ألقت الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة بعد الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي عصفت بالخزينة العمومية نتيجة تراجع مداخيلها من العملة الصعبة جراء تهاوي أسعار البترول بظلالها على سير مطاعم الرحمة في الشهر الفضيل، حيث أثر ترشيد الاستهلاك والنفقات على نسبة التضخم الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطن البسيط وهو ما انعكس سلبا على العمل الخيري في رمضان، فجل مطاعم الرحمة تلقت ما يشبه انتكاسة فيما يخص الوجبات المقدمة، حيث أجبرتها المستجدات الاقتصادية الأخيرة على تكييف عملها مع المتغيرات الجديدة والتخفيض من حجم الإعانات المقدمة وذلك لاحتواء أكبر قدر من المحتاجين في هذا الشهر الفضيل. جل هذه المعطيات أكدتها مختلف الأطراف المتكفلة بهذه المطاعم ل"الحوار" كاشفة عن تراجع قدرة تمويل المطاعم الخيرية جراء التقشف من جهة وارتفاع الأسعار من جهة أخرى، بل وحتى نقص المتبرعين في الوقت الراهن مما أثر على نوعية الوجبات والطبخات المحضرة في مطاعم الرحمة. المعيقات التي تواجه مطاعم الرحمة لم تستثن حتى القطاع العام، فالهلال الأحمر الجزائري اختار هذه السنة فتح مطاعم الرحمة أين تقتضي الضرورة فقط على غرار مناطق الجنوب والمناطق التي فيها الورشات واللاجئين، ساهرا على ضمان استفادة المحتاجين فعلا من مطاعم الرحمة. وفي هذا الصدد قالت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري سعيدة بن حبيلس، إن منظمتها تسعى جاهدة لموازنة النفقات على هذه المطاعم وتسيير ميزانيتها بحكمة، مضيفة خلال اتصال هاتفي مع "الحوار": "ليس لدينا إمكانيات مالية، والمساعدات التي تقدم لنا نفضل صرفها على المحتاجين وفق ما يقتضيه احترام كرامة الجزائريين"، مثمنة دور مطاعم الرحمة التي تسعى لتغطية حاجة من يستصعب عليهم اقتناء حتى رغيف من الخبز بتسيير ونظام محكم.
تجاوزات لا أخلاقية تشهدها المطاعم وفيما يتعلق بعدد مطاعم الرحمة التي فتح أبوابها الهلال الأحمر فوصفته بن حبيلس باللابأس به، حيث تقوم هيئة الهلال الأحمر الجزائري بمساعدة المساهمين في فتح مطاعم خيرية في الشهر الفضيل بدعمهم بمقرات وأيادٍ عاملة أو متطوعين بدءا بالطباخين إلى آخرها من أشغال يستطيع المتطوع من خلالها مد يد العون والدفع بالخدمات المقدمة داخل مطاعم الرحمة أي كان ممولها. من جهة أخرى ورغم قلة الإمكانيات المتوفرة تواجه مطاعم الرحمة التي يسيرها الهلال الأحمر عائقا آخر لا يقل أهمية، حيث استنكرت بن حبيلس تصرفات بعض المصطافين الذين ينتهزون الفرصة ويحاولون الاستفادة من الوجبات التي تقدمها بعض المطاعم القريبة من المناطق الساحلية، وبالتالي أخذ مكان بعض المحتاجين وفي هذا الصدد تتلقى المسؤولة الأولى عن الهلال الأحمر عديد الشكاوي من بعض المسؤولين المحليين تفضح مثل هذه التجاوزات اللاأخلاقية. من جهة أخرى وبغية عقلنة خيرات مطاعم الرحمة يسعى الواقفون على رأس الهلال الأحمر الجزائري جاهدين للحد من التبذير، حيث قدمت بن حبيلس تعليمات لفتح مطاعم الرحمة أمام اللاجئين والعاملين في الورشات، ومن لا مأوى لهم قائلة: لا نستطيع أن نسمح بتبذير أموال المانحين، حتى نكون في مستوى ثقة المحسنين، مردفة القول ل"الحوار": دور الهلال الأحمر تقديم المساعدة لمن يحتاجها.
جمعيات خيرية تتجابه وفي شأن آخر تتعدد الجمعيات الخيرية التي تنشط في رمضان، على غرار جمعية سنابل الخير التي قام أعضاؤها ببرمجة عديد الأعمال الخيرية الرمضانية على غرار تنظيم إفطار 150 محتاج خلال الأسبوع الحالي، بالتنسيق مع الكشافة الإسلامية الوطنية لتغطية قلة الميزانية المالية التي يتطلبها إفطار المحتاجين، ولا تركز جمعية السنابل على توفير مطاعم الرحمة بقدر ما تعمل على التنويع من نشاطاتها بغية إرساء كل ما له علاقة بالعمل الخيري داخل المجتمع الجزائري، حيث ومن جهته قال رئيس جمعية سنابل الخير بلال توتي ل"الحوار" بأن ارتفاع الأسعار والتقشف قد أثر كثيرا على الميزانية المخصصة لمطاعم الرحمة وعلى الأطباق المحضرة من جهة، فالقيمة المالية التي كانت فيما سبق تكفي لإطعام 100محتاج قد لا تغطي حاليا 70 وجبة، الأمر الذي يستدعي تضافر الجهود والتنسيق بين عدة جهات لإطعام أكبر عدد ممكن من المحتاجين وملء طاولة الإفطار. هذا وأشار ذات المتحدث ليومية "الحوار" إلى تراجع العمل الخيري والتبرعات مقارنة بالسنوات القليلة الماضية.
خواص يفتحون مطاعم الرحمة ويرفضون الإشهار أما من جانب الخواص المهتمين بالعمل الخيري واستثمار مالهم في الفقراء في شهر رمضان وتكريس الجهد، الوقت والمال بغية مساعدة الآخرين وبدون حتى الكشف عن أسمائهم، فالملاحظ مؤخرا أن الخواص أصبحوا ينشطون جنبا لجنب مع المؤسسات العمومية المهتمة بهذا المجال بل حتى أكثر منهم في بعض الأحيان بما أنها تتمتع بالاستقلالية المالية، حيث تعتبر المطاعم الخيرية التي بات يفتحها هؤلاء ملجأ تستطيع الحكومة الاستناد عليه لاحتواء الفقراء ومن لا قوت لهم، بل حتى أن المحتاجين تعودوا عليهم وأصبحوا يلجأون لهم في كل شهر رمضان، كما هو الحال بالنسبة لأحد أهل الإحسان الذي قام هو ومجموعة من أصدقائه بتخصيص مطعم متواجد بقلب العاصمة وبالضبط بشارع باستور لإفطار المحتاجين الذين يتوافدون من كل حدب وصوب، حيث عودهم مسير مطعم الرحمة على الاعتناء بهم وتحضير لهم أشهى الأطباق الرمضانية التي قد تحضر داخل أي بيت جزائري ميسور الحال، هذا ويسهر ذات فاعل الخير على حمل من يلجأون إليه على كفوف الراحة برحابة صدر، ويسعى جاهدا لتوفير الوجبات التي كان يوفرها لهم مطعمه فيما سبق، حتى وإن ارتفعت أسعار مختلف المنتوجات والسلع، إذ أنه يجد نفسه يتكبد مصاريف إضافية ظهرت مع تدني القدرة الشرائية التي لا تكفي الأسر فما بالك بمطعم خيري بأكمله. من جهة أخرى يقوم ذات فاعل الخير الذي فضل التحفظ على اسمه بتوزيع الوجبات على من يستحون الإفطار في المطعم ضمانا لأريحيتهم، كما أنه يلجأ في كثير من الأحيان لإطعام المحتاجين على مرتين من كثرة الإقبال على المطعم الخيري، فقد تتعدى عدد الوجبات اليومية 250 وجبة. مبادرات ازداد صداها في السنوات الأخيرة، فرغم غلاء المعيشة وارتفاع أسعار مختلف المنتوجات في الأسواق الجزائرية إلا أنهم ضربوا بهذه المعيقات المادية عرض الحائط ووضعوا بين أعينهم هدف إطعام المحتاجين في الشهر الفضيل وخدمتهم طوال الشهر، وسد الحاجة والفراغ الذي قد يشعر به من لا أهل, مأوى, أو حتى دخل لهم ولعب دور مطاعم الرحمة عن جدارة واستحقاق رغم ما يشهده السوق من تذبذبات لا تساعد على انتشار العمل الخيري. كما توجد جملة من المبادرات الأخرى التي طفت على سطح الأعمال الخيرية سنة وراء سنة بما فيها مبادرات الهيئات الحكومية، على غرار مبادرة بعض أصحاب المطاعم الذين يفتحون أبواب مطاعمهم على مصراعيها لاستقبال المحتاجين في الشهر الفضيل بحثا عن الأجر في الآخرة، في حين هناك مطاعم أخرى تستغل شهر رمضان لبيع مختلف الطبخات الرمضانية التي قد تخطر على البال للنهوض باقتصاد هذه المطاعم الذي يموت البيع والشراء فيها خلال شهر رمضان من جهة، وتوفير أكل لمن أرغمتهم ظروف العمل أو السكن بعيدا عن منازلهم وأسرهم لكن بمقابل مالي، وبالتالي جني أكثر ما يمكن جنيه في الأيام العادية خاصة بتزايد لهفة الصائمين. سعيدة. ج