يكشف رئيس الكونفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين، سامي عقلي، في حواره مع "الخبر"، عن رؤية المنظمة للوضع الاقتصادي العام والحلول الاستعجالية للخروج من الأزمة، فيما يحذر من تبعات وتأثيرات بعض الممارسات الخانقة للاستثمار والمؤسسات، على غرار "إرهاب" البيروقراطية وغياب دور البنوك في مرافقة وتمويل النشاط الاقتصادي. كيف تقيّمون الوضع الاقتصادي الوطني في المرحلة الراهنة؟ الوضع الاقتصادي في الجزائر صعب، وهي حقيقة لا يمكن إخفاؤها بالنظر إلى جملة المعطيات التي صاحبت الأزمة الصحية وتعدتها إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية كذلك، تلت سنة بيضاء عانت من جرائها كل المؤسسات الاقتصادية بلا استثناء، قبل أن تحل أزمة كوفيد 19 في بداية السنة الجارية، وهي المؤشرات التي تجعل من وطأة الأزمة الحالية وتأثيراتها كبيرة، رغم النظرة التفاؤلية التي تعبر عنها توجهات الحكومة وقرارات رئيس الجمهورية لاتخاذ حل العراقيل الاقتصادية أحد أبرز أولويات الدولة في المرحلة الراهنة، غير أن الخطر الأكبر اليوم هو البيروقراطية والتماطل في تطبيق القرارات المتخذة.
وماذا عن وضع المؤسسة الجزائرية في ظل كل هذه الظروف؟ كل النسيج الاقتصادي وجميع الشركات تأثرت بالأزمة الحالية، تأتي في مقدمتها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى قطاعات، على غرار الخدمات والسياحة والنقل أيضا، لتفرض إصلاح الوضع القائم قبل التفكير في الاستثمار والمنافسة.
ما هي، في نظركم، أولويات الخروج من الأزمة وإنقاذ هذه المؤسسات؟ أعتقد أنه لا بد من الذهاب على مرحلتين، الأولى استعجالية من خلال مرافقة فورية للمؤسسات المتضررة بمجموعة من الآليات، كما هو الشأن بالنسبة لتجميد المستحقات المترتبة عليها، والتي بادرت بها الحكومة سابقا، على أن يتواصل العمل بها إلى غاية نهاية السنة على الأقل، إذ لا يعقل إلزام المؤسسات بتسديد الأعباء الجبائية، بينما تعاني هي صعوبات في تحقيق رقم الأعمال أو تسديد أجور العمال، فكل متعامل أمام خيارين؛ إما تسديد المستحقات أو دفع رواتب العمال، وبالتالي فإن الخيار الثاني هو الأولى بالموازاة مع دفع ديناميكية الاقتصاد. أما المرحلة الثانية؛ فهي تتعلق بالنظرة المتوسطة وبعيدة المدى، التي يمثلها الاقتصاد الجديد والجزائر الجديدة، من خلال التغييرات الجذرية ذات العلاقة بالرقمنة وتتبناها السلطات العمومية ومن أعلى هرمها، وكذا الإصلاح العام للمنظومة المالية والبنكية الوطنية ومرافقة المصارف لهذه التوجهات، والقضاء على العراقيل المرتبطة بالبيروقراطية ووضع نموذج اقتصادي مبني على المعايير الدولية التي لا يمكن للجزائر أن تكون خارجها اليوم، إلى جانب ضمان الاستقرار القانوني من أجل العمل على استعادة ثقة المتعاملين المحليين وجلب الاستثمارات الأجنبية.
في هذا المجال، ما دور البنوك والمؤسسات المالية؟ بالفعل، تطوير الاقتصاد مرهون بتحسين أداء البنوك وإصلاح المنظومة المصرفية، فلا يمكن تخيّل تنمية اقتصادية في ظل الضعف، فالاقتصاد في كل دول العالم ينجح إذا كانت هناك منظومة بنكية قوية ومتجاوبة مع حقيقة السوق المطلوبة اليوم، من خلال الاعتماد على الصيرفة الإسلامية مثلا، وتعميم الرقمنة في الخدمات، فللأسف البنوك الجزائرية الآن غائبة عن أداء هذا الدور، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى كل الإجراءات المتخذة في حق المسؤولين في السنوات القليلة الماضية، التي تجعل كل مسؤول الآن يعزف عن التوقيع خشية المساءلة القانونية.
وما هي مكانة البورصة في هذا المجال؟ نعم، كان من الممكن أن تتحول البورصة في الوقت الراهن إلى أحد حلول التمويل، ولكن البورصة هي ثقافة بالنسبة للمستثمر وللمواطن العادي على السواء، وهو الأمر غير الموجود في الجزائر، وبالتالي من الضروري زرع هذه الثقافة عن طريق الترويج أولا لمفهوم البورصة، إذ أن هناك متعاملين اقتصاديين يملكون سيولة مالية من الممكن استثمارها في هذا المجال، بالموازاة مع مرافقة الراغبين في دخول هذه السوق المالية وتسليط الضوء على التحفيزات المطروحة لتمويل المشاريع، ومن هذا المنطلق لا بد من دخول المؤسسات العمومية الكبرى سوق البورصة، وعلى رأسها سوناطراك والبنوك العمومية ومؤسسات الأدوية الكبيرة، وفتح المجال لغيرها من المؤسسات لتمويل مشاريعهم عبر البورصة.
اتخذت الحكومة مؤخرا عدة قرارات اقتصادية، سواء على مستوى مجلس الوزراء أو اجتماع الإنعاش الاقتصادي، كيف تقيّمون ذلك؟ نحيّي من موقعنا كممثلين للمتعاملين الاقتصاديين الوطنيين القرارات المتخذة من قبل السلطات العمومية، حيث ينعكس اهتمام الدولة بالقضية الاقتصادية وجعلها ملفا محوريا في إستراتيجية البلاد، باعتبارها الخطوة التي تبنتها جميع دول العالم في مسار تنميتها، وهي المطالب التي لطالما رفعها المتعاملون الاقتصاديون، لاسيما الاستقرار التنظيمي والقانوني، فتح باب المبادرة أمام جميع الشركات وتحرير قطاعات معينة من الاحتكار، على غرار النقل الجوي، وعدم التفريق بين القطاع العام والخاص، لتكون بمثابة رسائل استعادة الثقة بين المؤسسة والسلطة. يضاف إلى ذلك إعلان أعلى هرم السلطة على لسان رئيس الجمهورية عن محاربة البيروقراطية التي تنخر منظومة الاقتصاد الوطني، فمن غير المعقول اصطدام الراغبين في خلق الثروة عبر الاستثمار بإدارة غير منسجمة لا تستجيب للوضع القائم، تُماطل حتى في الرد على أبسط طلبات الموافقة على المشاريع أو الدراسات، التي تتواصل لأشهر بل لسنوات، وهو أمر خطير على مستقبل الاقتصاد الجزائري والمؤسسات الوطنية، فضلا عن الرسائل الأخرى كقرار تخصيص البنوك 1900 مليار لتغطية تمويل الاستثمار، فلا يوجد اقتصاد قوي بلا بنوك قوية، إذ تمثل جسم الإنسان بلا دم، إلى جانب القرارات الأخرى كتطوير أداء الصناعة التحويلية والاهتمام بقطاع الفلاحة، كونها النظرة الجديدة التي تعكس اقتصادا بعيدا عن منطق الريع وتقلبات بورصة البرميل والصفقات العمومية أيضا، التي لا تضمن مستقبل الأجيال القادمة.
لكن الإشكال عادة ما يكون في التطبيق الميداني للقرارات، ما رأيكم؟ هذا ما تحدثنا عنه آنفا وحذرنا مرارا من إرهاب الإدارة والبيروقراطية الخانقة للنشاط الاقتصادي، في جميع مجالاته ومستويات الإدارة كالبنوك، والمصالح المسؤولة عن التطبيق، لتكشف عن الخلل بين النظرة العامة للسلطة والهيئات في الميدان، لترجع هذه الأوقات الضائعة بثمن باهظ على المؤسسة والخزينة العمومية على السواء، وبالتالي لا بد من إصلاح وضع الإدارة عبر اتخاذ التدابير الضرورية لذلك.
في هذا الشأن، ما هو تأثير تجريم فعل التسيير؟ حقيقة، عدم تجريم فعل التسيير كان أحد الطلبات القديمة للمتعاملين والمنظمات الممثلة لهم، إذ من شأنه أن يضمن العمل في اطمئنان ودون الخشية من المساءلة بالنسبة للمسؤولين، الوارد ارتكابهم أخطاء تظل ضمن أخطاء التسيير، بدلا من الدفع بهم إلى ما وراء قضبان السجن، مع اتخاذ إجراءات المرافقة والمراقبة في حال ارتكاب الأفعال المعاقب عليها قانونا، ومن ثمة تحرير الإدارة والمسيرين من هذا القيد، لاسيما أن العديد من الملفات، بما فيها أبسط الوثائق، تبقى عالقة تنتظر مجرد توقيع من مسؤول.
من بين أكبر إشكالات الاقتصاد الجزائري السوق الموازية التي تضم كتلة نقدية ضخمة، ما هي نظرتكم لاسترجاع هذه الأموال؟ الاقتصاد الموازي في الجزائر يمثل ما يفوق 50 بالمائة من عموم الاقتصاد، فإذا كان الناتج الداخلي الخام يمثل ما بين 160 إلى 180 مليار دينار فإن نصيب السوق الموازية منه يفوق 80 مليار دينار، على الرغم من كون هذا الاقتصاد غير رسمي لا يمكن تقييمه بشكل دقيق، وتفرض السوق الموازية حلولا عملية قد تأخذ شكل تحفيزات جبائية حقيقية، تفاديا للمحاولات السابقة التي باء جميعها بالفشل، وإن تطلب الأمر اتخاذ رسالة قوية في هذا المجال من أعلى هرم السلطة، كتبني مثلا مادة في الدستور، الجاري تعديله، تنصص على حق هؤلاء الأشخاص، أو قوانين قوية تضمن هذه الحقوق. أما الحلول الأخرى، وأقصاها تغيير العملة، فهو صعب التطبيق، بينما يبقي على ثقافة من ألفوا العمل في الظل ودون تسديد أدنى المستحقات والأعباء، ومنه فاستعادة الثقة ومرافقة أرباب السوق السوداء، ولعل أحد الحلول يتمثل في الصيرفة الإسلامية واحترام عقيدة ومبادئ هؤلاء الأشخاص من خلال تعميم المعاملات المالية الإسلامية على جل البنوك الناشطة في الساحة، فترك الاقتصاد الموازي بهذا الشكل خطر داهم على الاقتصاد، يخلق منافسة غير شرعية بين المتعاملين، ويكبد الخزينة العمومية خسائر بالملايير.
من بين قرارات الحكومة أيضا، إنشاء ديوان وطني للعقار الصناعي في محاولة لتنظيم هذا الملف الثقيل، ما رأيكم في هذه الخطوة؟ لا بد أولا من التعامل بحسن نية مع هذه الخطوة، ولكن الخوف من خلق بيروقراطية جديدة عبر إنشاء هذه الهيئة، وتكرار التجارب والأخطاء السابقة حين مُنح تسيير العقار وتنظيمه إلى هيئات معينة، وبالتالي ينبغي اتخاذ الآليات للإسراع في حل أزمة العقار بعيدا عن التمييز بين المتعاملين الاقتصاديين، لاسيما أن الظرف الحالي تحيط به الأزمة من كل جوانبه، إذ أن هناك العديد من المشاريع جمدت بسبب مشكل العقار، وعليه لا بد من فتح مجال الحصول على الوعاء العقاري وإعادة النظر في تسعيرة استغلاله، مع التأكيد على منح عقارات مهيأة وفقا للمعايير المعمول بها، خلافا لما يتم عليه الأمر الآن على مستوى المناطق الصناعية التي تفتقد إلى أدنى المرافق الضرورية، كالماء والكهرباء والغاز، فالمتعامل الاقتصادي ليس مطالبا بتهيئة العقار، بل بتجسيد مشروعه.
على صعيد شكل منظمتكم، تم تغيير الاسم من منتدى رؤساء المؤسسات إلى الكونفدرالية الوطنية لأرباب العمل المواطنين، ما هي الأسباب والأهداف؟ منذ أكثر من سنة، كان لي شرف انتخابي على رأس منتدى رؤساء المؤسسات، وقد تكلمنا بكل صراحة مع الأعضاء لتبني مبدأ القطيعة مع كل الممارسات التي تسببت في تشويه صورة المنظمة، والقطيعة بدأت بشكل عملي على مدار الأشهر الماضية؛ عبر تبني مبدأ أن حزب المنظمة هو الوطن وسياستها الاقتصاد الوطني، والعمل لصالح الجميع وليس لحساب مجموعات أو لوبيات أو أشخاص، والتأكيد على أن الأغلبية الساحقة من أعضاء المنظمة نزهاء، لذلك فضلنا الانطلاق في الإجراءات العملية وليس في تغيير الاسم، لأن ذلك قد يكون بالنسبة للبعض استبدالا للشكل دون الجوهر، مع التأكيد على العمل الوطني والمواطني الذي تبنته المنظمة في اسمها الجديد بعد أن أكدت عليه ميدانيا، من خلال المبادرات التي قامت بها، لاسيما خلال الأزمة الحالية، على هذا الأساس كان لا بد من تغيير الاسم بطريقة رمزية لينسجم الشكل مع الجوهر.