د/عطاءالله فشار تزكية النفوس : الكبر آفة النفس النفس البشرية تصيبها أمراض كثيرة ومن تلك الأمراض داء الكبر الذي يصيب الأفراد ويلحق الضرر بالمجتمعات. هو حالة نفسية باطنية، لها ظواهر تدل عليها، وهذه الحالة هي أن المتكبر يجد في نفسه أنه فوق الناس جميعا، أو فوق أناس معينين أو غير معينين، وقد يتجاوز المتكبر هذه الحالة فيعتقد أنه فوق الحق بما فيه قبول الرسالات السماوية ويتطاول على رب العالمين مقتديا في ذلك بإبليس والنمرود وفرعون وهامان وقارون، وعليه فهو فوق الأنظمة واللوائح والعدل والقانون، ولا يقبل من أحد حوارا أو نقاشا في حق أو باطل إلا فيما يوافق غروره، وقد أعطانا النبي صلى الله عليه وسلم تعريفا لهذا المرض فقال: (الكبر بطر الحق وغمط الناس) فالكِبْر من أوَّل الذنوب التي عُصي الله تبارك وتعالى بها، قال الله تعالى مبيِّنًا سبب امتناع إبليس عن السجود لآدم : ” وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ” ويحدثنا الذهبي عن أشرِّ أنواع الكبر فيقول: “وأشرُّ الكِبْر الذي فيه من يتكبر على العباد بعلمه، ويتعاظم في نفسه بفضيلته، فإنَّ هذا لم ينفعه علمه، فإنَّ من طلب العلم للآخرة كسره علمه، وخشع قلبه، واستكانت نفسه، وكان على نفسه بالمرصاد، فلا يفتر عنها، بل يحاسبها كلَّ وقت، ويتفقدها، فإن غفل عنها جمحت عن الطريق المستقيم وأهلكته، ومن طلب العلم للفخر والرياسة، وبطر على المسلمين، وتحامق عليهم، وازدراهم، فهذا من أكبر الكِبْر.”، والكبر قد يكون على الخالق عز وجل او على العباد ولذلك يقول الله عزَّ وجلَّ “سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ” وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله “من مات وهو بريء من الكبر والغلول والدين دخل الجنة” وقال أيضا “ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره . ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر” فالتكبر صفة ذميمة يتصف بها إبليس وجنوده من أهل الدنيا ممن طمس الله تعالى على قلوبهم . وأول من تكبر على الله وخلقه كما وسبق أن أشرنا إليه هو إبليس اللعين لما أمره الله تعالى بالسجود لآدم فأبى واستكبر وقال " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " والكبر سبب للحرمان من الجنة ويحرم الإنسان نفسه من أن ينظر رب العزة إليه كما جاء في الحديث : قال صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فالمتكبر يبطر الحق : أي يرده بعد معرفته ، ويغمط الناس : اي يحتقرهم والكبر صفة من الصفات التي لا تنبغي إلا لله تعالى ، قال :النبي صل الله عليه وسلم: “يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعَظَمة إزاري. فمَن نازعني واحداً منهما، ألقيتُه في جهنم ولا أبالي” وكل من حاول الكبر والارتفاع خفضه الله تعالى في الأسفلين وجعله في الأذلين لأنه خالف الأصل فجازاه الله تعالى بنقيض قصده ، وقد قيل : الجزاء من جنس العمل . والذي يتكبر على الناس يكون يوم القيامة مداسا تحت أقدام الناس فيذله الله تعالى جزاء ما كان منه من الكبر . قال صلى الله عليه وسلم : " يُحشَرُ المتكبِّرون يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجالِ يغشاهم الذُّلُّ من كلِّ مكانٍ يُساقون إلى سجنٍ في جهنَّمَ يُقالُ له : بُولَسُ تعلُوهم نارُ الأنيارِ يُسقَوْن من عُصارةِ أهلِ النَّارِ طِينةَ الخَبالِ “رواه الترمذي وحسنه الألباني قال محمد بن الحسين بن علي: “ما دخل قلبَ امرئ شيءٌ من الكبر قطٌّ إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك، قلَّ أو كثر”. والكبر نجد مصدره في : (العُجب، والحقد، والحسد، والرياء)، وتأتي درجاته في الإنسان على ثلاث درجات: 1- مستقر في القلب، فيجتهد صاحبه ويتواضع، فشجرة الكبر مغروسة في قلبه، وهو يقطع أغصانها. 2- أن يظهر بأفعاله الترفُّع على غيره في المجالس، والتقدم على الأقران، والإنكار على من يقصر في حقه. 3- أن يظهر بلسانه؛ كالادعاء، والتفاخر، وتزكية النفس، والتكبر بالنسب وبالمال والجمال والقوة وكثرة الأتباع. فأماالفرق بين الكِبروالعُجب فأكثر العلماء على أنه لا فرق بينهما، وذهب المحقِّقون من علماء السلوك إلى الفروق تظهر في : الكبر خُلق باطن يصدر عنه أعمال، فيرى نفسه أفضل من الغير، فيظهر ذلك من خلال تصرفاته تجاه المتكبر عليهم. والعُجب رؤية النفس والرأي والعمل، فيتصور ولو لم يكن أحد وهكذا فَإن سلف هذه الأمة فهم وأدرك أن التواضع نقيض الكبر، وأنه الخضوع للحق والتسليم له متى ظهر، وأنه الامتناع عن تحقير المسلم أو ازدرائه بأنه أقل منه مالاً ونَفَراً، أو أضعف جاهاً وأقل أنصاراً. قال الزاهد يوسف بن أسباط الشيباني: التواضع أن لا تلقى أحداً إلا رأيتَ له الفضل عليك “أي رأيته أفضل منك”. وقال: يُجزي [أي يكفي] قليلُ الورع والتواضع عن كثير الاجتهاد في العمل. وقال الإمام الشافعي: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شِيَم اللئام. ولهذا وجب على كل إنسان أن يسائل نفسه ومحاسبتها عن موقعة بين التواضع والكبر .