* للدراسة مراجع ستنشر في آخرها * حسن الترابي أمينا عاما للحركة: إن انضمام د. الترابي إلى العمل الإسلامي المنظم، وقبل أن يبلغ عمره ثمانية عشر عاما، كان له الأثر في أن يتمرس على العمل الدعوي والسياسي، فبالإضافة إلى تمكنه من العلوم الشرعية مبكرا، فقد ساعده ذلك في أن يكون له مستقبل واضح المعالم ليقود جبهة الميثاق "وقد كان لوالده أثرا قويا على مستقبل ابنه د. حسن الترابي، والذي حفظ القرآن على يديه يافعا، أطلع على علوم القرآن وتفاسيره وجملة من علوم اللغة والتوحيد مما يدرّس في المراكز العلمية الدينية في السودان". هذه الخلفية العلمية هي التي جعلته لا يتردد في الانضمام إلى العمل الدعوي المنظم، حيث انضم إلى مجموعة من الطلاب الإسلاميين في مدرسة "حنتوب" الثانوية، فوق ذلك فقد أخذ الابن عن أبيه عاطفة دينية قوية كانت هي الحافز له للإنضمام لثلة من الطلاب الإسلاميين في مدرسة "حنتوب" الثانوية في النصف من عقد الأربعينات، ثم ما لبث أن التحق بحركة التحرير الإسلامي التي أنشئت بالجامعة 1949م، حيث أصبح من أهم كوادرها وأصلب عناصرها مما أهّله لولاية أمارتها عام 1954م إبان انعقاد مؤتمر العيد، وهو المؤتمر التأسيسي الفعلي للحركة الإسلامية السودانية، والذي انطلقت من بعده للمجتمع الواسع بهمة عالية وخطة قاصدة وسعي حثيث، ثم اجتمعت عدة أسباب وظروف أدت إلى تكوين جبهة الميثاق الإسلامي، واختيار د. الترابي أمينا عاما لها. وفي هذا السياق، كتب الدكتور حسن الشافعي على مشارف انعقاد المؤتمر السابع للحركة الإسلامية عن إشكالية الحركة الإسلامية في السودان كلاما مهما في مضمار فهم طبيعة تكوين وفكر الحركة الإسلامية السودانية، جاء فيه ما يلي: يبدو أن هذه النشأة المتعددة الروافد لم تشكل زخما للحركة بقدر ما شكّلت عائقا أمام ظهورها في كيان واحد، ولعل هذا ما دفع هذه التيارات إلى حسم موقفها من فكرة التنظيم، وكذلك العلاقة بالإخوان المسلمين. وعلى صعيد ذكر العوامل التي ساهمت في رفع أسهم د. الترابي، فبالإضافة إلى علمه الغزير نجد أن حنكته السياسية كانت وراء قيادته لجبهة الميثاق الإسلامي، حيث أسهمت ثورة أكتوبر في إظهاره كقائد محنك لعب دورا كبيرا إبان الثورة، مما جعله رقما لا يمكن تجاوزه " رفعت أحداث ثورة أكتوبر 1964م من مكانة الإسلاميين، لأن الأدوار الرئيسية كانت من نصيبهم، كما ارتفعت أسهم الترابي ولمع اسمه ابتداء من الندوات، ثم مؤازرته للطلاب في ظروف الثورة الأولى وإشرافه على نقل الجرحى، مرورا بقيادته لهيئة الأساتذة في موكب التشييع والاستقالات الجماعية، انتهاء بصلاته مع السياسيين وتحريكه للخيوط حتى سقوط سلطة العساكر، مما أدى إلى اتساع فرصة السياسة له، لذا فقد تزعم الإخوان وانتخبه المكتب السياسي لجبهة الميثاق كسكرتير عام. هكذا نرى الأسباب التي أدت إلى اختيار د. الترابي أمينا عاما لجبهة الميثاق الإسلامي، أما أسباب اختيار هذا المنصب داخل هيكل الحركة الإسلامية فيعود إلى توسيع وظائف المكتب التنفيذي وتحديد اختصاصاته وإيجاد كيان جماهيري، وبموجب ذلك تواضع المؤتمرون على اختيار صيغة جبهة الميثاق الإسلامي، وفي يوم الخميس 25 نوفمبر 1964وفي جلسة مكتملة لمجلس الشورى نوقش التعديل الدستوري الخاص بتوسيع وظائف المكتب التنفيذي وتحديد اختصاصاته وأقرت وظيفة الأمين العام، وبعد ذلك نوقشت الترشيحات المقدمة وانتخب حسن الترابي فيما يشبه الإجماع، كما أقر المجلس خلق كيان جماهيري، ورسى الأمر على اختيار صيغة جبهة الميثاق الإسلامي. لقد تحدث أكثر من مرجع عن أهلية د. الترابي لقيادة جبهة الميثاق الإسلامي لمؤهلاته الدعوية والسياسية. الترابي الذي ارتفعت أسهمه ولمع اسمه في ظروف الثورة، فكان هو الواجهة القيادية المثلى لتنظيم الإخوان، ومن ثم لم يكن هنالك من الناحية العملية وتجاوزا لمقتضيات الظرف السياسي بإعلان حسن الترابي أمينا عاما للإخوان المسلمين. لقد قاد د. الترابي جبهة الميثاق الإسلامي كأول تنظيم دعوي وسياسي في السودان يهدف إلى جعل الإسلام نظاما للحياة والتخلص من كل الأنظمة التي تخالف الإسلام وتروج للإلحاد. وقد صدر ميثاق الحركة الإسلامية في بداية عام 1965، وهو بمثابة برنامج جبهة الميثاق الإسلامي، وهو يتكون من أربعة أبواب، حيث يبدأ الباب الأول بسؤال، لماذا تنادي بالإسلام نظاما للحياة، وفيه الإجابة عن نظام الإسلام كبديل لسائر الأنظمة التي تنظم الحياة، وتناول الباب الثاني النظام الدستوري، بينما تناول الباب الثالث المشكلة الاقتصادية وكيفية الخروج منها، وتناول الباب الأخير النظام الاجتماعي وفق لما تقره الشريعة الإسلامية. ويقسم حسن الترابي المراحل التي مرّت بها الحركة الإسلامية في السودان إلى سبعة عهود هي : – عهد التكوين. – عهد الظهور الأول. – عهد الكمون الأول. – عهد الخروج العام. – عهد المجاهدة والنمو. – عهد المصالحة والتطور. – عهد النضج. وهي عهود لخص بها الترابي مسارات الحركة الإسلامية في السودان من دون أن يكون مستشرفا أنه سيغادر الحركة التي أسسها وقاد أهم مراحلها وغذاها بفكره واجتهاداته، حيث لا يمكن أن تتحدث اليوم عن التجربة السودانية دون المرور إجبارا على طبيعة شخصية الترابي وخلفياته الفكرية والسياسية، سيما أن الحركة لم تقتصر في مشروعها على الجانب التربوي والاجتماعي فحسب، وإنما احتل الجانب السياسي مساحة كبيرة في إطارها الفكري والحركي، حيث تبلورت مطالبها بعد الاستقلال في تبني فكرة الدستور الإسلامي للبلاد، لكن جاء انقلاب عبود عام 1958 ليطيح بهذه الفكرة ولتبرز معه أفكار جديدة تتمثل في كيفية التخلص من هذا النظام. * أفكار الترابي تصنع الاختلاف داخل الحركة وهنا ظهرت للمرة الأولى فكرة السعي للإطاحة بالنظام عبر القوة، وهي فكرة مخالفة لأفكار الإخوان المسلمين كمنهج، رغم أن الإخوان كان لهم دور مهم في حركة الضباط الأحرار في مصر، وهي الحركة التي أنهت عهد الملكية، هذه الجرأة السودانية أثارت جدلا واسعا بين تيارين أساسيين داخل الحركة، الأول يقوده المرشد العام في حينها الرشيد الطاهر بكر، الذي يؤيد فكرة الانقلاب على عبود بالقوة، والثاني يقوده الترابي الذي عارض ذلك، وكانت النتيجة أن قام الطاهر بمحاولة انقلاب فاشلة ترتب عليها اعتقاله، ونجح الترابي في استصدار قرار بإقصائه من منصب مرشد الحركة. والغريب في الأمر أن الترابي بعد وصوله لمنصب المرشد العام للحركة منتصف الستينيات بدأ يقتنع بأفكار الرشيد الطاهر، حيث لعب –أي الترابي- دورا كبيرا في الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس عبود عام 1964، كما لعب دورا مهما في مواجهة نظام نميري من خلال تشكيل الجبهة الوطنية التي تضم قوى المعارضة عام 1976، والتي أنشأت معسكرات تدريبية لها في ليبيا، وبالفعل وصلت إلى الخرطوم، لكن حالت بعض العقبات الفنية دون نجاحها في السيطرة على الحكم. ولعل أسلوب الترابي هذا أثار حفيظة التيار السلمي في الجماعة الذي يتمسك بثوابت الإخوان في عملية تداول السلطة، وكانت النتيجة خروج مجموعة الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، وتشكيلها تنظيما خاصا بالإخوان المسلمين عام 1977، وليصبح هناك تياران أساسيان في البلاد هما الإخوان والحركة الإسلامية، ومنذ ذلك الحين هيمن الترابي على الحركة، وسيطرت عليه فكرة الوصول إلى الحكم، فتم ذلك عبر الانقلاب على الحكومة المنتخبة التي كان يرأسها الصادق المهدي عام 1989، وهي الفترة التي دشنت لحكم الإنقاذ (ثورة الإنقاذ الوطني). وبالرغم من حدوث نوع من التناغم والتفاهم بين القيادة الدينية المتمثلة في الحركة، والقيادة السياسية، فإن طموحات الترابي السياسية ساهمت في التعجيل بحدوث المواجهة مع البشير خاصة بعد وفاة الزبير صالح النائب الأول للبشير، وسعي الترابي لأن يحل محله، وهو ما قوبل برفض شديد من البشير لمعرفته طموحات الترابي السياسية، وكانت النتيجة خروج الترابي بمجموعته وتشكيل تنظيم ثالث للحركة خاص به، لتصبح لدينا مجموعة القصر الرئاسي (البشير)، ومجموعة المنشية (الترابي) فضلا عن الإخوان المسلمين. وفي الفترة الأخيرة إنشق القيادي (غازي صلاح الدين) وكوّن في منتصف نوفمبر 2013 حزب (حركة الإصلاح الآن). وفي نفس الوقت، شكّل بعض الأكاديميين الخارجين عن الحركة مجموعة (الحركة الوطنية للتغيير). وحسب البروفيسور حسن محمد مكي، فإن الحركة الإسلامية السودانية مرت في أعوامها الستين، بمنعطفات عديدة وامتحانات متتالية، كما مرت بمحطات مختلفة أسهمت في تشكلها وتشكل خطابها السياسي والاجتماعي، ويمكن إجمالها في الآتي: * مجابهة مجمل خطاب الحركة اليسارية حول الهوية والوجهة الثقافية وقضية الانتماء والسلوك، علما بأن الحركة الإسلامية كذلك تعلمت من خصومها في أدب المقاومة والعمل السري وبناء الخلايا وعمل التكتلات والمظاهرات والمنشور وكثير من أوجه البناء التنظيمي. * أدب المحنة والابتلاء خصوصا في حقبة الرئيس الأسبق المشير النميري 1969- 1985، كما أن التكوين العقلي والنفسي كان مهيئا أو حاضنا لفكرة المحنة نتيجة للمتابعة المستمرة لما جرى للإخوان المسلمين في مصر وغيرها. * التعلق بفكرة الإصلاح من خلال القانون " الشريعة، الدستور الإسلامي "، ربما نتيجة لأن معظم رواد الحركة من خريجي كليات الشريعة والقانون (صادق عبد الله، بابكر كرار، محمد يوسف محمد، عمر بخيت العوض، الترابي، دفع الله الحاج يوسف، الرشيد الطاهر بكر… إلخ). * الاهتمام بالشباب والمرأة، ولعل إسهامات د. الترابي في أدب مخاطبة المرأة كان لها فعلها في تنمية الحركة الإسلامية النسائية. * التعلق بفكرة إقامة الدولة المسلمة والإمام المسلم عن طريق الإصلاح والتغلغل التدريجي في مظان مفاتيح السلطة والقوة، وكذلك عن طريق الجهاد والقتال، وتوج ذلك بمشروع الإنقاذ في 30 جوان 89، وكان حينها عمر الحركة قد بلغ الأربعين سنة ميلادية.
* العبقرية الترابية في الإنجاز السوداني المميز ولعله من المفيد أن نفرد لدراسة فكر الترابي جملا تعرّف به وبفكره، وكيف أثر في مسيرة الحركة الإسلامية السوادانية رغم أنه غادرها في مرحلة من المراحل وأصبح معارضها الأول في السودان. ويُجمِع أهل السودان على الاعتراف بأن الخلفية العلمية والثقافية التي تسلح بها الترابي في بيت والده، ومن ثم في الجامعات المحلية والخارجية، هذه الخلفية هي التي صنعت منه تلك الشخصية الفريدة والمميزة. ولِد حسن الترابي سنة 1932 في مدينة «كسلا» شرقي السودان، وسط أسرة متدينة وميسورة الحال، تنتمي إلى قبيلة البديرية، توفيت والدته وهو صغير، الأمر الذي شجّع والده القاضي على الاهتمام بتنشئته والاعتناء بدراساته الدينية، وقد عُرِف ذلك القاضي النزيه بأنه شيخ طريقة صوفية، لذلك ألزم نجله بأهمية حفظ القرآن الكريم، ودرس علوم اللغة العربية والشريعة. بعد دراسة الحقوق في جامعة الخرطوم، سافر الترابي إلى بريطانيا ليلتحق بجامعة اوكسفورد (1957)، حيث حصل على شهادة الماجستير، وفي سنة 1964 التحق بجامعة السوربون في باريس، ونال شهادة دكتوراه في المحاماة. وكان يُتقن أربع لغات هي العربية والانكليزية والفرنسية والألمانية، وفور عودته إلى السودان، عمِل الترابي أستاذاً في جامعة الخرطوم، ومن ثم عُيِّن عميداً لكلية الحقوق. ويبدو أن طموحاته السياسية خطفته من محيط الجامعة والتدريس، لتضعه وسط أجواء الدولة في مرحلة بالغة الحساسية. وبسبب اختصاصه، اختير وزيراً للعدل، وفي سنة 1988 عُيِّن وزيراً للخارجية، وبعدها بسبع سنوات اختيرَ رئيساً للبرلمان. أما بالنسبة لنشاطه الحزبي، فإن حسن الترابي نذر حياته لنشر أفكار الحركة الإسلامية، الأمر الذي فرض عليه إتقان فن السكن في السجون، وقد دشن نشاطاته بالدخول في عضوية «جبهة الميثاق الإسلامية»، وهي تمثل أول حزب أسسته الحركة الإسلامية السودانية التي تحمل فكر «الإخوان المسلمين»، وبعد مضي خمس سنوات، أصبح لجبهة الميثاق الإسلامية أهمية شعبية، لذلك تولى الترابي أمانتها العامة سنة 1964. بعد الانقلاب الذي قام به جعفر النميري، تم اعتقال أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية، ومن بينهم الترابي الذي أمضى في السجن سبع سنوات، وأطلِق سراحه بعد مصالحة الحركة الإسلامية مع النميري سنة 1977. وبسبب تنامي المد الإسلامي، وخوف النميري من تقويض دعائم حكمه، فرض قوانين الشريعة الإسلامية سنة 1983، معلناً تحوله إلى رجل متدين، ولكن الشعب لم يقتنع بهذا التحول، خصوصاً أن حكاية صفقة «الفلاشا» إلى اسرائيل أحدثت ضجة في العالم العربي، وهكذا اضطر النميري إلى حلّ البرلمان لمواجهة تظاهرات يومية لم تلبث أن تحوّلت إلى ثورة شعبية أدت إلى إسقاطه سنة 1985. عقب هذه المرحلة المضطربة، أسس الترابي «الجبهة الإسلامية القومية»، وفي جوان 1989، تحالف مع البشير للقيام بانقلاب عسكري ضد حكومة الصادق المهدي، علماً أنه متزوج من شقيقته وصال المهدي. يوصَف الترابي بأنه شخصية غامضة أثيرت حولها أحكام مختلفة، فالبعض يرى فيه سياسياً بارعاً في تحريك الإعلام، وخطيباً مؤثراً في الجماهير، بينما يرى فيه خصومه شخصاً مخادعاً، له طموحات لا تحدّ وخبرة في صنع الدسائس والمؤامرات، إضافة إلى نهمٍ للسلطة، ويتهمه هذا الفريق بإصدار فتاوى تخرج عن إجماع أهل السنّة. وعرف الدكتور حسن الترابي بحدّة طبعه، واتخاذه للقرارات السياسية الغريبة، والدفاع عن كل تقلباته الفكرية والسياسية بالحماس نفسه، عندما صالح نظام النميري، قال إنه يضحي بنفسه من أجل التنظيم، وحينما كان في الحكم دعا الشباب إلى "الجهاد" في الجنوب قائلاً إنهم يذودون عن الإسلام، وبعد خروجه من السلطة بأسبوع، صرّح بأن كل من مات في الجنوب، إنما هو "فطيسة"، وزاد: "من أراد أن يموت لأجل برميل بترول فليذهب". انفض أغلب تلامذته عنه حين خلافه مع الرئيس السوداني، ويعزو كثيرون ذلك لما اشتهر به الرجل في أوساط مناصريه، بحدة الطبع، وقسوة اللسان، فكان يصف صفوة تلاميذه بأوصافهم الخلقية الشاذة، كالتمتمة وغيرها، ويطلق في نوبات غضبه الألقاب الدقيقة ذات الوقع المؤذي، ويعيرهم بمهن جدودهم، وغيره.
* الترابي يصنع الحدث في حياته وموته مسيرة الترابي الطويلة، هي عطاء من التمرّد، فبالرغم من دوره الكبير في إلهام الإخوان المسلمين، إلا أنّه يرى نفسه أكبر من الانتماء إليهم، ويحرص على تقديم نموذجه كتطور بعيد، ربما لا يصلون إليه، فهو صنع سلطة، ودمج المسيحي، واستغلال عطاء المرأة السياسي، والشباب. ليست هذه المرة الأولى التي يغمى فيها على الترابي، فقد تكرر الأمر، منذ التسعينيات، ويقول مقربون منه، إنها جراء الإجهاد، ويستشهدون بنقص مفاجئ في السكر، أصابه قبل ندوة في 2010، وفقد وعيه على إثرها، علمًا بأنه يمتاز بنظام صحي دقيق، يحتوي على تمارين اعتادها منذ سجنه الأول، في عهد الرئيس النميري. ويكرر كثيرون تأثره بآثار الاعتداء أو محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في مطلع التسعينيات على يدي بطل الكاراتيه السوداني هاشم بدر الدين، الأمر الذي ينفيه بحسم المقربون منه. وكما اختلف أهل السودان في تقويم شخصية الترابي في حياته، كذلك اختلفوا على تعريف إرثه السياسي والثقافي بعد موته، ومنهم من رأى فيه مثالاً للإنسان الدؤوب على العمل، كونه توفي وهو يعمل في مكتبه في دار الحزب صباح السبت، في حين نعته «حركة جيش تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد محمد نور، ولكنها انتقدت مشروعه لأنه، في نظرها، المتهم الأول في دفع البلاد إلى حافة الهاوية، وإلى ما نراه من تمزق واحتراب. في الإطار الفكري، وضمن منظومته التي حاول تطويرها، اشتهر بآراء شاذة، استحوذت على نقاش الرأي العام، مثل إمامة المرأة، وزواج المسلمة من الكتابي، ونسب إليه البعض إعادة تفسيره لمعنى الحجاب، الذي قال إنّه "ستارة"، وردّ عليه كثيرون حديثه عن استواء عدالة الصحابة، وإنكار عذاب القبر، الذي قال إنه لا يستقيم عقلاً لأن الجسد يتكون من 70% من الماء، فلا مجال لعذاب يحسه، وانتشر عنه الرأي بأن البيعة الشرعية إنما هي لله وليست لحاكم، وأن الأمر لا يتولاه فرد بل أولي أمر، هم أمراء، يفسر المراقبون آراؤه الدينية بالمجال السياسي الذي يعمل فيه وتنعكس الآثار عليه. يقول أدباء السودان ممن رافقوا مسيرة الترابي أنه تأثر جداً بالثورة المهدية التي أطلقها محمد أحمد بن السيد عبد الله في صيف 1844، وقد بسط سلطاته فوق رقعة واسعة تمتد من البحر الأحمر حتى وسط إفريقيا، وزحف من أم درمان إلى الخرطوم فاحتلها، ثم أعلن «نفسه» مهدياً لحكومة دينية. وكان السودان في حينه خاضعاً لسلطة مصر المحكومة من قِبَل الامبراطورية العثمانية، ولما حاصر أنصار المهدي الخرطوم تجرأوا على اغتيال الجنرال الإنكليزي غوردون. وقد جزوا رقبته وحملوا رأسه على حربة، بهدف تطمين السكان السذج الذين كان يخيفهم الأجنبي المحتل، وقد أدت هذه الحادثة إلى إعادة احتلال السودان بقيادة الجنرال كتشنر. ومن سيرة المهدي استقى الترابي فكرة الثورة الشعبية التي كان يخطط لها، ولما سُئِل، قبل عدة سنوات، عن رأيه بمصالحة الرئيس البشير، رفض الفكرة، مطالباً برحيله قبل اعتقاله وتسليمه إلى المحكمة الجنائية. واستطرد في شرح جوابه ليقول: يجب أن ينظر البشير إلى مصير النميري وأفراد حزبه، وإلى «الربيع العربي» وإعصاره المدمِّر ضد حسني مبارك وعلي عبد الله صالح والعقيد معمر القذافي، ومختلف الزعامات التي حكمت بالترهيب والترغيب، لكن الترابي في آخر حياته قبل دعوة الحوار التي وجهها الرئيس البشير لخصومه بينما قاطعتها غالبية أحزاب المعارضة والحركات المسلحة التي تحارب الحكومة، وحذر الترابي بأن أمر السودان أصبح في يد القوى السياسية، إما أن تحيله إلى فوضى أو إلى بلد مستقر، ودعا إلى تشكيل حكومة تدعم الحريات وتسمح بانتخابات لاختيار مجلس تأسيسي يضع دستورا ثابتا للبلاد. وقال الترابي، في ندوة حول التعديلات الدستورية المرتقبة، نظمتها نقابة المحامين بالخرطوم "إذا جنحوا للسلم فاجنح لها"، كاشفا أن "الحكومة السودانية أيضا متضررة، لذا دعت للحوار". وبرّر قبوله الحوار بأن المعارضة عجزت عن إسقاط النظام، لكن عاجلته المنية وتوفي إثر إصابته بذبحة قلبية توفي على إثرها في مستشفى "رويال كير" في الخرطوم، وذلك يوم 05 مارس 2016.