بقلم الدكتور فاروق طيفور قيم الرشد والاستخلاف: يرتكز النشاط البشري في مشروع الرشد والاستخلاف على مبادئ إنسانية، وأسس أخلاقية، وضوابط شرعية، تغرس في نفوس أتباعه الحرص على مزاولته وإتقانه في الإطار الذي يُسْهِم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويكفل تصحيح المخالفات لجميع أنواع التصرفات الضرورية والجماعية، جامعًا لكلٍّ من الجانبين المادي والروحي في وقت واحد، باعتبار أن الاهتمام بجانبٍ دون الآخر يؤدي إلى خلل واضطراب في حياة الفرد والمجتمع. ويتميز النسق القيمي للتنمية الشاملة والحضور الفعلي العملي بطابعه الأخلاقي وتوجهه الإنمائي، فالقيم الأخلاقية هي المحرك الأساسي لفعالياته وتهيئة البيئة المثلى للتنمية هي هدفه الأسمى. وتنقسم هذه القيم إلى قيم تأسيسية وقيم حاكمة في شكل شبكي منظومي متناغم تتفاعل وتفعل وتتضمن ثلاثين قيمة استئناسا بمدة الخلافة الراشدة التي دامت ثلاثين سنة، وهي كمايلي : الإنسان الخليفة. الإيمان. العقل والعلم. الشورى. الوحدة والتكامل. الكسب المشروع. الحرية في العقيدة والسياسة والاقتصاد. الاعمار. العدل. التوزان. التوافق. التنافسية. السعادة. المواطنة. العمل. النزاهة. الأمانة. الديمقراطية. النظافة. الاستهلاك الراشد. الاعتماد على الذات. المحاكاة المبصرة. الموضوعية السياسية والتصحيح. التفاؤلية. البساطة وعدم الإسراف. الأسرة المستقرة. التسامح والوئام العرقي. الاعتزاز بالانتماء الوطني. الوعي بالزمن. الوعي بالمعلومة. الرشد والاستخلاف والفقه المطلوب أيها القائد نحن بحاجة ماسة إلى توسيع الفهم على المستوى الفكري وبناء جهاز مناعة مماثل لجهاز مناعة الجسم، من أجل حماية فكر الأمة من التدمير، ومن أجل إبقائه في حالة من النشاط المكافئ للتحديات التي تواجهنا، وعلينا أن نسلَّم منذ البداية بأننا لن نحصل على نظام لحماية تفكيرنا وأفكارنا كالنظام الذي زوّد الله – تعالى- به أجسامنا، فهذا هبة تامة كاملة. أما ما سنصل إليه باجتهادنا فإنه جهد بشري فيه كل نقائص البشر وكل أشكال قصورهم، وإنما علينا أن نصل إلى أفضل ما يمكن الوصول إليه. فالإنسان يتحرك في الحياة من خلال أفكاره، وحركة الأفكار هي التي تمثل حركة الحياة، لأن حركة الحياة هي صورة ما نفكر به، لذلك كلّه فإن التغيير الذاتي على مستوى الطبائع والأفكار والقناعات هو قاعدة التغيير الاجتماعي والسياسي، فقضايا الاجتماع الإنساني لا تتغير ولا تتحول إلا بشرط التحول الداخلي الذاتي النفسي، فالتعاليم القرآنية واضحة في أن لهذا الكون وحياة الإنسان سنناً وقوانين، هي التي تتحكم في مسيرة الكون، كما أنها هي القوانين المسيرة لحياة الإنسان الفرد والجماعة. ومن خلال هذا النوع من التفكير نستطيع تنمية نمط التفكير التشابكي، الذي تمليه ضرورات الواقع، فهو وحده القادر على فهم واستيعاب ما يتفاعل في عمقه، لأن الظاهر لا يعكس بالضرورة ما تجيش به الأعماق، وقياس الموجة، لا يتم على السطح، وإنما في القاع.