غالبا ما يتردد على مختلف المجالس الشعبية البلدية بولاية الجزائر العاصمة، أعداد هائلة من طالبي ومودعي ملفات الحصول على السكن، وأملهم في ذلك أن يتحقق حلمهم يوما في الحصول على مسكن يقيهم من الشتات والضياع، وعلى الرغم من أن مديرية السكن لولاية الجزائر وبالتنسيق مع وزارة السكن تتطلع إلى استلام ما يقارب ال19850 وحدة سكنية قبل نهاية السنة الجارية أغلبها عبارة عن سكنات ذات طابع عمومي إيجاري، أو بما يعرف بالسكن الاجتماعي بعدد يقدر ب8021 وحدة تليه سكنات البيع بالإيجار ب6013 وبعدها السكنات الاجتماعية التساهمية ب4591 ثم السكنات الترقوية ب1225 وحدة، إلا أن طلبات الحصول على المزيد من السكنات لا تزال تتهافت على المجالس البلدية للعاصمة، وكأنها لعنة خبيثة تلاحق الجميع، بسبب انتشار ظاهرة البيوت القصديرية من جهة وهشاشة السكانت القديمة من جهة ثانية. أزمة السكن شبح يستيقظ على وقعه سكان بلدية ''المقرية'' تشهد بلدية المقرية أو ما يعرف ب''ليفيي'' سابقا مشاكل جمة، ولم يكتب لها القدر بعد أن تتخطى عتبة مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية، كما لا يزال شبح أزمة السكن يطارد مختلف أحيائها المصنفة أغلبيتها في الخانة الحمراء بسبب هشاشتها، حتى أصبح الجميع يسميها بالبلدية المنكوبة، الأمر الذي يتطلب تدخل السلطات المحلية بشكل سريع لإخراج أعداد السكان الهائلة التي تقطن بهذه البلدية من المشاكل التي فاقت قدرتهم وحولت حياتهم إلى جحيم. ولقد تعمدنا من جهتنا القيام بجولة خاصة عبر أحياء بلدية ''المقرية'' للتقرب من مشاكل سكانها، حيث طرح هؤلاء المتضررون علينا مشاكلهم بقوة بسبب الوضعية التي آلت إليها بيوتهم وسط تلك الأحياء المنسية، في الوقت الذي يشكو فيه رئيس البلدية من غياب الحصص السكنية الكافية لإعادة إسكان جميع المتضررين، فضلا عن غياب العقار الذي يسمح للسلطات المحلية بإنجاز المزيد من السكنات. لهفة الترحيل الجامحة حلم سكان المقرية بات مشكل السكن الهاجس الحقيقي الذي يصبح ويمسي على وقعه يوميا سكان بلدية المقرية، هذه الأخيرة التي تعاني من قدم واهتراء عماراتها، خاصة وأن حل أزمة السكن بإمكانه اليوم أن يحل العديد من المشاكل الجانبية، كما أن تفاقم الأزمة قد يؤدي كذلك إلى المزيد من المشاكل أهمها العنوسة التي عرفت ارتفاعا ملحوظا، وكذا التسرب المدرسي، ناهيك عن الأمراض الصحية بسبب الكم الهائل وسط كل عائلة. ولأننا لم نتردد في قصد بعض العائلات التي استقبلتنا بفرحة معتقدة أننا أعوان من طرف مصالح البلدية لإحصائهم من أجل عملية الترحيل، استشفينا على وجوه الجميع تلك اللهفة باستقبال أنباء عن عمليات الترحيل، حيث بدت ملامح الرغبة في افتكاك سكن جديد بادية على وجوه جميع من استقبلونا وصار حلم الحصول على مسكن مطلبا يوميا يضني الجميع كذلك، وهذا بسبب معاناة ضيق السكنات التي يتخبطون فيها من جهة، ناهيك عن اهتراء هذه الأخيرة وقدمها مما صار يلمح بقرب انهيارها في أية لحظة، فضلا عن الرطوبة التي أصبحت تهدد صحة المواطنين وحولتهم إلى مرضى مصابين بالحساسية. تداول ''الأميار'' مسرحية يعيشها سكان بلدية المقرية أجمع جل سكان البلدية على أن السبب الرئيسي في تدهور أوضاعهم من مختلف الجوانب هم المنتخبون المحليون الذين يحظون بأصوات هؤلاء المتضررين الذين يعلقون آمالا كبيرة في الشخص الذي اختاروه ليحكمهم، ولكن لا حياة لمن تنادي، فمثلما تكون أوضاع البلدية عند انطلاق عهدة ''المير'' الجديد الذي اختاره السكان مثلما يجدها الذي يأتي من بعده لأن كل الوعود التي يسمعونها من طرف السابقين يعيدها عليهم اللاحقون، وما هشاشة بيوتهم إلا دليل على ذلك، فلم تقم إلى حد الآن أية عملية ترميم قد تريح سكان بعض الأحياء كحي ''لارماف'' وحي ''لاسيلا'' خاصة، والتي يعود تاريخ إنشائها إلى سنة ,1958 كما زاد ضيق السكنات عن حده، لاسيما وأن معظم العائلات التي تتكون من خمسة إلى سبعة أفراد تتخبط وسط غرفتين للنوم، بينما ''الميزيرية'' كما عبر عنها السكان تزيد حدة في فصل الصيف، حيث يشهد حي ''لارماف'' تجمعات من الشباب خارج البيوت لغاية الساعة الثانية أو الثالثة صباحا بسبب الضيق من جهة، وارتفاع درجة الحرارة من جهة ثانية. نفس السيناريو يعيشه سكان مختلف الأحياء المجاورة، وعلى غرارها حي ''المنظر الجميل'' أو ''المكسيك'' كما يسمونه، والذي يعتبر من أكبر الأحياء من حيث الكثافة السكانية، حيث تحول هذا الأخير وبمرور السنوات من حي عادي إلى حي قصديري تنامت حوله البيوت القصديرية كالفطريات من كل الجوانب، وبات مشكل السكن يهدد هؤلاء السكان مثل باقي سكان الأحياء المتبقية التي عرفت انتشار ظاهرة البيوت الفوضوية التي تسببت في مشاكل كثيرة، ناهيك عن اشتداد حالة اهتراء الطرقات التي تشبه طرقات القصبة إلى حد بعيد، حيث عبر لنا العم موسى أن تلك المداخل التي يعرفها حي ''المنظر الجميل'' ترجعه إلى سنوات الاستعمار وممرات القصبة العتيقة، غير أنه تأسف من حجم البنايات المتعالية بعدما قام السكان بمضاعفة الطوابق، متجاهلين الشكل العمراني للحي الذي أصبح مخنوقا لا تصله أشعة الشمس، الأمر الذي أدى إلى انتشار الرطوبة التي ساهمت في انتشار أمراض الربو والحساسية وسط الأبناء والمسنين. لعنة السكن عدوى تنتقل إلى بلدية باش جراح كذلك يبدو أن لعنة السكن لا تكف عن ملاحقة السكان من بلدية إلى أخرى، وهي اليوم تلاحق بلدية باش جراح التي انبثقت عن التقسيم الإداري عام ,1984 القديمة من حيث تشييدها الذي يعود إلى فترة الاستعمار، فإذا احتسبنا أن القاطنين في البيوت التي زرناها رغم حالها المتردي والكارثي، يقطنون بمناطق حضرية، فإن البلدية تختنق ب07 مواقع قصديرية تمخضت عن أزمة خانقة للسكن، هي أحياء ''بن بولعيد''، ''وادي أوشايح''، ''رابح قدوري'' و''مزرعة جاييس قسبار'' '' دي بروني''، حي ''مايا'' وأخيرا حي ''الخروبة''، حيث يتوزع بها 504 كوخ حسب إحصائيات مصالح العمران بالبلدية، وأكبرها حي ''بن بولعيد ''القصديري الذي يضم 126 عائلة يليه مزرعة ''جايس'' وحي'' وادي أوشايح'' بأكثر من 100 كوخ قصديري. وقد اخترنا في جولتنا الاستطلاعية حي'' مايا'' كموقع نستقي منه حالة الأحياء القصديرية بهذه البلدية، فكان لنا أن نلتقي بممثل الحي الذي استرسل في سرد حال هذا الحي الذي لا يختلف عن أمثاله من الأحياء القصديرية المعروفة بتردي الأوضاع المعيشية من خلال حال السكنات الطوبية وغياب الخدمات الضرورية كالماء والكهرباء وقنوات الصرف الصحي، غير أن ما اطلعنا عليه هو أن حيهم الذي يضم 39 عائلة، لم تشمله أي تهيئة فيما عدا التزود بالمياه الصالحة للشرب ضمن برنامج الرئيس في التكفل بالأحياء القصديرية، وأبسط دليل على ذلك هو عبءالدخول أو الخروج من الحي الذي يفتقر إلى مسلك واضح ومهيأ، حيث يضطر قاطنوه إلى تسلق تلة مرتفعة للوصول إلى الطريق الرئيسي. ..وشباب تائه بين البطالة والعزوبية من الطبيعي أن يحدث مشكل السكن ضغطا كبيرا في نفوس السكان ويتسبب في انتشار الأمراض المختلفة، الوضع الذي يعيشه سكان مختلف أحياء البلديات الموجودة على مستوى العاصمة وبالتالي يعكس مشاكله بصورة سلبية تعود على الشباب ومستقبلهم بالسلب بالتأكيد. وحسب تصريح سامية والي مختصة في علم النفس فإنها أكدت لنا أن مشكل السكن من أهم الأسباب التي تنتج أشخاصا مريضين نفسيا ومتخلفين في جميع الميادين، لأن الشخص الذي لا يجد الراحة في بيته إضافة إلى الضغوطات التي يتلقاها في الشارع، سيتحول بالتأكيد إلى شخص عنيف، لدرجة أصبح المواطن الجزائري يعزف عن الزواج لانعدام البيت الذي يعتبر حقا من حقوقه الطبيعية، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة العزوبة وسط الأحياء الشعبية. من جهتهم أعرب شباب هذه الأحياء عن أمنياتهم في الحصول على وظائف عمل مستقرة بفضل بعض المؤسسات الكائنة بإقليم البلدية، كالمؤسسات الاقتصادية الكبرى أو شركات بيع السيارات فضلا عن بعض المؤسسات التربوية والتعليمية كجامعة الخروبة، التي من المفترض أن ينالوا نصيب العمل بها ليحميهم من الضياع والشتات على الأقل كأعوان أمن أو مساعدين أو حتى عمال نظافة، الأمر الذي دفعهم إلى الاستنجاد بالسلطات المحلية المسؤول الأول والأخير عن هذه الوضعية.