فجأة وبدون سابق إنذار، بدأت تجتاح مواقع التواصل في تونس حملة بعنوان «السترات الحمراء» أطلقها عدد من النشطاء، وتمكنت خلال أيام من إثارة جدل سياسي تزامن مع مناقشة قانون المالية لعام 2019، وسارع مراقبون إلى مقارنتها بحملات سابقة من قبيل «مانيش مسامح» (لن أسامح) و«فاش نستناو» (ماذا ننتظر) وخاصة أن الأخيرة تمكنت في بداية العام الحالي من حشد تظاهرات كبيرة رفعت شعارات مشابهة (ضد الفقر وغلاء المعيشة والبطالة) وطالب البعض برحيل الحكومة. وخلال جولة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس اليوم، يمكن ملاحظة صفحات عدة تحمل اسم «السترات الحمراء» (على غرار انتفاضة السترات الصفراء في فرنسا)، تتبنى عددا من المطالب الاجتماعية كمحاربة الفقر والبطالة والضغط على الحكومة بسبب تراجع المقدرة الشرائية. وكتبت إحدى هذه الصفحات لتبرير تبنيها لاسم «السترات الحمراء»: «إذا كان الفرنسيون – رغم الرفاهية التي يعيشونها مقارنة بالشعب التونسي – رفعوا اللون الأصفر (السترات الصفراء)، فنحن يجب أن نرفع اللون الأحمر، لأن الوضع خطير والمؤشرات كلها (الاقتصادية والاجتماعية) حمراء. الأحمر هو لون الإصرار والعزيمة ولون العلم الغالي الذي نفديه بأرواحنا». ودوّن الباحث والناشط السياسي سفيان جاب الله «الذين يفكرون في الحشد لحركة احتجاجية، على الشاكلة الفرنسية، ويطلقون عليها اسم «السترات الحمراء»، هم تجسيد لضعف وتشتت الحركة الاجتماعية وتوقف سيرورتها منذ 14 جانفي 2011 واحتضار «صيرورتها» الثورية بتشتت فاعليها وعدم قدرتها على إحياء رميمها خارج مربع رد الفعل تارة، وخارج التقليد الأعمى لحركات لا تشبهها في السياق ولا الواقع ولا البنية ولا أطر التفكير ولا المشكل ولا المتسبب فيه ولا المتضررين ولا أسبابه ولا طرق حله. لو أطلقتم عليها حركة «الدنقري» (لباس تقليدي تونسي)، لإضفاء خصوصية سوسيو – ثقافية رمزية على نضال من أجل العدالة الاجتماعية متجذر في الثقافة التونسية، لاعتبرناه على الأقل اجتهادا وامتدادا لنضالات لها من السند التاريخي ما يكفي لحشد المنخرطين». وكتب المؤرّخ د. عبد اللطيف الحنّاشي «في فرنسا، ذات النظام الديمقراطي العريق بمؤسساته المختلفة، يتظاهر الناس ويدمرون ويقذفون بالحجارة ويحرقون المؤسسات العامة والممتلكات الخاصة ويغلقون الطرقات، ويهاجمون رجال الأمن ويتعاركون معهم ويسقطونهم أرضا أحيانا، فهل أفلس هذا النظام خاصة وأن الأحزاب والنقابات بمختلف توجهاتها كانت بعيدة عن هذا الحراك وحتى عن مطالبه؟ وهل يمكن أن نلوم مواطنيننا على ممارسة مثل تلك الأفعال (الواقع هي أقل عنفا) ونحن في نظام ديمقراطي في طور النشاة؟ نقول ذلك ونحن ضدّ اي نوع وأي شكل من استخدام العنف من أي طرف كان باستثناء العنف الشرعي الذي تمارسه الدولة عند الضرورة القصوى لحماية مؤسساتها وحماية المجتمع». فيما قرر نبيل القروي صاحب قناة «نسمة» وأحد مؤسسي حزب نداء تونس، مقاضاة أطراف قال إنها روّجت لتمويله حملة «السترات الحمراء» بهدف «تشويه» صورته أمام الرأي العام التونسي، حيث أصدر بيانا تناقلته وسائل إعلام عدة قال فيه «إن ما يدّعونه من تجهيز حملة احتجاجات عنوانها «سترات حمراء» لا أساس له من الصّحّة، ولا يتعدّى سوى ادعاءات كاذبة واتهامات مغرضة وشيطنة لا يعرف أسبابها إلاّ من هم وراء هؤلاء ومموّلوهم وأصحاب القرار لديهم، ويهمّنا الاعلام بأنّنا لن نسكت ولن نتركها تمر هذه المرّة، لقد كلفنا محامينا بتقديم شكاية في الغرض كالقيام بكلّ الاجراءات القانونيّة اللّازمة، مع تكوين فريق متابعة لتكون إجراءات التّتبّع آليّة كلّما تعلّق أمر أو حملة من هذا القبيل حتى تكفّ هذه الممارسات والشيطنة والتّسلّط الذي لم يعد ممكنا السّكوت عنه. إنّ الأمر على غاية من الخطورة ويمسّ السّلم الاجتماعيّة والأمن الدّاخلي للبلاد». في حين اعتبرت الأطراف المقربة من الحكومة أن هذه الدعوات غايتها إثارة الفوضى في البلاد، حيث كتب الصحبي بن فرج النائب عن كتلة الائتلاف الوطني الداعمة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد «في هذه الأثناء، نزلت السترات الصفراء الى الشوارع الفرنسية لتنزل معها فكرة نقلها الى تونس لتصبح حمراء بلون الدم، فالمشهد في باريس شديد الإغراء، والفوضى الباريسية جذابة وسريعة الانتشار تماما كالموضة والعطور. سيكون الحشد تحت عنوان بريء: احتجاج مشروع على أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة بل مزرية، ثم يتطور سريعا الى المطالبة بإسقاط المنظومة السياسية القائمة وستكون العناوين جاهزة: الحكومة (الفاشلة) والطبقة السياسية (العابثة والعاجزة) وحركة النهضة (الجهاز السري، الاغتيالات)». وأضاف «سيعوّلون على أن تتحوّل الاحتجاجات سريعا الى أعمال عنف وتخريب وعصيان في إعادة لسيناريو جانفي 2014: انتفاضة شعبية سلمية ثم عنيفة، في المناطق داخلية ثم في الأحياء الشعبية في المدن الكبرى، دم يسيل ثم فوضى عارمة، منظومة تهتزّ ثم نظام يسقط. هذا ما تخطط له الغرف المظلمة: قنوات وصفحات فايسبوك وتجييش وتجنيد وتركيز شبكات، تمويل، تنظيم لوجستي. ورهانهم أن تستميل الاحتجاجات أقصى عدد ممكن من المواطنين للنزول الى الشارع كدروع بشرية لمرحلة العنف والتخريب. ولكن، ولسوء حظهم (وحظّهم دائما سيئ بالمناسبة) فإن خططهم معروفة ووجوههم مكشوفة وخطوط تواصلهم مفضوحة، فالدولة لها آذان وأذرع وأعين مفتوحة».