منذ أكثر من عقدين من الزمن لم أسعد ببداية صيام شهر رمضان الكريم من الجزائر، لأسباب تتعلق أكثر بالغربة التي عشتها بين بلد عربي والتي كانت قصيرة نوعا ما، وبين بلد أوروبي ما يقارب العقدين من الزمن. طبعا هي فرحة وكرم من الله عزّ وجل أن يجد الإنسان نفسه يصوم رمضان بين أفراد العائلة الكريمة، يتقاسم معهم الثواب والأجر، فرحة وبهجة خير الشهور والأيام عند الله، يتقاسم معهم ما رزق الله من خيراته وبركاته، الأكل والشرب وكل ما لذّ وطاب في هذه الحياة. الصيام في الجزائر أراه يختلف كثيرا عن الصيام في الدول الأوروبية، خاصة في دولة تبعد كثيرا عن الدول الأوروبية التقليدية التي تشهد جاليات عربية كثيرة، فالصيام في مملكة السويد له نقائصه، شعور بالوحدة، غربة مضاعفة، خاصة في فصل الصيف أين يكون موعد الإفطار متأخرا وذلك بسبب طول النهار، مما نجبر نحن العاملين على الذهاب للنوم مباشرة بعد الإفطار، حتى نقدر على الإستيقاظ للعمل صباحا، مما يفوت علينا أجر القيام وصلاة التراويح وسمر الليل حول مائدة القهوة والشاي مع العائلة ومع الأولاد خاصة. ورغم حبي للعمل في شهر رمضان المبارك وهذا ما اجتهدت على القيام به منذ سنوات عديدة، إلاّ أن الكسل الذي يظهر على الجزائريين خلال هذا الشهر له جاذبيته، وطعمه وحلاوته، مما يدفعني لمحاولة التأقلم مع الوضع، فكل المواعيد والمشاريع في الجزائر هي مؤجلة إلى ما بعد رمضان، فهذا ما بدأت أسمعه منذ فترة!!. سأحاول أن أعيش هذا الشهر كما يعيش علماء الأنثروبولوجيا عندما يريدون دراسة مجتمع ما، سأرتدي القميص، وأذهب إلى المسجد بعد الظهيرة، وأتسوق، أذهب إلى الإدارات، وألاحظ الناس، سأسجل كل ما تقع عيني عليه من تصرف ومن أقوال وأعمال، وسأقارن بين صيام رمضان في غربتي وبين أهلي وعشيرتي. ومهما تكن نتيجة ما سأصل إليه، إلاّ أن رمضان الجزائر ليس كمثله شيء، فهنيئا لكل الجزائريين بهذا الشهر، تقبل الله الصيام والقيام وكان لنا رحمة وبركة وأجرا عظيما.