في الوقت الذي تحرّكت فيه فرنسا من خلال إعداد قوانين تمجّد ماضيها الاستعماري الأسود، في محاولة منها لتبييضه، لم يقف نواب الشعب مكتوفي الأيدي، وفي مبادرة برلمانية لاقت استحسان الأحزاب الوطنية وكذا الحركة الجمعوية والمجتمع المدني، اقترح البرلمانيون قانون يجرّم إرتكاب جرائم ضد الإنسانية المرتكبة من قبل المستعمر إبان الحقبة الاستعمارية، ولأن ال11 ديسمبر شاهد على احدى هذه الجرائم التي ترفض فرنسا الاعتذار عنها، فإن الفرصة مواتية للتمعّن في فحوى القانون المتضمن 13 مادة. وتكتسي مختلف المواد التي لا تندرج في خانة الرد على قانون 23 فيفري ,2003 الممجّد للإستعمار الفرنسي فقط، وإنما تأتي كخطوة هامة ملموسة في اتجاه دفع فرنسا إلى الاعتراف بأخطائها التي ستبقى في كل الأحوال وصمة عار، لا سيما وأنها لم تتوان في استعمال أبشع الأساليب، بما في ذلك تفجير قنابل نووية حتى بعد الاستقلال، وعلى هذا الأساس، ارتأى البرلمانيون إلى أن تحمل المادة الأولى من القانون تصنيف الجرائم المرتكبة في خانة جرائم ضد الإنسانية، أما المادة الثانية، فإنها توضح بأن الجرائم المترتبة عن الاستعمار كانت ترمي أساسا إلى تدمير الشعب الجزائري في كيانه وعرقه ودينه وثقافته وحضارته. ولأن الاستعمار الفرنسي الذي حاول طمس الهوية الجزائرية، عمد إلى انتهاج أبشع الجرائم والأساليب الوحشية، لاسيما خلال الحرب التحريرية التي انطلقت في الفاتح نوفمبر، فإن المادة الرابعة من القانون، تعتبر هذه الجرائم خرقا صارخا للسلامة الجسمانية والمعنوية للشعب الجزائري في مكوناته الدينية والثقافية من أجل إفقاده هويته وإبادة شخصيته، فيما تطرقت المادة الثالثة إلى أن هذه الجرائم تمتاز أساسا بإخضاع الشعب الجزائري عمدا لظروف حياة من شأنها أن تؤدي إلى التدمير المادي والمعنوي كليا أو جزئيا، وإخضاعه بذلك إلى العبودية. من جهتها، تؤكد المادة الموالية، بأنه وعلى اعتبار أن الجرائم المترتبة عن الاستعمار، إبادات جماعية، فإنها تصنّف في خانة جرائم ضد الإنسانية، فيما تضمن المادة السادسة الأفعال التي تخص الجرائم التي ارتكبها المستعمر والتي تخضع للعقوبات، واختصرتها في 12 نقطة تتعلق أساسا بالأعمال الوحشية والتجاوزات المرتكبة أثناء الاستعمار والحرائق وعمليات قصف القرى والغارات الهادفة إلى إبادة السكان المدنيين وكذا المجازر منها مجازر (8 ماي 1945) ومختلف الإبادات الجماعية وعمليات الاستئصال والنفي الجماعي إلى ''كاليدونيا الجديد'' (كيان)، وجزر أخرى، وترحيل السكان بالقوّة ووضعهم في المحتشدات والمراكز. وفي سياق ذكر الأفعال التي يعاقب عليها القانون المجرّم للمجازر والجرائم التي ارتكبتها فرنسا وترفض الاعتراف بها إلى غاية اليوم، تم إدراج العمليات العنصرية وما رافقها من عمليات انتقامية جماعية وكذا البعثات العقابية ومصادرة الأراضي وسلب الأموال المنقولة والعقارية والتعذيب والاغتصاب إلى جانب الأفعال البربرية والممارسات اللا إنسانية والتواطؤ في ارتكاب الجرائم والنيّة المبيّتة المباشرة والعلنية في ارتكاب هذه العمليات والمحاولة والمشاركة في إرتكابها. وجاءت المادة السابعة مكملة للمادة التي سبقتها، حيث تنص على معاقبة كل الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم خلال الفترة الاستعمارية واقترفوا الأفعال المحددة في المادة السابقة بصرف النظر عن كونهم حكام أو موظفون أو خواص، وتشترط المادة الموالية إحالة المسؤولين عن هذه الجرائم وشركائهم على المحاكم الجزائرية المختصة لمحاكمتهم حتى في حال وفاتهم، دون المساس بالحق في متابعتهم أمام المحاكم الدولية المخوّلة بالنظر في الجرائم ضد الإنسانية وكذا المحكمة الدائمة للشعوب. وحرصت المادة التاسعة على التوقيع بأنه ''مادامت كل الجرائم المترتبة عن الاستعمار، تعد جرائم ضد الإنسانية، وفق ما نصّت عليه المادة الخامسة، فإنها لا تسقط بالتقادم، كما أن القانون يؤكد في نفس السياق، الحق في التعويض عن الضرر المادي والمعنوي، على أن تقيّم الأضرار المتعلقة بجزاء الألم طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية الخاصة بالديّة، حسبما جاء في المادة العاشرة. ولأن القانون الذي بادر به نواب عن حركة النهضة، لم يهمل الجانب التاريخي وكتابته، فإن المادة 11 تنص على استحداث مكافأة تخصص لكل من يقوم ببحث تاريخي حول المرحلة الاستعمارية، على أن تمنح يوم 8 ماي من كل عام لكل مؤسسة أو معهد يسهر على إعداد بحوث تاريخية أو شخص يقوم به. فيما تخوّل المادة 12 لكل شخص يعتبر أنه ضحية لجرائم ارتكبها المستعمر، أن يطالب المحاكم المختصة إقليميا بالتعويض، فيما تنص المادة الأخيرة من القانون على ''الحق الشرعي في جبر الضرر المعنوي والمادي وحق غير قابل للتصرف فيه، ومقدس لا يمكن تصليحه إلا بندامة معلنا عنها رسميا أمام الملأ، من قبل الدول المستعمرة، وذلك باقتراحات صريحة تندّد فيها بصيغة قطعية الجرائم المترتبة عن الإستعمار. للإشارة، فإن القانون لقي استحسانا من قبل الطبقة السياسية والمجتمع المدني، لاسيما وأنه جاء في وقت تصرّ فيه الدولة الفرنسية على موقفها السلبي القاضي بعدم الاعتراف وعدم تقديم اعتذار رسمي.