نصيرة سيد علي "smart city" أو المدن الذكية أو الرقمية، التي ظهرت إلى الوجود مع بداية تسعينيات القرن الماضي، والتي تهدف إلى توفير كل الظروف الضرورية لإرساء قواعد السعادة وجعل الفرد يعيش ضمن محيط نظيف وخادم للمصلحة العامة. والسؤال المطروح هنا، هل بيئتنا مستعدة لاحتضان المدن الذكية؟ وهل الجزائر تتوفر على مقومات لإنشاء مدن أيكولوجية؟ وهل ظروفنا قادرة على إنشاء مدن أيكولوجية في ظل أكوام النفايات التي تنتشر عبر شوارع مدننا وهل وفرنا البنية التحتية لتقنية المعلومات التي تراهن عليها عملية تأسيس هذا النوع من المدن؟ إذا عجزنا عن تسيير المدينة العادية فكيف نلج إلى الذكية؟ في السياق، أوضح الدكتور كمال رزيق ل "الحوار" أن اللجوء إلى المدن الذكية، أضحى خيارا استراتيجيا ليس بديلا آخر، وهو مطلب عالمي، علما أن هناك دولا قطعت أشواطا كبيرة لتسيير مدنها بصورة ذكية مستخدمة كل الوسائل التي تحتاجها هكذا مدن، في حين نجد الجزائر عاجزة على تسيير المدن العادية، مما يوحي أننا بعيدون كل البعد عن تحقيق مثل هذا النوع من المدن في المدى القريب، في ظل المعطيات الراهنة، حيث القاسم المشترك ببن مدننا هي الأوساخ والأرصفة والطرقات المهترئة وانتشار للتجارة العشوائية وركن السيارات فوق الأرصفة، فإذا كان رئيس البلدية أو الدائرة أو والي الولاية ووزير البيئة والعمران وكل من له صلة بهذا الموضوع عاجزين على إيجاد الحلول المثلى للمضي قدما نحو إنشاء مدن ذكية أو مدن أيكولوجية وتهيئة وتطوير المحيط وترقيع الأرصفة وصيانة الطرقات العادية والطريق السريع وضبط التجارة ومواقف السيارات، هل في خضم كل هذه المشاكل نستطيع أن نقول إننا في طريق نحو تأسيس مدن رقمية؟. غياب ثقافة المواطنة من أسباب عدم ولوج المدن الذكية هذا وأكد رزيق أن من أكبر التحديات التي تواجه مدن "smart cities" ببلادنا طبيعة المواطن الجزائري، وغياب ثقافة المواطنة لديه، الذي أضحى يتعامل مع محيطه وبيئته بعد تخطي عتبة منزله الخاص بتصرف اللامسؤول وذلك يظهر حسبه جليا من خلال عدم احترمه مواقيت رمي القمامة في الحاويات المخصصة لذلك، وكذا ترك أكوام من النفايات في أماكن الترفيه التي يقضي فيها يومه، شئنا أم أبينا نحن شعب لا نحترم شروط النظافة ونحرص فقط على نظافة منازلنا الخاصة، نعشق العيش في فوضى، حتى إشارات المرور لا نحترمها، يحدث هذا يقول رزيق حين يتغاضى المسؤول عن أداء واجبه ولا يأتي إلى مكتبه دون القيام بعمله على أكمل وجه، يحدث هذا ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين ونموت بداء الكوليرا التي صنفت ضمن الأمراض القديمة وتعود إلى القرون الوسطى، المدن الذكية هي تلك التي تساعد المواطن على قضاء مصالحه الإدارية دون تنقل إلى عين المكان بل عن طريق الضغط على زر هاتفك النقال تصل وتسوي وضعيتك، المدن الذكية تتطلب شعبا مثقفا متشبعا بالمواطنة، يحترم حقوقه وقوانين الجمهورية، وتتطلب أيضا يضيف رزيق تنسيقا وزاريا محكما، وليس كل وزارة تعمل وفق برنامج منفرد ومنعزل على باقي القطاعات، تتطلب أيضا نظاما الكترونيا بمعايير عالمية وبتدفق سريع للأنترنت، "خلونا نسير مدينة عادي بعدها نفكر في إنشاء المدن الذكية" يقول رزيق. لنوفر المليون دولار لخدمة التنمية أوضح الدكتور دغمان زوبير في تصريحه ل "الحوار" أن الوقت لم يحن بعد للحديث عن المدن الذكية، في ظل الظروف التي تعيشها الجزائر اليوم، حيث أضحى المواطن الجزائري يتنفس الهواء الملوث والرائحة الكريهة المنبعثة من حاويات القمامة والمفرغات العشوائية المنتشرة عبر المدن والأرياف، داعيا المشرع الجزائري إلى استصدار قوانين ردعية تنشر في جريدة رسمية ما يفرض إلزامية تطبيقها، وتنص موادها على فرض الرسوم على كل من يحاول رمي الأوساخ في الشوارع أو رمي القمامة الخاصة بالنفايات المنزلية خارج أوقاتها المحددة، نفس الإجراء يجب تطبيقه على أصحاب المصانع التي تخلف مواد سامة يتم رميها في الأنهار وفي الشواطئ، وهذا المطلب يضيف دغمان يجب أن يرافع لأجله البرلماني والمسؤول الأول على المجالس الشعبية وشرطة العمران، وكل من يستطيع أن يضيف قيمة مضافة من أجل محيط صحي، حفاظا على الصحة العمومية، وعلى أصحاب المقاولات المختصة في تدوير النفايات إيجاد سبل تقنية باستعمال تكنولوجيا العالية لعملية الرسكلة، وقدرت القيمة المالية للنفايات المنزلية حسب الخبراء يقول دغمان بنحو أكثر من 38 مليار دينار، لابد من تكاثف الجهود من أجل جعل الجزائر تستفيد من مليون دولار سنويا في التنمية الاقتصادية بدل ضخها في خزينة المنظمة العالمية للمحافظة على البيئة، هذا وأوضح الدكتور دغمان زوبير أن المدن الذكية لها معايير خاصة منها استعمال التكنولوجيا العالية، صديقة البيئة، والعيش ضمن إطار محيط منسجم وفي سكنات مزودة بالطاقة المتجددة، وتدريب المواطن على ثقافة المواطنة وحب بيئته والسهر على تنظيفها، هكذا نكون قد خطينا أولى الخطوات لتشجيع مدننا الحضارية إلى مدن أيكولوجية. وعلى صعيد مماثل، قال الخبير المالي الأستاذ فرحات آيت علي ل "الحوار" إن الحديث عن إنشاء المدن الذكية سابق لأوانه، ولا يجب طرحه في وقتنا الراهن، بالنظر إلى الظروف الحالية التي تعيشها الجزائر، وما زاد الطينة بلة يقول آيت علي إعادة أقدم الأوبئة التي دمرت حياة الإنسانية في قرون غابرة، ويتعلق الأمر بداء الكوليرا الذي سيزيد من حدة التوتر النفسي للمواطن الجزائري، الذي بات شغله الشاغل خلال يومياته، وأضاف فرحات يقول "عندما نوفر بيئة صحية، وتكريس ثقافة النظافة عبر شوارعنا، وننمي ثقافة الوعي الاجتماعي وجعل القطاعات الوزارية تعمل بالشراكة وفي إطار موحد يكون الهدف منه توجيه عملهم لخدمة وتطوير كل ما يتصل بهذا النوع من المدن، حينها نستطيع توظيف فكرة إنشاء المدن الذكية التي أضحت مطلبا لكل دول العالم. الذهاب إلى المدن الرقمية مطلب لابد منه يعتقد الخبير الطاقوي الدكتور بوزيان مهماه ل "الحوار" بأن توضيح دلالات التسمية ومفهوميتها يصب في نطاق حماية "جوهر المدينة الذكية والمضامين الدالة على تسميتها"، فبدون فهمنا وإدراكنا لطبيعة ونوعية المؤهلات التي نبغي أن تحوزها مدننا حتى تصير ذكية سنسقط في فخ الشعارات وسنقتل هذا المشروع الطموح وهو لا يزال حبراً على ورق، وتعتمد "المدن الذكية" يقول مهماه بشكل رئيسي على البنية التحتية لتقنية المعلومات والاتصالات، فهذه التكنولوجيات تلعب دوراً حاسماً في زيادة الكفاءة عبر قطاعات الصناعة والتمكين للابتكارات مثل الأنظمة الذكية للنقل وإدارة المياه. والطاقة والنفايات، وتعزيز التوصيل البيني الأفقي بين مختلف الأنظمة المسيّرة للطاقة والمياه والصرف الصحي وإدارة المخلفات والنقل والأمن والرصد البيني واليقظة المؤسساتية والأرصاد الجوية. فالمدينة الذكية هي نظام شامل ومتكامل ومترابط ومبني على التشبيك، تعتمد على الشبكات عالية السرعة، وشبكات الألياف البصرية، والشبكات السلكية واللاسلكية وشبكات الاستشعار، وتقنيات السحابة الإلكترونية، ناهيك عن التطبيقات الذكية للهواتف المحمولة والخدمات المتنوعة للإنترنت ذات التدفق العالي، وهنا تبرز أهمية وجود أنظمة شبكية معززة ومتينة ومستوعبة وسلسة. وبناءً على ذلك يمكن لسكان المدن الذكية الوصول إلى أى تطبيق والتحكم بوظائف متعددة بلمسة زر، وهنا تأتي نتيجة "الذكاء" الذي يطبع المدينة، وللتذكير هذا كله يستمد مضامين وجوده من فلسفة وتصورات "الثورة الصناعية الرابعة" المروج لها منذ أزيد من عقدين. للطاقة المتجددة دور في ظهور المدن الذكية وليس شرطا أن تكون "المدن الذكية" يقول مهماه مدناً جديدة صممت وأنشئت بطريقة ذكية منذ البداية، بل بالإمكان تطوير أية مدينة تقليدية وتحويلها تدريجيا إلى مدينة ذكية بالكامل. ومن هذا المنظور تعتبر "المدينة الذكية" تصوراً لطبيعة الحياة في مدينة المستقبل ولمستوى الرفاه الذي يعيشه سكانها، حيث تصبح كل الخدمات يتم الوصول إليها بسهولة ويسر وبضغطة زر، لأن هذه الخدمات ليست هي المبتغى في حدّ ذاته، إنما هي دعامة لتنفيذ الأهداف التي تخدم الإنسان ككيان اجتماعي بالدرجة الأولى مع الحفاظ على الموارد والتوازن البيئي، وعلى هذا الأساس لا يوجد نموذج فريد ل "المدينة الذكية"، إذْ توجد العديد من النماذج التي أنشئت لأجلها المدينة الذكية، لذلك نجد تعدد الاصطلاحات من "المدينة الذكية" إلى "المدينة الرقمية" إلى "المدينة البيئية أو الإيكولوجية" إلى "المدينة المستدامة"، وحتى نصل إلى مدن ذكية يجب أن نفعل كما عملت البيان التي زودت كل منزل منها بألواح شمسية مهجنة مع الغاز الطبيعي، وكلّ البيوت تتصل ببعضها البعض ضمن شبكة واحدة يتم نقل الطاقة المولَّدة بينها تلقائياً، وكذلك نجد"مدينة أمستردام الذكية" كمدينة تركز على تحقيق مزيد من الاستدامة البيئية. لكن العوامل المشتركة بين مختلف "مشاريع المدن الذكية" عبر العالم، تتمثل في وجود بنية تحتية متينة لنظام شامل ومتكامل لتقنية المعلومات والاتصالات ومترابط ومبني على التشبيك، مع جود الرأسمال البشري الحامل لكفاءات عالية التكوين وذات تخصصات متعددة ودقيقة ومزودة بتكنولوجيات عالية الآداء ومهارات ممتدة فيما بين التقنيات، ونظام متطور للتزويد بالمعارف وتجديدها، مع وجود إدارة حكومية ذكية تستمد "صفة الذكية ماديا" من نظام إلكتروني للتسيير والإدارة ممتد فيما بين القطاعات. وللأسف نقولها بمرارة، هذه الميزات ضعيفة الحضور في مدننا كلها. استعمال غاز " gnv" من عوامل الحفاظ على البيئة ومن جانبه، أوضح الدكتور رابح بعبوشي المدير العام لشركة "بابوار" المختصة في الطاقات المتجددة، أن الدراسات التي أجرتها وزارة البيئة والطاقات المتجددة، أظهرت أن من أهم عناصر تلوث الهواء، والمتسبب الرئيسي في تلوث البيئي في الجزائر مصدر وسائل النقل البرية من حافلات وسيارات التي تسير بالغازات التي تشكل جزيئات عالقة في الهواء وتنعكس بذلك سلبا على المحيط وتضر بالتالي بصحة الإنسان الذي يستنشق يوميا هذه المادة السامة، ولمعرفة أهمية استخدام (GNV) أي استخدام الغاز الطبيعي المضغوط كوقود في الحظيرة الوطنية للنقل سيعود ذلك بفوائد اقتصادية وطاقوية واجتماعية وبيئية جمّة، لأنه أفضل وقود على الإطلاق، وتحصي الحظيرة العالمية العديد من المركبات تسير بوقود "GNV"، فقط لنعلم بأن ايطاليا التي تستخدم الغاز الطبيعي الجزائري تستخدم هذا الوقود النقي ضمن مجموع حظيرتها من السيارات.