1- كيف تنظرون إلى زيارة الرئيس المدير العام لشركة طوطال الفرنسية إلى الجزائر في هذه التوقيت ؟ هل نستطيع القول أن لها علاقة بملف شراء أصول أناداركو بالجزائر ؟ أنا أعتقد بأن زيارة الرئيس المدير العام لطوطال إلى الجزائر في هذه الأثناء يندرج في إطار المتابعة الدورية للمشاريع و الفرص الاستثمارية المتاحة للطرفين في الجزائر و الخارج. وهذه الزيارات الدورية تتم مرة كل ثلاثة أشهر و تم الاتفاق عليها مسبقا منذ مدة و قد أعطت نتائج إيجابية و دفعا للمشاريع المشتركة. و ملف أناداركو يمكن التطرق إليه، لكن ليس بصفة رسمية، بل على هامش أشغال الزيارة، لأنه لا يشكل أولوية للطرف الجزائري، على اعتبار أنه لا يمكن التطرق إلى ملف كهذا و العملية الأساسية له المتعلقة بالصفقة بين العملاقين النفطيين الأمريكيين لم تُرسم بعد على مستوى دولة المنشأ للبائع والمشتري (أناداركو- أوكسيدنتال بتروليوم بالولايات المتحدةالأمريكية )، لأننا نعلم بأن هذه الصفقة حتى وإن كانت قد تمت فهي لم تأخذ بعد صفة الرسمية القانونية، لأنه قبل ترسيم عملية البيع هذه وما يترتب عنها من تحويل لأصول أناداركو لصالح أوكسيدنتال ستقوم هيئة الرقابة التجارية والضبط على مستوى البورصة الأميركية بالتدقيق في الملف للتأكد من أن هذه الصفقة الضخمة (بقيمة 57 مليار دولار) لم تُخل بواحدة من قواعد المنافسة الحرة، والشفافية، وعدم الإحتكار، خاصة وأن العملية كان فيها منافس ذو وزن وهو “شركة شيفرون الأمريكية” والتي كانت قد تقدمت بعرض مغري، لذلك أعتقد أعتقد أننا الآن لازلنا في هذه المرحلة، ولم نصل بعد من الناحية الإجرائية إلى مسألة دخول “طوطال الفرنسية” كشريك في الموضوع واستحواذها على الأصول الأصلية ل “أناداركو” بإفريقيا، رغم أننا نعلم كذلك بوجود اتفاق ملزم بين أوكسيدنتال بتروليوم و طوطال الفرنسية ستستفيد بموجبه طوطال من هذه الأصول، وكذلك الأمر بالنسبة للشركة الوطنية “سوناطراك” فلا يوجد لحد الساعة ما يترتب عن وضعية البيع هذه، ولم يطرأ أي جديد على مستوى عقدها مع الشريك الأمريكي، حيث أن المعطيات تشير بأن عقد تقاسم الإنتاج في الرقعتين 404 و208 بحوض بركين والذي تمّ التوقيع عليه وفقا لقانون المحروقات (86-14) كعقد متعدد الأطراف (سوناطراك ب 51% و أناداركو ب 24,5% وإيني الإيطالية ب 12,5% وميرسك الدنماركية ب 12%) هو عقد ساري حتى سنة 2023 لإنتاج ما يقرب من 260 ألف برميل يوميا. وحتى حين ترسيم الصفقة بين أناداركو- أوكسيدنتال، فأعتقد أنه لا يوجد أي تغيير في الوضع بالنسبة إلى الجزائر ممثلة في سوناطراك، بحكم أن الهيئة القانونية المتعاقدة معها موجودة وقائمة ولم يتغير شيء، وهي “شركة أناداركو آلجيريا المحدودة”. ومستقبلا حين يعمد المالك الجديد إلى تغيير في هيئة المتعاقد أو وضعها، حينها سنجد أنفسنا أمام حالة يشملها قانون المحروقات الجزائري والمتعلقة بما يعرف “بتغيير التحكم” أي أن ما جرى هو تغيير في المساهمين والمالكين للأصول ككل وبالتالي هو يعتبر تغييرا في هيئة التحكم والرقابة، وما سيترتب عن ذلك في وضعية كهذه، كان قد تفطن له قانون المحروقات الجزائري حيث أعطى حق التدخل لوزير الطاقة كممثل للدولة الجزائرية لقبول أو رفض أي تغيير في طبيعة المتعاقدين تبعاً للتغيير في وضعية المساهمين للمالكين للأصول، لذلك لا يمكننا إقحام “حق الشفعة في هذه الحالة” !! 2- لكن لماذا لا ينبغي لنا الحديث عن تطبيق “حق الشفعة” في هذه الحالة ؟ ينبغي التذكير بدءً بأن “حق الشفعة” هو حق تعاقدي، يُقرّ تعويض المتعاقد الأصلي أو الموجود مسبقا بنفش الشروط والضمانات، بمعنى أنه عند تطبيقنا، فرضا، لهذا المبدأ هنا فإن سوناطراك تكون ملزمة بشراء أصول أناداركو بقيمتها المحددة مسبقا في العقد الموجود بينهما. لكننا اليوم في واقع الأمر نحن أمام حالة مختلفة تتعلق بما يعرف “بتغيير التحكم” والذي تفطنت له القوانين السارية، فبيع أناداركو لأصولها كاملة ليس فقط في الجزائر، بل في افريقيا حيث المعنيون مثلا هم الموزمبيق وغانا وجنوب افريقيا، مما يُحيلنا إلى حالة مختلفة بعض الشيء وهي حالة تتعلق بتطبيق “مبدأ السيادة” أو ما يعرف ب(“le fait du prince”) والذي يخوّل للدولة الجزائرية ممثلة في “المركز القانوني” لوزير الطاقة بأن تقبل أو ترفض المشتري الجديد لأصول أناداركو بالجزائر، و هنا ينبغي أن أوضح أكثر، بأننا نتحدث عن عملية بيع وشراء لأصول وليس تنازل عليها لمتعاقد آخر بنفس الشروط والضمانات المسبقة المتعاقد حولها، لذلك ففي حالة قبولنا بالراغب الجديد في ملكية الأصول، لن يكون هناك أي إشكال في نقل الملكية وفقا للأطر المنظمة للعملية طبقا للقوانين السارية، أما في حالة رفضنا فالوضعية، فستجد فيها سوناطراك نفسها ملزمة بحيازة هذه الأصول، لكن الحيازة لن تنتقل إليها بصفة آلية، بل سنكون أمام حتمية “إعادة تقييم قيمة أصول آنادركو بالجزائر”، وهنا نحن أمام حالتين، إما حسم الأمر مع هيئة التحكم الجديدة في إطار التراضي، وفي حالة عدم الإتفاق، هنا سنتوجه إلى إجراء خبرة تقييم دولية، وتكون سوناطراك ملزمة بالشراء على أساس القيمة التي تحددها هذه الخبرة الدولية المستقلة عن الطرفين. وهنا يتبين لنا أنه وفقا لهذا المسار لا وجود ل”طوطال” في العملية، ولا يوجد ما يستدعي الحديث عنها !! .. لذلك أنا أريد التأكيد هنا بأن عملية بيع انادركو لأكسيدونتل لم تتم بعد و ستأخذ وقتا لإتمامها، وحتى لو إتمام هذه الصفقة سيبقى المتعاقد الرسمي هو أنادركو، و طوطال ليس لها أي علاقة مع الطرف الجزائري. 3- هل من الممكن تبسيط الأمر أكثر للقاريء الكريم؟ جيد، لنوضح الأمر بمثال مبسط من النشاط التجاري العادي: لنفترض أنه لدينا “سوبرماركت” بها سلع معلومة الثمن والكلفة، فأراد المالك أو المالكون تعويض أحد الشركاء في المحل، فسيتم شراء حصة الشريك الأصلي بأسعار كلفتها المحددة والمعلومة، ويتم استبدال الشريك ضمن نفس شروط نشاط المحل. لكن لنفترض أن المالك الأصلي ل”السوبرماركت” قرر تصفية ملكية المحل، وبيعه إلى مالك جديد، هنا ستتغير قيمة السلع والمقتنيات حسب كلفة نقل اصول الملكية للمالك الجديد، ثم وجدنا أن المالك الجديد قرر بيع حصة من “السوبرماركت” الى شريك آخر، هنا ستتغير بالتأكيد قيمة أصول هذه الحصة عند معاودة النشاط. والخلاصة أنه في حالة البيع المتعدد للأصول، سيتولد عنه تغير في قيمتها، بحكم أنها عمليات تستهدف الربح، كما يحدث في أية عملية تجارية عادية في اسواقنا، حينما تنتقل ملكية أي غرض بين ايدي عديدة، في عمليات بيع متسلسلة، فالسوق هو من يعيد تحديد قيمة السلع والأسهم وسعر الحصص، لذلك، إذا أراد صاحب الأرض هنا، استرداد الأرض وما عليها من رفوف وسلع، أن يخضع لمبدأ إعادة تقييم لقيمة حصة هذه السلع الإجمالية، ودفع مقابلها لمن حاز ملكية حصتها آخرا، بدلا من أن يبيعها لمالك جديد في مرحلة ثالثة. 4- لنفترض أن طوطال تمّ القبول بها لحيازة أصول أنداركو الأصلية بالجزائر، فما هو الضرر المحتمل الذي يمكن أن يلحق بإقتصادنا ؟ نحن قلنا سلفا بأن العقد القائم هو “عقد تقاسم الإنتاج” وفي بنوده يشتمل على صيغة مهمة، تم فيها تحديد صيغة تقاسم الإنتاج، وتمّ تحديدها بمستويين، ففي حالة الإنتاج الضعيف، لا ينبغي أن تتجاوز حصة كل الشركاء مجتمعين نسبة 38%، أما في حالة الإنتاج العالي، لا ينبغي أن تتجاوز الحصة الإجمالية لهم نسبة 22%. لذلك حتى ولو تحدثنا عن إنتاج في مستوى 320 ألف برميل، فإن الحصة النهائية لطوطال بعد حيازتها لأسهم أناداركو في الإنتاج الجزائري الإجمالي للنفط والمسقف طبقا لإتفاق أوبك عند 1,08 مليون برميل يوميا، سنجدها بلغة الأرقام أنها لن تتجاوز 26 ألف برميل، اي ما نسبته 2.4% في حقل إنتاج النفط الجزائرية، وهذه نسبة ضعيفة جدا، لا يمكنها أن تؤثر على الوضع الإستراتيجي لسوناطراك، لكن يبقى الملف ذو صبغة سياسية بإمتياز، نظرا لرغبتنا جميعا في الحدّ من التمدد الفرنسي في منظومتنا الإقتصادية.