نادى البحر.. نادى البحر سأله لماذا الرمل تمدد عبر الشاطئ.. لماذا يخافك قحط الأرض.. عرف البحر صوت ميهوبي.. طرب لشعره ورقص لكلماته.. انتشى حتى فاض موجه.. وميهوبي يركض شعرا.. يلاحق نشوته وينادي.. ينادي الأشياء يسألها: أين يقيم القمر المكلوم؟.. المنكسر الأضواء؟.. يبهره صمت الكون.. يفتنه حزن العائد من منفاه.. يجري.. يسبقه لمعانقة خضرة أرض نباتها قحط و.. قحط .. لونها قحط .. ونفط .. وخمر .. وبحر .. تغلبه الحيرة ويسكنه السؤال .. فينفخ قلمه على جبين الأرض، وبكف واحدة يمسح على صدر الكلمات.. ويخامره السفر.. بعد أن أيقن أن القلب يذوب صمتا .. ويذوي كلاما.. سيسافر وسيصبح جرحه نافلة للجرح.. سيحرر كل مواجع هذا الكون.. سيعري الأيام ويكتشف بقايا الأسطورة.. وسيعرف متى ستنفتح أفواه الصمت للبوح بسر الكون.. وما تحمله الأبراج المخمورة.. وما تقترفه الأحلام.. لا تقلق قالت له العرافة ذات حزن .. ستظل تسافر في المطلق وتعود من الزمن المغلق .. ألا ترى هذه المدن المنسية؟ وكل هذا الوجوه؟ وطول هذا الدرب؟ ستكون الأول وستفتح عاصمة الغيلان.. فرح.. وضع كلماته جانبا وصارحها: جئتك هاربا من البحر المفجوع.. دليني عن وجهة سفري.. وكيف أمدد عمري.. أريد بقية عمر وأشياء أخرى غير هذه العباءة وغير هذه الأشياء.. بل اكتفي بالعمر.. أريد العمر.. ولا أسال عن الأشياء .. تناهى إلى الرمل ما دار بينهما من كلام .. فتشبث بالنخلة خلف الليل الناسك ينتظر الآذان .. يفكر عز الدين ميهوبي أن يكتب شيئا وأشياء أكبر مما كتب.. ومما اعتصر من الحرف.. ها القصيدة سيكتبها بالحرف المنزه عن العرش.. سيشتغل بالبحث عن اللغة المستحيلة .. الخيمة في الانتظار والطبول تدق فيما كان الشاعر يجمع وجهه وسنينه المهشمة.. سيدق الطبول.. سيفتح عينين ويغمض ثالثة .. سيتداعى على دقات الصمت.. ويضم إلى صدره كفا وسفرا وعمرا تهشم.. لم يبق منه سوى لحظتين وحاجب . عن نص ''النخلة المجداف"