طوّحت به إحدى لوحات الرسام الألماني ألبرشت دورير 1471/ 1528 إلى عوالم الحلم والمغامرة . وكما يجري في المنام راح يلبس ''هو'' زيا رماديا .. وأوكل إليه مهمة الحديث عن حياة ''إنسان'' المكان يوحي بغرفة فسيحة خالية .. لا باب لها ولا نوافذ.. وحده اللون الرمادي يؤثثها.. ويتكلم الشخص الرمادي في المكان الرمادي.. بصرامة باردة خالية من أي تأثير أو انفعال.. كأنه قارئ مأجور يقرأ بلا مبالاة قاسية مصائر العباد .. وقفة واحدة أمام لوحة بعينها عرضت ذات يوم في أحد متاحف برلين كانت كافية لتفجر فيه فكرة كتابة مسرحية ''حياة إنسان''.. لوحة زيتية معلقة أحالته على خشبة ركحية منبسطة.. انظروا اسمعوا يا من أتيتم إلى هنا طلبا للتسلية والضحك، ستمر أمامكم حياة إنسان كاملة ببدايتها المظلمة ونهايتها المظلمة.. هذا الذي لم يكن موجودا، هذا الدفين سرا في لا نهائية الزمن، هذا الذي لا يمكن أن يدركه أحد أو يشعر به أحد أو يعرفه أحد .. في ليل العدم تضيء فجأة شمعة تشعلها يد غير مرئية.. إنها حياة إنسان.. انظروا إلى لهبها.. إنها حياة إنسان بعد ولادته ستأخذ صورة الإنسان واسمه.. سيشبه غيره من بني الإنسان على سطح الأرض، سيكون مثلهم في كل شيء مصيرهم المرير يصبح مصيره سيمر حتما بكل مراحل الحياة الإنسانية.. مجذوبا بالزمن بشكل لا يقاوم.. سوف لن يعرف ما يحمله له المستقبل.. سيخضع لدائرة قدره تنهكه التوقعات وتبليه الآمال والأحلام والمخاوف.. ينخفض توهج الشمعة.. النار لا تتوقف عن التهام الشمع.. يصبح زوجا وأبا سعيدا والشمعة لا تتوقف عن الذوبان.. ولا ضوؤها يتوقف عن الخفوت.. كأنما اللهب المصفر يتغضن.. ولا يعرف الشمع شيئا غير الذوبان وها هو ذا شيخ هرم.. خمد وهج الحياة وحلت محله هوة سوداء.. كل ما فيه يقترب من الأرض يريد ملامسة التراب.. الآتي من الليل يعود إلى الليل.. هي لوحة واحدة انبثقت منها عدة لوحات.. خمس لوحات تتبع فيها ليونيد أندرييف وهو من أشهر كتاب القصة والمسرح الروسي حياة الإنسان منذ الولادة حتى الممات، وعالج فيها مراحل عيشه برؤية إنسانية عميقة تعكس هاجسه الإبداعي وبعده الفلسفي المثير.. فرغ من كتابة المسرحية المذكورة سنة 1906 ليتولى إخراجها سنة 1907 المخرج الروسي المعروف ''مير خولد'' وعرضت على مسرح كوميسارا جيفسكايا في بطرسبورج .. وعرضت بعدها في مسارح روسيا وترجمت إلى عدة لغات، وجالت مختلف المسارح في بلدان عديدة، وتعد من الأعمال الإبداعية التي عرفت ولازالت تعزف أروع نشيد لتخليص الإنسان من بؤسه ومعاناته، وجعله مؤهلا للأجمل والأبقى.