– لا خيار للحكومة سوى محاربة إرهاب البيروقراطية لإنجاح الإقلاع الاقتصادي – كان البعض ينزعج منا لما نتحدث عن "البيروقراطية" – لابد من إحداث القطيعة مع ممارسات الماضي -نحن في الشهر السادس من الأزمة والشركات لا يمكنها الصمود أكثر – الوقت يداهمنا ولا مجال لنا للتأخير أكثر – نحمل مشروعا هاما لدعم الشباب المبتكر
■ حاوره : رضا ملاح يتحدث رئيس الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين محمد سامي عاقلي، في هذا الحوار، عن الوجه الجديد للكونفدرالية برؤية اقتصادية بعيدا عن ممارسات الماضي، كما تطرق للأولويات الاقتصادية الاستعجالية لإخراج البلاد من نفق الأزمة جراء انهيار أسعار البترول وتداعيات كوفيد 19، ودعا عاقلي للإسراع في تنفيذ التدابير والإصلاحات المعلن عنها، معتبرا أن العراقيل التي تقف في وجه المستثمرين و "إرهاب" البيروقراطية وثقل الإجراءات بمثابة عقبات ترهن أي مسعى اقتصادي.
شرعتم منذ عدة أشهر في تغييرات جذرية على مستوى الكونفدرالية، ما خلفية هذه التعديلات ؟ في مسار أي منظمة توجد تغييرات وهو أمر طبيعي للتأقلم مع الأهداف والوضع الراهن عموما، منذ أكثر من سنة تكلمنا عن تغيير ما يجب تغييره وتعزيز مكاسب هذا الفضاء الاقتصادي، والهدف الأسمى من خلال هذه الخطوات الرجوع إلى المسار الاقتصادي والعودة للعمل الجماعي مع الأعضاء وأصحاب المؤسسات وهذا في حد ذاته مكسب حقيقي، نحن واصلنا مسار التغيير من خلال تعديل الاسم بقرار من الجمعية العامة بعد تغييرات جذرية في المنظومة وحتى في طريقة تسييرها.
هل الممارسات التي ألصقت ب"الأفسيو" سابقا كانت دافعا رئيسا لإحداث التغيير؟ التغيير له رسائل، أبرزها تتمثل في إحداث القطيعة مع ممارسات الماضي وكذا التحول نحو كونفدرالية، حيث قررنا أن نسير برؤية جديدة نركز فيها على العمل الاقتصادي وبطريقة فعلية، فحتى كلمة الشركات المواطنة لم تأت عبثا، إذ يعد كل أعضائنا شركات مواطنة وخير دليل الأوقات الصعبة التي مرت بها البلاد في الأشهر الماضية أين تجند الجميع رفقة السلطات العمومية والجمعيات لمساعدة البلاد وهذا واجبنا. في ظل أزمة كورونا والتدابير المتخذة لإنقاذ المؤسسات المتضررة، ما هي أولى أولويات الواجب مباشرتها لتمكين المؤسسات من تجاوز الوضع ؟ نحن في الشهر السادس من الأزمة، الشركات ليس لها القدرة على مجابهة آثار الوباء، وكما تعلمون أغلب الشركات الصغيرة والمتوسطة الأكثر تضررا من الوضع ولا يمكنها الصمود أكثر، ومن منطلق ذلك يجب مرافقة أولية وسريعة لإيجاد حلول لهذه الشركات ومعالجة الوضع الاقتصادي بصفة عامة. صحيح توجد قرارات اتخذت من قبل الحكومة في هذا الجانب تخص تسهيلات على مستوى البنوك وتمديد وتأجيل تسديد مستحقات الضمان الاجتماعي، اليوم نتكلم على خطوات فعلية والإسراع في تنفذيها ولا مجال للتأخير أكثر، فالاقتصاد ليس لديه الوقت الكافي والمتعامل الاقتصادي الذي يعيش أزمة حقيقية ينتظر حلولا سريعة التنفيذ، بالمقابل لمسنا إرادة سياسية ورسائل إيجابية من السلطات العليا في البلاد نتمنى أن تجسد على أرض الواقع. مؤخرا قدمتم رفقة 07 منظمات مقترحات حملت بعضها الطابع الاستعجالي، هل لكم التفصيل في ذلك أكثر ؟ نعم، بالتنسيق والتشاور مع بعض المنظمات، رفعنا أرضية مقترحات ولعل الجوهر هو تفعيل محاربة البيروقراطية، فمن غير المعقول أن نعيش في زمن أزمة ولدينا إدارة ثقيلة تستغرق وقتا لأخذ القرارات وتنفيذها، وعلى ذلك يجب أن نتجند جميعا لمحاربة هذه الآفة الخطيرة، كون أن التجسيد الفعلي للقرارات الهامة التي اتخذت من قبل السلطات العليا في البلاد تبقى مرهونة بآليات التنفيذ في الميدان. من جهة أخرى، يوجد أصحاب مؤسسات اشتغلوا على مشاريع صفقات عمومية لم يتلقوا مستحقاتهم إلى يومنا هذا، وهي مشاكل يجب تسويتها حتى لا نقع في تراكمات، قرارات اتخذت تبقى أخرى تنتظر، لذلك أركز دائما على الإسراع في تطبيق التدابير المتخذة، من أجل التأقلم مع مرحلة اقتصاد ما بعد وباء كوفيد19 من أجل مسايرة كذلك ما يحدث في الأسواق العالمية، التي تعتمد أكثر من أي وقت على تكنولوجيا الرقمنة والسرعة في اتخاذ القرارات في ظل منافسة شرسة. برأيكم، هل شمل مخطط عمل الحكومة أولى الأوليات الاقتصادية في مخطط الإنعاش الاقتصادي؟ بطبيعة الحال، لا يمكن الحديث عن بناء اقتصادي وطني دون أن تكون لدينا رؤية جذابة مجشعة على الاستثمار والعمل، سواء محليا أو أجنبيا، برأيي هذه هي الرهانات الحقيقة التي تنتظر، فلما نتكلم عن دعمنا ومساندتنا لخطة الإنعاش الاقتصادي نحن هنا لا نمارس السياسية، لو تفشل هذه الخطة سنواجه خطرا حقيقيا، على اعتبار أن الأزمة معروفة وليس لدينا الوقت أكثر لنضيعه في تشخيص الأمور، فكلما أسرعنا في التنفيذ والعمل للنهوض بالاقتصاد كلما ازدادت فرصة النجاح، ونرى أنه ليس لدينا إلا خيار مساندة خطة الإنعاش الاقتصادي.
بالنظر للهزات الاقتصادية التي واجهتها البلاد، ما هي الأولويات المستعجلة حسب تشخيصكم ؟ الشروع في أولى خطوات بناء اقتصاد منسجم ومتكامل بعيدا على الريع والاستيراد والصفقات العمومية، لا يمكن أن نبني اقتصاد بلاد مثلا على الصفقات العمومية، علينا التوجه للاستثمار في بعض القطاعات التي نملك فيها مؤهلات كالفلاحة والخدمات وكذا الانفتاح على الرقمنة وفق خطة عمل ومعايير دولية .. لا يجب أن نعتقد أننا نعيش في هذا العالم لوحدنا، فشركات الرقمنة هي من تهندس معالم الاقتصاد، لذلك أعتبر أن هذا الشق تحد حقيقي بالنسبة لاقتصاد البلاد. تحقيق صناعة حقيقية يقابله ضرورة التوفر على نسيج صناعي محلي قادر على تلبية الاحتياجات الداخلية، فمثلا قطاع السياحة من بين أهم القطاعات الاستثمارية في الجزائر، لكن تحقيق الوثبة يبقى مرهونا بتغيير بعض الأنظمة المفتاحية، على رأسها النظام البنكي وتحسين منظومة النقل وتسهيل ولوج السياح. أكررها مرة أخرى، لن ننجح في أي خطة عمل اقتصادية ما لم نسرع إلى محاربة البيروقراطية وتخفيف مسار الاستثمار، من غير المنطقي أن نتحدث اليوم عن خطة إنعاش اقتصادي وتشجيع المؤسسات الناشئة وولوج الرقمنة، بالمقابل في الإدارة ما زلنا نطالب بذلك الحجم من الوثائق والإجراءات التي تضيع لنا الوقت والجهد والمال، الأزمة عقدت الوضع الاقتصادي لكن هذا يجب أن يقوينا للنهوض والتكاتف وهي مرحلة إجبارية ليس لدينا أي خيارات. ما هي أبرز الإصلاحات الضرورية التي يجب أن ترافق مخطط الإنعاش الاقتصادي ؟ بطبيعة الحال كل خطوة لها أولويات، لا نستطيع التحول نحو اقتصاد جديد بدون تغيير مثلا المنظومة البنكية، نركز على المنظومة البنكية لأنها أم الإصلاحات، عند الحديث عن الرقمنة ودعم الشباب وتخصيص دائرة وزارة كاملة والاهتمام بهذا النوع من المؤسسات، يجب أن نضع في الحسبان أن هؤلاء الشباب يعيشون في عالم الرقمنة وتطوير تطبيقات والتعامل معها عبر البنوك، لكن في نظام بنكي مثل الذي نسير به في الجزائر لا يمكن أن تسير هذه الأمور بالشكل اللازم. ضروري جدا التحول نحو منظومة بنكية مرنة بمعايير دولية، فيما نبقى نتخوف فقط من البيروقراطية والعراقيل الإدارية، خصوصا وأن الأزمة الحالية لها ضحية واسعة من الشركات، جراء التوقف لنحو مدة 06 أشهر وخلفت آثارا وهي تجارب نعيشها يوميا مع متعاملين اقتصاديين الذين يتخبطون في تبعات الأزمة.
ألا تتخوفون اليوم من هاجس ممارسات الماضي ؟ مادام نتحدث عن مخطط اقتصادي وتحقيق انطلاقة جديدة، فمن المهم جدا خلق جو من الثقة بين جميع الفاعلين، وفي هذا الشق كانت رسائل الرئيس والحكومة جد واضحة، مثلا عدم تجريم قرارات التسيير كانت من بين مطالبنا، وخير دليل الرسائل المجهولة التي تكلم عنها الرئيس التي نعتبرها خطوة جد مهمة، هي كلها أمور أرجعت نوعا من الثقة، لكن تبقى دائما مرهونة باتخاذ قرارات سريعة. في وقت سابق كان البعض ينزعج منا لما نتحدث عن آفة البيروقراطية..اليوم الكل يتكلم عليها، ولدينا ثقة في نوايا السلطات في محاربة هذه الظاهرة، وأريد أن أبرز أن تذليل العقبات أمام المستثمرين المحليين وتحقيق كل ظروف نجاحهم دوافع تجلب المستثمرين الأجانب. ما الجدوى الاقتصادية من التركيز الكبير في مخطط عمل الحكومة على المؤسسات الناشئة والمصغرة موازاة مع الأزمة التي نعيشها ؟ في الأصل السوق الجزائرية تحصي نقصا بنحو مليون مؤسسة أخرى لنصل إلى المعايير الدولية، فقرار وضع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والناشئة كمسألة محورية يعد من أهم القرارات، الجامعات الجزائرية تحصي 250 ألف متخرج سنويا، وما يقارب مليون بين مراكز التكوين والجامعات، علينا أن نحوي هذا العدد الهائل من المتخرجين بمثل هذه الشركات واستغلال الطاقات الشابة التي يبنى عليها الاقتصاد اليوم. المؤسسات الناشئة مرتبطة بالسرعة، واليوم أصبح هذا النوع من الشركات هي من تقرر مصير الاقتصاد بدل الشركات الكبرى، لكن كي ننجح في إنشائها يجب علينا إحداث التغييرات التي سبق وأن ذكرنا خصوصا تلك المتعلقة بالمنظومة البنكية وشبكة الاتصالات. أطلقتم مؤخرا مسابقة للشباب المبتكر، كيف تعلمون على تعزيز هذا النموذج الذي يدخل صلب مخطط عمل الحكومة ؟ في الكونفدرالية لدينا فدرالية بأكملها تعنى بالشركات الناشئة يترأسها شاب متخصص دوليا في هذا النوع من المؤسسات، وعملنا منذ شهرين على إطلاق مسابقة خاصة بالشركات الناشئة في ظل أزمة كورونا، شهدت مشاركة 1500 شاب وعرض نحو 370 مشروع، من بينها 171 مشروع دخل قائمة لجنة التحكيم، ليقع الاختيار في الأخير على 07 شركات ناشئة، فبرنامج الكونفدرالية يعمل على مرافقة هذه المؤسسات الناشئة عبر ثلاث مراحل، أولها لمدة سنة لإيجاد حلول لرفع التمويل وإنجاح مشاريعهم من قبل أعضاء الكونفدرالية، بالإضافة إلى مرحلة مرافقتهم في الخارج "ايمرجينغ فالي" وهي تظاهرة مهمة جدا تقام في مارسيليا كما تشمل كافة المتعاملين في مجال الرقمنة والشركات الناشئة، سنرافق أصحاب هذه المشاريع المبتكرة على عاتق الكونفدرالية. أما المرحلة الثانية فهي viva tech وتوفر لهم مرافقة في أكبر صالون الدولية للمؤسسات الناشئة، طبعة 2021 ستكون الكونفدرالية شريك مهم، إذ ستخصص جناحا بأكلمه للجزائر، كما تمثل مرحلة جد مهمة للشركات الناشئة خصوصا أنها تستقطب كل المتعاملين من شركات استثمار ومتعاملين وكل المهتمين بهذا النموذج وسنرافق أكبر عدد ممكن من المؤسسات، وبطبيعة الحال الأولوية ستكون للشركات الناجحة في المسابقة المنظمة. أما المرحلة الثالثة فستخصص لزيارة معهد "أم اي تي" وجامعة هارفارد، بحيث يطلع هؤلاء الشباب على آخر مستجدات الشركات الناشئة في العالم، كل هذه الخطوات تفتح مجالا هاما للشركات الناشئة التي هي في صلب مشروع الكونفدرالية. الحكومة شرعت في تفعيل التجارة الحدودية، هل يوجد تنسيق وخطة عمل تشمل المتعاملين الاقتصاديين ؟ التجارة الحدودية مرهونة بفتح الحدود أولا، نعتبرها أحد الحلول للخروج من الأزمة، من حيث خلق الثروة وتعزيز فرص التصدير أكثر، لاسيما ما تعلق بتقليل كذلك فاتورة نقل السلع، فبدل أن نرسل حاوية لدولة افريقية عبر أوروبا يمكننا التصدير مباشرة عبر حدودنا، لذلك من المهم جدا تعزيز وتفعيل آليات هذا النوع من التجارة. من بين التدابير التي اتخذتها الحكومة مؤخرا لصالح المتعاملين الاقتصاديين الترخيص باستيراد المصانع المستعملة، ما تعليقكم على الخطوة ؟ نثمن القرار لأن العالم يسير اليوم في هذا الاتجاه، صحيح فيه نسبة من الخطر لكن يمكن ضبط آليات مراقبة فعلية، الشركات يمكن لها شراء شركات ومعدات مستعملة كما توجد مكاتب دولية تضم المطابقة والتأكد من صلاحية العتاد، يبقى ضرورة وجود تأطير صارم من قبل الجهات الوصية، لكن القرار في حد ذاته مهم جدا. أبرز مشاريعكم وأهدافكم على رأس الكونفدرالية ؟ الأولوية اليوم في الكونفدرالية الرجوع إلى السكة الاقتصادية الصحيحة، ولدينا كذلك مقترح الكتاب الأبيض الذي يخص اقتصاد البلاد سنصدره بعد أسابيع فقط، وهو عبارة عن مقترحات في مجملها تخص الصناعة التحويلية والفلاحة.. الخ، بهدف استكمال مسار العمل، كما سنركز على أن نبقى قوة اقتراح وشريك فعلي للسلطات العمومية ومرافقة الخطط الاقتصادية وإنجاحها خدمة لاقتصاد البلاد.