دكتور محيي الدين عميمور كانت صُحفيّة “رأي اليوم” الأستاذة “ربيعة خريس” بالغة التوفيق وهي تعلق على مقال نشرته صحيفة “لو فيغارو” اليمينية الفرنسية عن أحداث الجزائر وتقول فيه بأنه: منذ عملية “التطهير الواسعة” التي استهدفت “أذرع” فرنسا وقوتها المالية مُمثلة في رجال المال علي حداد والأخوة كونيناف (نُطقٌ فرنسي استعمل لاسم خنينيف، لأناقةٍ أكثر) والبليونير يسعد ربراب واللواء عثمان طرطاق، المحسوب بدوره على الفريق توفيق، مع ملاحقة رموز النظام السابق والتغييرات التي طالت مؤسسات حساسة مثل الجمارك، وشركة “سوناطراك” (شركة النفط الرئيسية الكبرى) أصبح قائد المؤسسة العسكرية الفريق أحمد قايد صالح “محل اهتمام فرنسا” التي ضيعت نفوذها في النظام الجزائري. وتورد ربيعة ما قالته الصحيفة يوم الثلاثاء في مقال مطول أن : حراكيي الجزائر، الذين قرروا مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في المقررة في 4 يوليو/تموز المقبل، يطالبون بمغادرة رئيس الأركان قايد صالح، ووصفته الصحيفة الفرنسية ب “صانع القرار الوحيد” الذي ظل يصر على اتباع الطريقة “الأكثر دستورية”، منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بو تفليقة (وأنا أقرأ تعبير “الأكثر دستورية” للمرة الأولى في حياتي). وأشارت الكاتبة إلى ادعاء الصحيفة بأن أحمد قايد صالح بقي “وحيدا معزولا” خاصة أنه لا أحد من الشارع ولا من داخل النظام يُصدق أن الانتخابات الرئاسية ما زالت ممكنة (هكذا بالمطلق) علما بأن الفريق أكد على ضرورة التعجيل بالانتخابات الرئاسية بدون تحديد التاريخ. ولقد توقفت عند هذا الخبر كما سأتوقف عند تعليقات سبق نشرها بعد أن لاحظت أن الثروة المعلوماتية التي تقدمها الصحيفة الإلكترونية العربية تكاد تتجاوز طاقة البعض على الاستيعاب، خصوصا أولئك الذين يطاردون في نفس الوقت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، حيث أن سيل المعلومات والتعليقات لا يظل مرفوعا أكثر من ساعات معدودة، يومين تقريبا، بما يضيع على البعض، كما قيل لي، فرصة متابعة الكثير. ومن هنا حاولت في الحديث الأسبق القيام بجولة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وأسمح لنفسي اليوم بالتوقف عند بعض التعليقات التي قيل لي أن كثيرين لم يتمكنوا من الاطلاع عليها. وكنت تعمدت نشر ما رأيت أهميته من تعليقاتِ شريحةٍ متعددة الاختصاصات من الجزائريين، وكلها كانت قد نشرت بالصورة وبالتوقيع الكامل في الفيس بوك، ويمكن أن يرجع لها من يريد، واختتمت الحديث بتحدٍّ مهذب قلت فيه بأن هذه (عينة من آراء المواطنين والمواطنات لم يكونوا ممن يتسابقون لانتزاع ميكروفونات التلفزة المحلية والدولية، وهناك بالطبع آراء أخرى معاكسة أترك لآخرين مهمة استعراضها بنفس الأسلوب، أي بالتوقيعات الكاملة على الأقل، حتى تكون لها مصداقيتها في حوار فكري متزن.) التعتيم على تمرّد الستينيات كانت هناك تعليقات تفادت أي تصحيحات واضحة لما نشر، عبّرت عن اتجاهات تعمل لتصل البلاد إلى وضعية انسداد سياسي يقودها إلى مرحلة انتقالية مشبوهة تُجهض فيها الأهداف الحقيقية للشعب، ويقع الجيش في فخ الاضطرار إلى الانقلاب العسكري بكل تداعياته الداخلية والجهوية والدولية، وهو ما لمحتْ لها مقالة الفيغارو سالفة الذكر، والتي تتلقى معلوماتها أساسا من مراسلين لبعضهم روابط بناشطي التيار الفرانكو لائكي، وأسماؤهم معروفة. وسنجد من هؤلاء نفس الأقليات التي تروج لمغالطة تدّعي أن الجيش هو من يحكم الجزائر منذ 1962، وغالبا لتحويل الأنظار عن تمرد 1963 ضد الدولة وضد جيش التحرير الوطني، وهو ما لا نتحدث عنه عفة واحتراما لمن هم في رحاب الله. والمغالطة، والتي اعترف بتقصيرنا في توضيحها، هي أن من يحكم الجزائر منذ الاستقلال هم رجال الثورة وأبناؤها، وليس رجال القوة المسلحة التي لا ينكر أي وطنيّ وفيّ أنها كانت العمود الفقري للدولة في السنوات الماضية وطليعتها في عمليات التنمية، ومن يهاجمونها اليوم كانوا يريدونها مجرد بقرة سمينة حلوب، كما ما حدث في مرحلة معينة انطلقت بها العشرية الدموية. وكان من الحماقة أن تترك الدولة في يد من صوتوا ضد الاستقلال في 1962. ومن هنا ندرك أن فشل تلك الاتجاهات في ركوب الحراك وابتزاز المؤسسة العسكرية لتوليتهم مقاليد سلطة انتقالية لا مبرر لها خلق عندهم وضعية هيستيريا سياسية، حيث تكررت تعليقات متشابهة بتوقيعات رمزية مختلفة لتوحى بكثرة المعلقين، وتحولت القضية إلى مندبة تثير الضحك والسخرية، لأنها جنازة تابوت فارغ. وكان ذلك وراء ادعاءات الاتجاهات الفرانكوفيلية من أن القايد صالح يصول اليوم ويجول لوحده في الميدان متمسكا بدستورٍ الكل يرفضه!! وبحكومةٍ ورئيس مؤقت كان القايد من الذين فرضوهما على الشعب، وهي مغالطات تكشفها قراءة سريعة لمسيرة العقود الماضية، في حين أن رئيس الأركان، وبرغم كل ما يمكن أن يُنسب له من أخطاء، رفض عسكرة الدولة، وليس عيبا أن يُعتبر اليوم أقوى رجال قوة منظمة منضبطة واضحة الأهداف والانتماءات، ملتزمة بالمبادئ التي تؤمن بها جماهير ثورة نوفمبر. والذين يبحثون اليوم عن عذرية جديدة، وأسماؤهم معروفة وهم ملفوظون جماهيريا برغم الضجيج المفتعل، لم ينطق منهم أحد عندما عُدّل الدستور في 2009، لأنهم كانوا مستفيدين من الوضعية آنذاك، مناصب سياسية وقروضا بنكية وسيطرة إعلامية ونفوذا اقتصاديا أعطاهم وزنا خارجيا، في حين حوربنا نحن عندما حاولنا التصدي لإلغاء المادة المحددة لعدد العهدات الرئاسية، والمواقف كلها منشورة في الصحف الوطنية وفي القدس العربي آنذاك، وأشرت لها سلفا محددا تاريخ نشرها بالضبط. بيطاط.. القامة التاريخية تركزتْ تعليقات كثيرة على رئيس الدولة السيد عبد القادر بن صالح، والذي لا يقلل من أهمية دوره أنه ليس في قامة رابح بيطاط، الزعيم التاريخي الذي تولى الرئاسة المؤقتة إثر وفاة الرئيس بو مدين في 1978، ولكن الذي حدث هو أن موقعه في هياكل الدولة فرض تعيينه في المنصب الخطير، وكان هناك بالطبع من يرفضون مجرد النظر في صورته، وقد يكون لبعضهم أسباب موضوعية أو ذاتية لذلك، وربما لأنه يذكرهم بمن يريدون محوه من ذاكرتهم، لكن هذا لا يمنع من أن الشعب الجزائري في مجموعه يتفهم، أو يتحمّل مرحليا، وجود بن صالح كرئيس “شرعي” تولى مهمته بحكم “دستور شرعي” كان الجميع يسير على نهجه منذ إقراره في العشرية الماضية، فالبديل هو أن يكون الأعلى صوتا والأكثر جلبة هو من يحتكر التعبير عن رأي الشعب، ولو كان جديرا بذلك لقبل باستفتاء عام يمنحه الحق في ذلك، وكنا سنرحب بالنتيجة. ومن المضحك أن عناصر كانت شريكة في النظام ومستفيدة منه بشكل أو بآخر، بل ومن المخزي أن تطالب بطرد الآخرين، وزراء وولاة وأحزابا وبرلمانا، بدون أن تمارس نقدا ذاتيا يفرض عليها أن تصرخ “ميا كولبا”، وأن تطرد نفسها بنفسها من الساحة السياسية قبل أن تنادي بطرد الآخرين، وهي ليست أقل منهم سوءا، ومن السخرية أن يتصور البعض أن نجومية تيليفيزيونية عابرة تؤهل صاحبها لقيادة أكبر دولة في إفريقيا، وبشرعية مفتعلة وعذرية مشبوهة. والغريب ممن يتحدثون عن عوار الدستور الحالي، والذي اعتبرت “الفيغارو” أن الجزائر تتمسك به بطريقة “أكثر دستورية”!! أن مطالبة بعضنا بإلغاء “كل التعديلات التي أدخلت على الدستور الجزائري منذ 1996” رُفضت بحدة وشراسة من قبل نفس الذين ينددون بالدستور، وفهمنا أن سبب ذلك الرفض هو أن الإلغاء كان سيحذف موادّ فُرضت عن غير طريق الاستفتاء العام، ونتيجة لعمليات ابتزازية متواصلة لجأت أحيانا إلى العنف، ولأن أي طرح لحوارٍ حرّ عامٍّ حول دستور جديد قد يعيد النظر فيما انتزع من قرارات متسرعة، وهذا ما يخيفهم، وخصوصا فيما يتعلق بقضية واحدية اللغة الوطنية والانتماء العربي الإسلامي للبلاد، وأتحدى أن يعلن أحدهم التزامه مع هذا الانتماء وسأكون أول من يهتف باسمه. وبغض النظر عن عمليات تجمهر في مواقع محدودة وهتافات من الواضح أنها تمثل اتجاهات لها أهميتها لكنه لا تستطيع الادعاء بأنها تمثل رأي الجماهير الجزائرية عبر الوطن كله، خصوصا والبعض يخدعنا بالادعاء أن “الطلبة” (بالألف واللام والتي تعني الأغلبية الساحقة) ينادون بكذا أو بكذا، بدلا من استعمال كلمة “طلبة” (بدون التعريف، وهو ما يمكن أن يعني مجرد عشرا أو حتى مئات). عقدة العسكر ليست جزائرية سيلاحظ من يزور كل مناطق الجزائر العريقة، مدنا وقرى ومداشر، بأن الجزائريين لا يعانون من عقدة العسكر التي يعيشها المشرق العربي، وأن اليقين العام هو أن الجيش الوطني الشعبي يجسد ثقة الأغلبية الساحقة من الأمة، بدليل تزايد الهجومات عليه من توجهاتٍ ومن جهاتٍ ومن مناطق ومن إيديولوجيات معينة، تتزامن مع حالة الغضب الفرنسي مما يحدث على الساحة عبر معظم ولايات الجمهورية، وخصوصا رفع لشعارات جمهورية “باديسية” وليس “باريسية”، وهو ما أشارت له ضمنيا ربيعة خريس، فالعقيدة القتالية للجيش لم تتغير منذ 1954، وعناصره من كل جهات الوطن بدون انتقاء عرقيّ. ولا بد من الاعتراف بأن الفشل في الجزائر هو حقيقة واقعة، ولكنه فشل الاتجاهات الفرانكوبربرية، التي أدركت أنها لن تستطيع انتزاع مواقع السيادة كما فعلت في 1992، وأنها ستُسْحق في أي انتخابات نزيهة قادمة يتولى الشعب مراقبتها كما حدث في 1962 وفي 1991، ولهذا تفتعل مظلومية أمازيغية لا وجود لها عند الوطنيين. والواقع هو أن الحكمة والعقلانية كانت تتطلب ألاّ تواصل الأقلية الفكرية والإيديولوجية تحديها لإرادة الأمة وممارسة الدجل الإعلامي لتضليل البسطاء، وذلك حتى لا تتعرض للإقصاء الذي مارسته هيَ على الأغلبية الشعبية في التسعينيات، وبكل المآسي التي انجرت عن سياسة الإقصاء بل والاستئصال الجسدي التي مارستها السلطة التي احتضنتهم آنذاك، وأن تدرك أن من حقها أن يكون لها مكانها في مسيرة البلاد ما دامت أهدافها الحقيقية هي المساهمة في بناء الجزائر الحرة المستقلة، بعمقها التاريخي النوميدي وانتمائها العربي الإسلامي وحضارتها المتوسطية وعمقها الإفريقي، وحيث الأغلبية تحترم رأي الأقلية ولا تحاول الأقلية فرض إرادتها على الأغلبية. ومحاولة الإيقاع بين قيادة المؤسسة العسكرية ومجموع القوات المسلحة من جنود وضباط بإلقاء زهور على هؤلاء وأحجار على تلك، كما حدث في تجمهر الجمعة الماضية في “موريس أودان” (الساحة التي سميت باسم شهيد فرنسي أعدمته فرنسا لتأييده للحق الجزائري) وهو تجمهر كان صخبه أكبر من حجمه العددي، كالطبل الأجوف، وبدا محاولة أكثر من ساذجة لا يلجأ لها إلا من لا يعرف الجيش الوطني الشعبي، الذي نجا من عملية اختطاف شريرة قامت بها في بداية التسعينيات مجموعة تتحمل مسؤولية رئيسية في الدماء التي سالت والإمكانيات التي دُمّرت والشرخ الذي عرفته البلاد بين أبنائها من مدنيين وعسكريين. ولعلي أنتهز الفرصة هنا لأعيد ما سبق أن قلته في أحضان هذا المنبر الحرّ من أن الحوار المثمر يتطلب أن يتم التعليق على أمر معين ذكره الكاتب، وذلك بالتفنيد أو التصحيح أو التكذيب، وأنا شخصيا لا يزعجني أن يصحح أحد ما أقوله، فأنا لم أدعِ يوما أنني وسعت كل شيئ علما، لكن الهروب من هذا المنطق إلى الكلام المرسل وطرح مواضيع لم أتطرق لها في حديثي لتسريب رسائل معينة هو أمر لا يقنع أحدا خصوصا وهو يقدم باسم مستعار، لا تهمني كل خلفياته. البينة على من ادّعى من الواضح أن هدف بعض التعليقات هو خلق نوع من التشويش في فكر القارئ غير المختص، حيث نجد من يدعي مثلا عدم احترام السلطة الجزائرية للدستور، ولا يقدم مثالا واحدا لذلك، علما بأن احتمال خرق أي قانون هو أمر محتمل الوقوع لأن من يتعاملون به ومعه هم بشر، والمجتمعات الواعية تواجه على الفور كل خروقات يمكن أن تقترفها السلطة، سواء باحتجاج أحزاب المعارضة أو بتحركات أعضاء المجتمع المدني، ولم نسمع أن أحدا من هؤلاء سُجن لأنه انتقد خروجا عن الدستور، إلا أن يكون الحكم بعدم احترام الدستور ناتج عن عدم فهم لنصوص الدستور أو عدم استجابتها لرغبة معينة أو لطموح معين عند البعض. هذا كله لا يمنع من الاعتراف بالفشل الإعلامي للسلطة التي لا تملك الأذرع الضرورية لوضع المواطنين في صورة الأحداث، ولتمكنهم من اتخاذ المواقف بناء على معرفة المعلومة واكتشاف المكذوبة، ومقارنة الرأي بالرأي الآخر، وتبين كل نبأ يأتي به كل من نبه القرءان إلى صفته وممارساته. والمبادرون من أمثالنا، ممن لا ينتمون عضويا بأي شكل من الأشكال للدولة، يصبحون هدفا للكثير من العداء، لأننا نحاول، في حدود ما يصل إلينا من معلومات، توضيح الحقائق الميدانية، واستعراض آراء لعل منها ما لا ينسجم دائما مع الخط الرسمي للسلطة، وما يعرضنا أحيانا لسماع بعض العتاب الذي قد يصبح لوما يمكن تفهمه، وهو ما حدث مع تعليق لي على رسالة الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، وسبقت الإشارة لذلك. نقطة أخرى في التعليقات أرى لها أهمية كبيرة، حيث يحدث أحيانا أن يُعلق مواطن سلبيا، بدون أي خلفيات، على الأسبقية التي أعطتها السلطة لمتابعة بعض عناصر الفساد المالي بدلا من التركيز على الخطايا السياسية، ولقد سبق أن شرحت وجهة نظري وقلت، بناء على ما عشته وعايشته، إن البلاد كانت تحت سيطرة مافوية مالية سياسية، ساهم فيها بعض من يرفعون شعارات تدعو لرحيل الجميع، وما زالت تداعياتها وآثارها قائمة إلى اليوم، وتزداد خطورتها مع محاولة استئصالها، إذ تتصرف كوحش جريح. ولقد جاء الخطر الحقيقي في السنوات الماضية من إقرار قوانين تفتح الباب للفساد المالي الذي يدعم الفساد السياسي، ويصبح الفساد دائرة مغلقة، وهو ما يركز القضاء الجزائري اليوم على محاربته بإجراءات مزدوجة، أي ليس بمجرد القبض على الفاسدين بل بمتابعة المسؤولين الذين سهلوا لهم، قانونيا، طريق الفساد. الدولة العميقة ضد الدولة العريقة الحرب ضد الفساد أصابت الطرفين وأنصارهما بالذعر، وهو أمر طبيعي، فالذين ألِفوا “الكافيار” و”السومون فيوميه” و”الشمبانيا” بدون جهد نزيه وبدون الوفاء بحق الدولة والمجتمع، سيحاربون بالأسنان والأظافر للحفاظ على ما انتزعوه من حقوق الشعب وأرزاقه، ولن يتورعوا عن القيام بأي عمل مهما كانت دناءته، والثورة المضادة ليست مجرد تعبير بلاغي بل هي حرب حقيقية تشنها الدولة “العميقة” للقضاء على الدولة “العريقة”، دولة نوفمبر/ ابن باديس، وغالبا بالضرب تحت الحزام، بالتعبير الرياضي. لكن لا بد أيضا من الاعتراف بأن المؤسسة العسكرية لم تكن مؤهلة للتعامل مع الجماهير بشكل مباشر وبأسلوب مناسب بعد الاستقالة المتعجلة لرئيس الجمهورية، خصوصا وأن الساحة الإعلامية كان قد تم تدميرها خلال السنوات الماضية بعمل جهنمي استهدف تفتيت الرأي العام ليسهل التحكم فيه من قبل أجهزة معينة وتوجهات لها أهداف لا تنسجم عقائديا مع الانتماء الجماهيري العربي الإسلامي، ومع دور الدولة “الاجتماعية” (حسب بيان أول نوفمبر 1954) في حماية الطبقة الوسطى ومجموع الكادحين من رأسمالية طفيلية متوحشة، جشعها يتجاوز سِعَة البطون، وولاءاتها ليست دائما لمبادىء ثورة نوفمبر ولأفكار بنابي وابن باديس ولمسيرة عبد القادر وبن بو العيد وهواري بو مدين وآلاف الآلاف من رواد الحرية. ومن هنا نفهم معنى هتاف الجماهير: نحن أبناء “باديس” لا أيتام “باريس”. وأنا شخصيا مطمئن، فالمواطنون الشرفاء، وبحسب تعليقاتهم الموقعة والموثقة، يدركون بأن القافلة تواصل السير بعزم وحزم ولكن أيضا بهدوء ورصانة، رغم طبول الإنكشارية الجديدة التي تُقرع بكل عنف وتشنج للتغطية على الحِداء الذي يقود المسار، ويزداد قرع الطبول مع كل خطوة إيجابية بهدف تهييج سفن الصحراء فيتعثر سيرها وتختل مسيرتها ويختلط كل شيئ بكل شيئ….وقد تسيل الدماء. ومعذرة على الإطالة، لكنني أردت أن أؤكد بأننا نعرف تاريخ الرجال والأحداث والوقائع، ونفهم ما يدور حولنا في الوطن وفي المحيط الجيوستراتيجي حول بلادنا، ونفهم أننا من بين المستهدفين بصاعقة “صفقة القرن”، التي نريدها، بعون الله ووعي الجماهير، “صفعة قرن” لمن يريدون بنا سوءا. ويمكرون… آخر الكلام * – السجين، أيا كانت تهمته، هو أمانة عند الدولة، وحياته وأمنه وحقوقه القانونية مسؤوليتها الأولى، ووفاة المعارض الحقوقي السيد فخار لا يجب أن تمرّ بدون تحقيق طبي وأمني مُعمّق يكشف الحقيقة، فهناك شكوك حول اغتيال إجراميّ مقصود لاستثارة الاضطرابات، ويجب أن يعاقب المسؤول عن الوفاة، وسواء كانت عن إهمال أو تراخٍ أو تآمر.