير عن ذكائه واستعمال التفكير المركب، لأن القرآن ليس لغة بسيطة، والطفل في الكتاب يتعلم اللغة المركبة ولغة البرهنة. وكان الطفل قديما يبقى زمنا قصيرا لا يتجاوز 30 دقيقة لحفظ القرآن، وهو ما يسمح له بعيش طفولته بالموازاة مع التعلم، ويتمكن من فهم الواقع من خلال التجربة، ويفهم الزمان والفضاء بنفسه، وليس بالتمارين مثلما نجده في مدرسة بن غبريط حاليا.
– كيف ترون دور المدرسة القرآنية في الحفاظ على الهوية الوطنية والمرجعية الدينية بالجزائر؟ الكتاتيب يجب أن تبقى كالسابق، ثم من قرر تغيير الكتاب اليوم؟، وأؤكد لكم أن هذا القرار غير جزائري، وهو مفروض علينا من الخارج، وهناك من يطبقه ممن ليسوا في مستوى المسؤولية، وعليهم رفع أيديهم عن الكتّاب، وليس عليهم احتكار الماضي الذي يمثله الكتاتيب، لكنه ليس من مركبات الحاضر وهو يخص أجدادنا. والمسؤلون اليوم لا يحبون النقاش العلمي، وعليهم صون الإرث الذي تركه أجدادنا، لأنهم ليسوا في مستوى فهم الحضارة العظيمة التي مر بها أجدادنا. حاورتها: نسرين مومن