لقد انصب الاهتمام الشعبي في الجزائر هذه الأيام على الجدل المتعلق بتصريحات المسؤول الفرنسي الذي طلب عدم الكشف عن هويته والذي جاء على لسانه التأكيد على أن قضية اعتذار دولته للجزائر غير مطروحة إطلاقا لدى الجانب الفرنسي،ما يعني رفض فرنسا الاعتذار على ماضيها الاستعماري وجرائمها البشعة ويعتبر حكامها الاعتذار انتحارا لدولتهم، ما جعل العلاقات الجزائرية الفرنسية تعرف ما يشبه الاستفزاز الصبياني. إن ما تقوم به فرنسا الساركوزية ،من استهتار في التعامل مع الجزائر، يعيدنا إلى الحكمة الشعبية القائلة ''أن ذيل الفأر اللاعق المدهون بالعسل، يعود بعد لآي إلى شعره المقزز ورائحته الكريهة، ومظهره المنبوذ، وصورة أفعاله أكثر قبحا وضحالة''، الأمر الذي يزيدنا يقينا أن زمرة المشردين واللقطاء المنبوذين في المجتمع الأوربي الذين ألقت بهم أمواج الاستعمار الفرنسي في الجزائر عام 1830م في الجزائر وعاثوا فيها فسادا وجرما لم تتغير ولن تتغير جلدتهم رغم تغير الزمان وما شغلوه من مكان. إن تصريح المسؤول الفرنسي في عهد الرئيس ساركوزي لم يكن بالصدفة فنواب حزب ساركوزي هم واضعو قانون2005م الممجد للاستعمار في الجزائر، وتصريحات ساركوزي ذاته بسنة قبل انتخابه حين جعل العلاقة مع الجزائر الورقة الرابحة في حملة الانتخابية التي استهلها بالتصريحات التي أدلى بها لقناة الجزيرة، حصة زيارة خاصة، حين استصغر، وقلل من قدر ثورة التحرير الجزائرية، وقال عنها ''إنها من صنع المخابرات الفرنسية في عهد الجمهورية الرابعة''، ثم سعيه وتصعيد معارضته لما يسمى معاهدة الصداقة الفرنسية الجزائرية أثناء زيارته للجزائر العام 2005م، الصداقة ليست بحاجة إلى النقش على الرخام قالها، (وهو يزور مقبرة المسيحيين ويضع يده على رخام أحد القبور)؟ وأثناء حملته الانتخابية وعند الاحتفال بفوزه، صبت جميع تصريحاته في نفس السياق صراحة، فهل بعد هذا يصح الاعتقاد بتحول العدو إلى صديق ..؟؟؟. عندما تحدث-محمد الشرف عباس- وزير المجاهدين عن أصول الرئيس ساركوزي اليهودية عام 2007م، في رده على تصريحات ساركوزي الاستفزازية، أقام النظام الفرنسي الدنيا ولم يقعدها، بدعوى أن ذلك مساسا بالإنسانية ومعاداة للسامية، مدعين أن الجزائريين عنصريين متعصبين عرقيا، باكين العلاقات الثنائية بين البلدين، وبعد تسوية الأمر حينها أعلن ساركوزي مصرحا بأنه ذاهب إلى الجزائر زائرا لجلب الأموال... اليوم تعود الصور وبوجه أقبح، في فترة الإعداد لزيارة الرئيس الجزائري إلى فرنسا يأتي المسؤول الفرنسي معتزا باحتلال بلاده للجزائر وممجدا له في بهدلة تسوية بين المجرم والضحية، متجاهلا المحارق والإبادات والاغتصاب والنهب ومصادرات الأراضي والغابات وواحات النخيل وسهول المراعي وتمليكها للأوربيين المطرودين من المجتمع الأوربي من مجرمين ولصوص، أحفاد ''روبسبيير، ولازار، كارنو، وبيرتران بارير'' من مبدعي الإرهاب الدولي ممارسي القتل العشوائي لكل من يروا فيه مخالف لسيرتهم. جاءوا وشرعوا في إتلاف التراث وحرق الكتب والمكتبات وتحويل المساجد الى كنائس، ودوس الآثار والمقدسات، وتبديد المعالم الحضارية، وإهدار القدرات، كل ذلك تم على يدي جنرالات فرنسا (الديمقراطية). إن تصريحات المسؤول الفرنسي نابعة من إيديولوجية حزب ساركوزي ومبادئ فرنسا الاستعمارية، بل هو عرض لما تفكر فيه فرنسا منذ زمان وما تزال، وصورة من صور نكران جرائم فرنسا خلال 132سنة من الاحتلال، وأثناء سبع سنوات ونصف من حرب مدمرة ضد شعب يريد استعادة حريته جرده منها بالقوة، والجديد هو حديثه عن وجود مجرمين في الطرفين، تحديا لمشاعر الجزائريين، محاولا حشد ما استطاع من العبارات للتطاول وعدم الاعتراف، بالسلوك القبيح لأجداده المشردين وقادته المجرمين، ما هو العقل البشري الذي يقبل مساواة مجرم حرب سفاح غازي، بمجاهد في سبيل تحرير وطنه وتخليص أمته من كيد القتلة والمجرمين؟ ان المواجهات الفرنسية الجزائرية دارت على ارض الجزائر فعلا وهو ما يزيد الأمر وضوحا، وهزيمتهم وانسحابهم رغم الطغيان والدمار، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الاستعمار جريمة كبرى في حق الجزائر وأبنائها. إن عوامل انتصار الثورة الجزائرية على الجيوش الفرنسية ثالث قوة عسكرية عالميا، مدعومة بحلفائها الأطلسيين، هي دون شك عوامل متأتية أساسا عن روح التضحية العالية للشعب الجزائري، وحبه لوطنه وتمسكه بحريته ودينه وشخصيته العربية الإسلامية الجزائرية، ودليل قاطع على عبقريته ومقدار تفانيه و إخلاصه في الدفاع عن حرمته وكرامته ووطنه، وهي قناعة لم تقتصر على كونها أساسا نظريا فحسب، بل مرت فعلا بمرحلة تطبيق قصوى ولقيت قبولا واسعا بين أفراده. إن تصريحات المسؤول الفرنسي تمثل رأي حكومته دون شك خاصة وأنه من حاشية ساركوزي واقرب المقربين إليه، والجزائريون يدركون ذلك، وعازمون على صد مساعي قادة فرنسا الاستعمارية الرامية إلى تشويه الحقائق وقلب المفاهيم في محاولة تبييض صورة فرنسا الإجرامية، وقادرون على التصدي لكل ما يغضب شهداءنا الأبرار في مراقدهم، إننا لا ولن ننتظر اعتذار فرنسا للإيمان بقضيتنا. إنما حماية مقومات الأمة وصيانة استقلال الجزائر وتحصين التاريخ من مخلفات الاستعمار والمأجورين الجدد، يدعو إلى ضرورة عدم السكوت عما جرى، والرد الفوري على كل المستويات الرسمية الإدارية والحزبية، فلا وجود لمجتمع بدون سلطة تقود نحو تحقيق المطالب الأساسية، وانتظار الحقوق ومطلبنا الشرعي بعفوية مساس بأهم مبادئ ثورتنا التحريرية. وهناك سؤال كبير يطرح نفسه عند الحديث عن توتر العلاقات الجزائر الفرنسية، ''طقطقة بلا طحين''، سؤال تتمحور حوله كل الأسئلة هو: أي اعتذار ننتظر من فرنسا، أاعتذار عن الغزو؟ اعتذار عن المجازر، اعتذار عن النهب والتخريب والفساد؟ أاعتذار عن مخلفاتهم من زرع التعفن وسوء الأخلاق في بلادنا؟ ...