بقلم: جمال نصر الله كان ابن عربي الطائي (الصوفي الأكبر) ولازال مصدر إلهام الكثير من المريدين، سواء الذي عايشوه أو حتى الذين يعيشون معنا في هذا العصر إلى حد اليوم، معتبرينه العارف الأكبر الذي وصل بفلسفته الروحية إلى مصاف الأتقياء النبلاء والباحثين عن حقيقة الخلق والوجود. وإذا تمعنّا في كثير من كتاباته التي تركها لنا كالفتوحات المكية وفصوص الحكم لأصبنا بالصدمات غير المحدودة وغيّرنا رأينا كلية في مفهوم التصوف…وهل كل المتصوفة ينحون نفس النحو، (أكيد لا)، وهل كان بمكان أن يصلوا إلى نفس ما وصل إليه صاحبنا يوم ادعى بأنه المهدي المنتظر وأن فصوص الحكم هي رسالة سماوية جاءه بها الوحي في المنام، حيث لا ذنب له في كل هذا لأنه مغلوب على أمره؟، والأبغض من ذلك أنه يكتب في المقدمة بأن النبي الكريم منحه إياها، لذلك فقد كان هذا الأندلسي جد متأثر بأحلامه، والتي كلما راودته وروضته استجاب لها في اليقظة وأراد تحقيقها على أرض الواقع مهما كلفه الثمن والمجازفة؟، هذه نقطة مهمة تستوجب التوقف والإحاطة بها من كل الجوانب خاصة عند علماء النفس الذين يدرسون النفسيات والشخصيات الباطنية للمبدعين. ومن بين الشطحات التي وضعته داخل موضع لا يحسد عليه، أولها أنه وصف عذاب النار يوم الآخرة بأنه عذوبة، نتيجة عذوبة طعمها المعسوسل؟، كذلك كان من أكبر المروجين لفكرة وحدة الوجود التي تعني بأن جل جلاله يحل في مخلوقاته والعياذ بالله؟، إلى درجة أنه مرّ يوما بإحدى الجيفة من الكلاب والخنازير وأكد لمرافقيه أن الله مجسم حتى في هذه المخلوقات عفاكم الله؟، وتقريبا هذا ما ذهب إليه قبله الحلاج الذي ادعى الربوبية إلى درجة أنه قال (ما في الجبة إلا الله)، واصفا بذلك لشخصه لحظة ما كان يرتدي إحدى جببه الصوفية..ورغم ذلك يُعد الحلاج أخطر بقليل من كفريات ابن عربي، وهذا بشهادة المحققين والمؤرخين. ابن عربي وضع نفسه في صفة العارف المتصل، وهذا حين قال: (العارف يرى الله في كل شيء..بل يراه عين كل شيء). من هذه القناعات قال عنه الحافظ الذهبي الذي أدرك شطحاته مبكرا (إن لم يكن في كلامه هذا كفرا فلا كفر في الدنيا أبدا)، وصولا إلى عبد الرحمن بدوي، الذي وصف كتابات ابن عربي بغير الدقيقة ( كلامه غير دقيق ويحتاج إلى تحقيق)، أما أكبر من تابعه أي الشيخ الشعراني، صاحب كتابيّ طبقات الصوفية والأولياء، فقد انتقد بشدة ابن عربي يوم وضع نفسه كولي صالح وفي مرتبة مقدسة هي فوق الأنبياء والرسل، أي أنه جعل مرتبة الرسل هي الأدنى؟.
والسؤال المطروح، لماذا فعل كل هذا عالم محسوب على العلماء المسلمين، والذي غالبا ما ظل يوصف بالشيخ الأكبر، أما فريقا آخر فيصفه بالشيخ الأكفر؟..هل تعمد ذلك ليلفت انتباه الكثيرين في عصره مثلما يفعل بعض المثقفين والمفكرين اليوم؟، أم أنه كان صادقا مع فلسفاته الطائشة، والتي من المؤكد أنها وضعته في خانة الملحدين ولا شيء غير ذلك، حيث يتفقه بعض الباحثين اليوم، ويقرون بأن ابن عربي لم يُفهم، وهو عالم أضطهد وثوري عجز الكل عن التماس مقاصده وتأويلاته المرجوة …من جهة أخرى ذهب البعض بأن أعماله التي بين أيدينا اليوم، ليست النسخ الأصلية بل هي محرفة؟. ودعونا نقرأ هذا المقطع فقط لابن عربي (فيحمدني وأحمده …ويعبدني وأعبده ….ففي حال أقر به وفي الأعيان أجحده؟، فيعرفني وأنكره … وأعرفه فأشهده…فأنىّ بالغنى وأنا أساعده فأسعده). يا ترى أية مقاصد غامضة هنا تبدو وتحتاج إلى تأويل إن لم تكن الأمور واضحة وضوح الشمس، وأن صاحبنا يؤكد بقلمه خروجه عن الملة المحمدية، بل يتفلسف خارج الكون ليبين لنا بأن لحيظات التصوف تدفعه للتقول بهذا، فقديما قال العلماء المحدثين من تمنطق تزندق، لكن ابن عربي لم يتمنطق بل يستبيح الكفر علنية؟، لأن التصوف هو مفهوم جليل ويعني تزكية الأنفس والزهد عن ملذات الدنيا (اللهم اجعلها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا) أي الدنيا، وهي حالة روحية تقربّ العبد من ربّه ولا تبعده. أخيرا وحتى لا نسقط في عملية إعداد دراسة لهذا العالم المهووس، نقول بأن ابن عربي الذي حجّ ولم يعد إلى بلدته مرسية وألهم بعشيقته نظام التي كتب عنها ترجمان الأشواق. وكان قد ألتقى جلال الدين الرومي في دمشق وتأثر بأفكاره حتى مات ودفن بقونيا التركية ….لا يحتاج من أي أحد أن يضعه موضع العالم الذي أضاف لأمتنا، بل هو حالة شاذة لا يقاس عليها وأمثاله كُثر ممن تركوا لنا تعرجاتهم وخلبطاتهم، ثم يعتبرها الغير عن أنها قمة العطاء الوجداني والمعرفي، بل قمة التأمل الفلسفي والتدبر في الكون والخالق والمخلوقات..بل عند البعض هي أسئلة الوجود والكينونة.