يعتقد بعض من أوتوا نصيبا من العلوم الدينية أن التدين الحق وخدمة الإسلام واجتذاب الناس إليه والتأثير فيهم، يكون بتجريح الموالف المخالف وتبديعه وتفسيقه و....حتى لو كان هذا المخالف ممن يشهد له بالعلم والفضل من قبل من لا ترد شهاداتهم، كما يظن هؤلاء أن من حسن التدين تتبع ما يرونه زلات وقع فيها المخالف وكشف الستار عنها والرد عليها بما توافرت لديهم من أدلة ظنية في ثبوتها أو دلالاتها، ويوهمون الناس بأن ما يقولونه هو الحق الذي يجب اتباعه وغيره الباطل الذي يجب اجتنابه والإبتعاد عنه وعن أهله، والأدهى والأمر أن يكرس هؤلاء حياتهم أو جزءا كبيرا منها في هذا المضمار السرابي الذي لا ينتهي ولا يوصل إلى هدف يخدم الأمة في كينونتها وصيرورتها. والمحزن في هذا كله أن تنتشر هذه الظاهرة على منابر المساجد وكراسيها، وصفحات الجرائد وشاشات التلفزة وفضاءات الأنترنيت، فترى الناس شغوفين بتتبعها والحديث عنها والجدال حولها والخصومات الكلامية والجسدية عليها واكتساب العداوات بعدها، ثم بعد ذلك تجدهم يتساءلون كتساؤل هبنّقة: لماذا نحن ضعفاء وفي ذيل ترتيب الأمم؟ ولماذا تغلب علينا الأعداء؟ ولماذا نحن متفرقون ومشتتون؟ وما درى هؤلاء أن سبب هذا التخلف هو المعارك الوهمية التي أقحموا أنفسهم فيها بإيعازمن أطراف ظاهرة أو خفية لها مصلحة ومنفعة في صنع هذه الأوضاع والمعارك، كمصلحة بائع الأدياك المنذورة، وقصة هذا البائع باختصار، أنه شخص انتهازي سمع بأن عائلة قريبة لأحد جيرانه تسكن في مدينة مجاورة، وقد نذرت هذه العائلة أن ترسل إلى أقاربها كل الديكة التي سيفقص عنها البيض في تلك المرة، وذلك بعد أن تكبر الديكة وتصبح صالحة للذبح والأكل، فطلبت من هذا الشخص إن عزم على الذهاب إلى مدينته أن يخبرهم فيعطوه الديكة محل النذر ليأخذها إلى أصحابها الذين هم جيرانه في المدينة المجاورة، لكن صاحبنا ذهب إلى هناك والتقى بصاحب الشأن وأثناء تبادلهما أطراف الحديث أخبره أن الديكة في المدينة التي كان فيها تباع أرخس من هذه المدينة بمقدار النصف، ولما أقنعه بذلك أعطاه صاحبنا مبلغا من المال وطلب منه أن يشتري له عشرة ديكة، فأحضرها له بنصف المبلغ وقال له إن أردت المزيد منها أتيتك به لأن عدد الديكة المنذورة كان خمسة عشر ديكا، وبعد أشهر جاء هذا القريب لزيارة صاحبنا وأثناء الحديث سأله عن الديكة المنذورة التي أرسلوها إليه كهدية بواسطة جاره، فأبدى صاحبنا غرابة واندهاشا مما يقوله القريب، وأنه لم تصله أية ديكة منذورة بل اشتراها له الجار ''الطيب''! بنصف المبلغ الذي تباع به في هذه المدينة، لكن القريب أكد له أن تلك الديكة لم تكن موجهة للبيع بل كانت هدية نذرتها أمه لصاحبنا، وطلبوا من الجار ''الطيب''! أن يوصلها إليه وهنا اتضحت المسألة لصاحبنا المخدوع، وإلى هنا الأمر عادي ويمكن أن يقع هذا المقلب لأي منا ولكن الغريب أن الجار ''الطيب''! فاجأ القريبان في تلك اللحظة بصوت عال: ماذا تفعلان هناك وقد أريقت الدماء خلف الدار وقتل من قتل واحترق بيت الجيران و... فخرج القريبان بسرعة لكنهما لم يجدا شيئا وعادا إلى البيت ونسيا ما كانا يتحدثان عنه من موضوع الديكة، لأنهما شغلا بالحديث عن المعركة الوهمية التي أوقعهما فيها الجار ''الطيب''! الذي أخرج نفسه من هذه الورطة باختلاق هذه المعركة الوهمية. فهذه القصة على رمزيتها تعطينا تصورا عن حقيقة الصراع الدائر في أوساط شريحة واسعة من أبناء أمتنا الذين شغلوا أنفسهم بمعارك وهمية ألهتهم عن المعارك الحقيقية والأهداف الأساسية التي من أجلها خلقوا وأوجدوا في هذه الحياة، وفي هذا السياق سألت أحد أساتذتنا الأجلاء أيام الجامعة وحتى الآن عن رأيه في شخص يتخذ من إحدى الجرائد منبرا للرد والقدح فيمن يعتبرهم مخالفين له ويعتبرونه مخالفا لهم في بعض مسائل العقيدة، فقال لي بأنه لا يحبذ هذا الوضع ولا يشجعه، لأنه لا يخدم أمتنا، وأن هؤلاء سيجدون أنفسهم بعد عشرين سنة وقد قضوها في تتبع مواطن الخلاف التي لا تنتهي، في حين كان بإمكانهم أن يتحدثوا عن فضائل بعضهم ويحاولوا أن يجعلوا من بعضهم قيما مضافة لبعضهم فتنضاف تلك القيمة للأمة فيصغر الشرخ ويقل الخلاف وتقوى الأمة، فلم أجد بدا من موافقته الرأي خاصة وأنه حدثني عن تجربة عاشها عمل فيها بمبدأ الحديث عن فضائل الآخر والتعامل معه كقيمة مضافة وليس مهملة فوجد نفسه مقبولا عند ذلك الآخر ومحاطا به إحاطة التقدير والإحترام وقد صدق عز من قائل: ''ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك'' فكيف بنا لو كنا كلنا أفظاظا؟ موالف في الأصول العامة والمبادئ الكلية ومخالف في بعض الجزئيات والقضايا الفرعية الذرية هبنقة القيسي: رجل كان أحمق بني قيس بن ثعلبة كان يضرب به المثل في الحمق يقال للجمع القليل من هذا الطائر الداجن أدياك وللكثير منه ديوك وديكة