قرأت الكثير من التعليقات بعد فوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم أمام نظيره الفريق الكرواتي يوم الأحد الفارط، على شاكلة: لولا اللاعبين ذوي الأصول الإفريقية لما فازت فرنسا باللقب!!. "السالڤان أهدوا فرنسا كأس العالم!!. فرنسا بنت مجدها من خلال مستعمراتها القديمة!!..الخ من التعليقات الغريبة، تنطوي على معاني عنصرية حتى ولو لم يصرح بذلك كاتبوها . والأكثر غرابة في الأمر أن بعض التعليقات أصحابها أساتذة جامعيون، ومثقفون، محللون ومهتمون بالشأن السياسي!!.
في رأيي الشخصي، لا أحد يمكنه أن يضع النقاط على الحروف في مسألة مثل هذه، إلاّ من هو مقيم في بلاد الغرب عموما، وله أولاد بها، مطلع على واقع هذه الدول الغربية وعلى ثقافتها وسياساتها، لأنه في مثل هذه القضايا يصلح ذلك المثل الشعبي الذي يقول: "إسأل المجرب ولا تسأل الطبيب".
حقيقة إن لون بشرة أكثرية اللاعبين الفرنسيين سمراء لا تمت إلى أوروبا البيضاء بصلة، وهذا ما يمكن وصفه بالمظهر الخارجي، لكن قلوب هؤلاء اللاعبين هي فرنسية، تحب فرنسا، وتتنفس فرنسا، ولا تعرف غير فرنسا، ومستعدة للتضحية من أجل فرنسا.
وعموما، فالأطفال الذين يولدون من آباء وأمهات مهاجرين في بلد أوروبي، يمكن للأولياء أن يغرسوا فيهم عقيدتهم الدينية، وتقاليدهم المختلفة، ويربونهم وفق تنشئة إجتماعية معينة، لكن من المستحيل أن يستطيعوا إقناع أطفالهم بأن هذه البلدان ليست أوطانهم، وليست بلدهم الأصلي، لأن الوطن بالنسبة لأبناء المهاجرين، هو أين ولدوا، وأين فُتحت أول مرة أعينهم، وأين استنشقوا أول مرة هواءه، وأين شربوا أول مرة ماءه وحليبه.
ولهذا، فالدول الغربية لم تقم إلاّ بدورها كدول لها مسؤوليات أتجاه هؤلاء الأطفال، استثمرت فيهم، أعطتهم فرصة إبراز مواهبهم وقدراتهم، فتحت لهم أبواب التكوين، جعلت منهم أبطالا، فأهدوا لها تتويجات ونجاحات، وهذا الكلام يسحب على كل التخصصات، وفي كل المجالات، سواء الرياضية أو العلمية.
ومن يقول بأن لولا الأجانب لما كان للدول الغربية شأن يذكر، هم في حقيقة الأمر واهمون، لا يعرفون جيدا كيف يفكر الغرب. فالغرب من أهم أولويات تفكيره عندما يقيم به شخص أجنبي، قادم من أي دولة كانت، ليس كيف يستثمر في هذا الوافد الجديد، وإنما كيف يستفد ويستثمر في أولاده، كيف يجعل منهم قوة لصالحه، وعلى هذا التفكير والسياسة تعمل مصالح الهجرة في كل البلدان الأوروبية والأمريكية.
وفي هذه النقطة بالذات، يمكننا أن نقول بأن الغرب ليس أحسن منّا، وأننا يمكننا أن نصنع الإنتصارات ونحقق الإنجازات، فقط يوم نستثمر في إطفالنا، يوم نقدر الطاقات التي عندنا وبين أيدينا، يوم تصبح الهجرة من الوطن خيار وليس اضطرارا.