جميل أن نرى النقد بين كتاب جريدة "الحوار"، عدة ردود وتعقيبات بين الأساتذة الأفاضل والزملاء قرأتها على جريدة "الحوار"، كانت بطريقة أخلاقية علمية رائعة، وفي عدد البارحة رأيت تعقيب أخينا "جمال نصر الله" على الأستاذ "عدة فلاحي" بخصوص مقاله عن الإمام البخاري رحمه الله، فأردت أن أدخل في الخط قليلا طالما صار هذا الموضوع يحركني كثيرا لأن الأفكار الدخيلة على مجتمعنا مثل "العلمانية" أصبحت تستغل الموقف كثيرا. أخي جمال نصر الله عندما يدون شخص عادي بعض الأفكار يجد لها ألف نقاد لدرجة أن يعيد ما كتب، وحينما يدون العالم أفكاره تكون مثل الصخرة الكبيرة التي لن تقدر ألف مطرقة على كسرها، النقد من باب العقل بدون المطالعة يكون جريمة فكرية شنعاء في حق العلم، والنقد من رتبة العلماء يكون إنجاز وخدمة كبيرة للعلم، وعلم الحديث هو علم واسع له قواعده الضخمة التي درست عبر قرون وليس سنين، كل هذه المعطيات التي دونت في مجلدات كثيرة أصبحنا لا نعود إليها من أجل الدراسة والتمكين، وقدمنا عقولنا الفارغة وأعطينها الحق في التفسير والشرح ورفض كل مالا يتقبله هرمون العقل، كل الشبهات الموجودة في كتاب "صحيح البخاري" هل برأيك لم يتطرق إليها العلماء في زمانه وبعد وفاته، هل تعتقد أن الحداثة والعلمانية هي من اكتشفت هذه الأمور في صحيح البخاري، كل من ينتقد البخاري في بعض الشبهات الموجودة في كتابه دائما يستغل الموقف ويقدم العلة بدون تفسير العلماء لها سابقا وحاليا، وللأسف أخونا جمال نصر الله وقع في نفس الخطأ، من بين 2761 حديث غير مكرر في صحيح البخاري يوجد على الأقل 30 حديثا يقدمه كل منتقد للكتاب سواء كان إخوانيا أو علمانيا أو من أي فكر آخر، بحجة أن العقل يرفضها لا العلم، مثل حديث "الذبابة "وجميع الشبهات التي قدمتها أخي في رسالتك كلها لها تفسير علمي ويجب أن تفسر أو تنتقد من باب العلم لا من باب آخر. * أخي جمال نصر الله نأخذ شبهة من الشبهات التي ذكرت من المقال السابق وهي حديث الذبابة، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ؛ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْأُخْرَى شِفَاءً) رواه البخاري (3320) هذا الحديث يطغى عليه الجانب العلمي أكثر من الديني، لذلك أحدث ضجة وأصبح وسيلة دفاع للعلمانيين بسبب جهلهم ،لو نتكلم علميا هناك معهد للأحياء كان تحت تصرف دكتورة استرالية توصلت إلى النتيجة التي قال عنها نبينا الكريم قبل 1400 سنة، وبحثها ليس له قرون وإنما سنة 2001 وفي ملتقى طبي قدمت بحثها للعالم معتقدة أنها الوحيدة التي توصلت إلى هذه النتيجة، أو رسالة الدكتور مصطفى إبراهيم الحسن من مصر والتي عنوانها بإسم "الداء والدواء في جناحي الذباب" أو بتفسير العلماء حينما جاء طرح لهم بسبب هذا الحديث قالوا: "العلم بعد 1000 سنة من حديث نبينا الكريم توصل إلى أن جناح من الذباب يحتوي على مواد ضارة، ومازال لديهم 1000 سنة أخرى ليصلوا إلى الجناح الآخر بأنه يحمل دواء ومنفعة " يعني بقدرة العلم كله وقدرة العلماء أجمعين توصل إلى تفسير جزء من حديث نبينا الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم، شخصيا أرى هذا الحديث الوحيد المكفول له بنقده هو أستاذ بيولوجيا أو علم الأحياء أو رجل له القدرة الكافية لرد علمي أكثر من ديني لا من الجانب الفكري. * في النهاية أخي جمال نصر الله لا تقل أن النصوص الموجودة في صحيح البخاري كانت إساءة إلى نبينا الكريم، لأن جميع العلماء الذين ذكرتهم في مقالك انتقدوا السند لا النص، وطبيعي حينما ينتقد السند يسقط النص، وهذا ما يجعلني أقول ليس كل ما هو موجود في البخاري صحيح، فقد مر على الأمة علماء كبار صححوا بعض الأحاديث للبخاري، ورفعوا كل الشبهات الموجودة، ولن يكون الأمر عقلانيا أن ننتقد الإمام البخاري من بعض الأحاديث التي لم يتقبلها العقل، وهو العالم الجليل الإمام الذي لقي كتابه إجماع علماء الأمة، إن السباحة في ما تركه الإمام البخاري ممتعة كلما تفتح بابا للدراسة تجد علما يفيدك ويفيد الأمة ويوضح لك الصورة جيدا عن الإمام البخاري.