مع تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية، طفا إلى السطح جدال آخر حول حكم "الحرقة" من الجانب الشرعي، حيث أكد أئمة،.. مشايخ وعلماء دين ل"الحوار" أن الظاهرة محرمة شرعا، كونها إلقاء بالنفس إلى التهلكة والمخاطر، داعين الجهات الوصية الى معالجة الظاهرة من كل أبعادها، والاستماع للشباب الذين مروا بهذه التجربة من أجل التقليل من ركوب "قوارب الموت". وفي هذا الصدد، قال منسق نقابة موظفي الشؤون الدينية جلول حجيمي إن ظاهرة الحرقة تمس بمقاصد الشريعة من حفظ للمال والنفس والعقل، ولذا جاء القول بتحريمها، كما أن كل الأدلة سواء من القرآن والسنة تدعم هذا الرأي، ولعل أبرزها قول الله تعالى "و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة". هذا وأكد ذات المتحدث خلال اتصال هاتفي ب"الحوار" أن الضرر الذي يترتب عن ظاهرة الحرقة لا يخص القائم بالفعل فقط، بل يتعداه حتى أهله ووالديه، خصوصا إذا أصابه مكروه في عرض البحر، أو حتى خلال وصوله إلى هناك، مضيفا بالقول "كل الطرق تؤدي إلى رأي واحد: الحرقة هي قتل للنفس، وهو ما حرمه الله". بالمقابل رأى حجيمي ضرورة السعي نحو معالجة ظاهرة الحرقة من أسبابها المختلفة وعدم الاكتفاء بالجانب الشرعي وتحريمها، بل يجب الاستماع لمختلف من مروا بهذه التجربة المريرة ومعرفة الدوافع الحقيقية التي أدت بهم إلى ركوب قوارب الموت. من جانبه، أفاد إمام مسجد القدس في حيدرة جلول قسول أن الشرع قد فصل نهائيا في ظاهرة الحرقة واعتبرها إلقاء بالنفس إلى التهلكة، كما أنها مساس بالعقيدة الدينية، على اعتبار أن الشاب الحراق يذهب من بلد مسلم تطبق فيه شعائر الإسلام إلى بلد آخر، وأبرز قائلا "الحرقة من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر لا تجوز إطلاقا، على اعتبار أنها قد تضرب الوازع الديني وتضعفه كثيرا". وفي سياق مماثل، قال قسول إن الانتهاكات التي تمارس ضد المهاجرين غير الشرعيين في مختلف الدول الأوروبية تدل على أن الشباب الذي يقدم على فعل الحرقة لن يجد أبواب الخير هناك في الضفة الأخرى، هذا إذا نجا من الموت غرقا في البحر. في حين، قال رئيس رابطة علماء الساحل يوسف بلمهدي إن العلماء قد تحدثوا قديما عن ركوب المخاطر أو ركوب المهالك، ومثلوا ذلك بركوب البحر حالة فورانه وهيجان،ه فمنعوا هذا الركوب، وإن كان ذاهبا إلى الحج أو العمرة، ويدخل في الموضوع ذاته إذا لم تتوفر الوسيلة الآمنة لركوبه كأن يستعان بخشبة أو قارب لا يفي بالغرض ولا يؤمن سلامة الراكب فقالوا بحرمة ذلك، وتحدثوا أيضا عن من يقتحم الصحراء التي ليس فيها ماء أو محطات، بالتالي يكون الإنسان فيها معرضا للخطر من وحوش ضارية أو لصوص متربصة، وأفاد بلمهدي أيضا أن "من خرج في الصحراء تعرض لاعتقال من قطاع طرق أي كانت وجهتهم وتعرضوا للتعذيب كما حدث مؤخرا في السودان، ومن باب سد الذريعة أفتى العلماء بعدم جواز مثل هذه المخاطرات". بلمهدي أضاف أيضا خلال حديثه ل"الحوار" أن تحريم أي فعل ما لا يحل المشكلة من أساسها، ولكن بيان الحكم الشرعي واجب تماما كما تضع إدارة الطرقات إشارة في عدم تجاوز سرعة معينة أو تخفيض سرعة في منعرج خطير، فهي لا ترعب الناس أو تخيفهم ولكنها تنبههم لخطورة الفعل الذي سيقدمون عليه تماما كما يفعل تبيان الحلال من الحرام، ولذا لا يجب أن نقول إن الحكم الشرعي يزيد الطين بلة، بل يفعل عمل الطبيب الذي يحذر من شرب الدواء بفوضى فقد يؤدي إلى هلاكه، كما يوصي القادة في الوحدات العسكرية أو الجيوش بعد استعمال السلاح معبئا والإشارة به إلى رفيقه أو زميله، لذا فالمنع يمنع حدوث الكارثة، ولكنها قد تحدث لتصرف الإنسان. وفي ذات الموضوع أيضا، قال بلمهدي إن المنظومة التي يمكن أن تزيل أو تقلل هكذا ظواهر يجب أن تكون متكاملة، يشارك فيها كل الفاعلين داخل المجتمع من الإعلامي إلى المدرس وحتى الإمام داخل المسجد، بالإضافة إلى الشرطي والدركي والجمركي، فكل هؤلاء يشاركون بنظرتهم في التقليل من ظاهرة الحرقة وتوعية الناس من مخاطر ما يحدث، ثم البحث عن الأسباب الحقيقية التي تجعل الشاب يلجأ إلى الحرقة. في حين، أكد البروفيسور في علم التصوف محمد بن بريكة، أن الكثير من الناس اليوم يعتقدون أن الدول الأوربية بها مظاهر الحضارة وفرص العمل واكتساب المال، مشددا على ضرورة الخوض في الأوضاع المعيشية للشباب الذين يقدمون على ركوب قوارب الموت، هؤلاء يوجدون في حالة من الضيق على كل المستويات والمجالات، بالإضافة إلى ظروفهم النفسية والصحية والمادية، كلها تجعلهم في حالة غير طبيعية، أضف إلى الإغراءات التي تروج عبر الفضاء العنكبوتي كلها إغراءات كاذبة تجعل الناس يفكرون في غد أفضل. وبخصوص الحكم الشرعي، أضاف ذات المتحدث خلال اتصال هاتفي مع "الحوار" أن السفر هنا هو سفر طاعة، لكن الوسيلة التي تستعمل فيها لا تعرف عواقبها، بل تجلب الكثير من المخاطر عبر ركوب قوارب صغيرة قد تنهار في أية لحظة، وفي السياق، يوضح بن بريكة أن العاقل إذا نظر إلى هذا العمل وجد من الواقع المعيش أن أكثر الذين تنقلوا تعرضوا للموت أو لحالات من الغرق وحتى رميهم من قبل العصابات، فهو من حيث الوسيلة محرم شرعا، ومن مقاصد الدين حفظ النفس، ففي العمل مخاطرة بالنفس، ضف الى أن العاقل اذا نظر الى هذا الفعل –الحرقة- فإنه من حيث الوسيلة مرفوض شرعا، فحكم الشرع حينئذ هو الاعتراض على هذه العملية من حيث الوسيلة والجهات التي تشرف على هذه " الأسفار" وجب ان ننهي أبنائنا بأن ما يفعلونه هو تعريض النفس للمخاطر والشرع ينهانا على ذلك، ومن هنا ننبه الدول والأنظمة الحاكمة الى وجوب الاعتناء بأبنائها والعدل في توزيع الثروة. مولود صياد