يمكن القول عنا نحن الجزائريين بأننا قد نكون الشعب الوحيد في العالم الذي عندما تطأ رجله أرض المهجر فبداية من اليوم الأول يبدأ في التفكير في يوم العودة..الجزائري بطبعه يحن إلى أرضه ويعشق وطنه وهذا بغض النظر عن سبب هجرته أو عن تذمره الكبير من حالته وحالة وطنه من تراجع وتخلف وتقهقر في معظم المجالات..فالجزائري عندما تبرد جمرة الغضب لديه عندها يبدأ بالتفكير جدية في مستقبله وفي مستقبل أطفاله فيما بعد. وما يزيدنا نحن الجزائريين غربة وشعورا بالضياع ويتما هو الدور الغائب لسفراء الجزائر في المهجر إلاّ من رحم ربك..فلا نشاطات ثقافية تجمع الجالية ولا تواصل في المواسم الدينية والوطنية، إلاّ لبعض الأشخاص حيث ترسل الدعوات خفية فلا تسمع بها كل أفراد الجالية..كما أن السفراء وللأسف الشديد لا يلعبون دورهم كما ينبغي في محاولة لم شمل الجالية والاهتمام بأطفالهم مثل إنشاء مراكز ثقافية جزائرية تبرمج فيها دروس لتعليم لغة الوطن والتعريف بتاريخ البلد ومحاولة خلق رباط قوي بين الأفراد وزرع خلق التواصل مع الوطن ومعرفة متطلباته ومستجداته والمساهمة في الحلول ولو على المستوى الفكري.
قد يتعجب بعض الإخوة والأصدقاء من كلامي هذا وقد يجدون فيه نوعا من المبالغة، لكن الحقيقة أنهم يقيسون الغربة ودار الهجرة دائما بفرنسا وبالبلدان العربية..وفي حقيقة الأمر فإن هاته البلدان لا تتطلب جهدا كبيرا من أجل التواصل وربط علاقات بين أفراد الجالية، لأن الجالية هناك كبيرة مثل فرنسا مثلا حيث يمكن للأفراد أن يلعبوا دورا كبيرا للحفاظ على الأجيال الصاعدة دون انتظار دور السفارة أو السفير في تجميعهم..لكن الغربة التي أقصد هي في أوطان أخرى بعيدة والجالية فيها إما أنها قليلة مثل دول الشمال والدول الإسكندنافية أو أن الجالية كبيرة لكنها متفرقة مثل حالة كندا وأمريكا والمملكة البريطانية.
إذن ففي هاتين الحالتين البعد عن الوطن وتفكير في مستقبل الأطفال وغياب دور السفارات اتجاه المواطنين للتواصل معهم تصبح الغربة والهجرة قطعة من عذاب ويشعر فيها الواحد بالخوف واليتم..حتى ولو ملك الواحد منا كل أنواع الرفاهية والسعادة..ولا يوجد أخوف من أن يفقد الواحد منا أطفاله خاصة وأن هذه الدول تملك ثقافة قوية تجعل الطفل يحب كل شيء فيها ويشتاق إلى أبسط الأشياء فيها حتى ولو كانت وسادته التي ينام عليها..ولا يوجد أكبر من الشعور باليتم وأنت ترى يوميا سفارة بلادك وعلمها يرفرف على سطحها لكن دون أن يتصل بك أحد لا في موسم ديني ولا دنيوي ولا وطني..وسنحاول في فرصة أخرى بحول الله توضيح الصورة أكثر عن أيامنا وحاجاتنا كمواطنين جزائريين بعيدين عن الوطن بآلاف الكيلومترات لكن عشق الجزائر وحبها يسكن القلوب ويجري في العروق مجرى الدم..وسنوضح كيف العمل حتى نساهم في تطوير بلدنا لأن الجزائر ملك كل الجزائريين سواء أكنا داخل أم خارج الوطن.