انتشرت ظاهرة الازدحام في هذا العصر وفي هذا الشهر خاصة بشكل كبير وخاصة في المدن، فتجدها في الحفلات الموسيقية والأعراس، وملاعب كرة القدم، ودور المساريح، والقطارات والأتوبيسات والازدحام المروري، والأسواق.. الخ الازدحام منظومة ليس لها هيكل ثابت أو متوقع، فيتكون لدى المتزاحمين نوع الطواعية لقبول مقترحات الآخرين، وخاصية انتقال الآراء والأفكار أو ما يمكن أن يطلق عليها ''العدوى الجماعية'' ترتبط بالشعور ''بالمجهولية'' و''الطواعية'' وتعريف العدوى الجماعية بأنها ''تكبير العلاقات الاجتماعية المتداخلة في الازدحام''. فالأفراد في ظل الازدحام يتكون لديهم شعور بالمجهولية، والاستجابة السريعة لمقترحات الآخرين، وانتقال الآراء بسرعة والقابلية الشديدة للاستشارة. الازدحام يجلب الضوضاء والصخب وبالتالي يؤثر على الهدوء ويمحوه ليحل محله الضوضاء والعصبية وعدم الاتزان. ولنأخذ الأسواق الشعبية كمثال على الازدحام الدائم واليومي التي تعج بالناس من بداية اليوم إلى الزوال، والكل يتسابقون ويتزاحمون ويتدافعون ويتكاثرون ويضايقون بعضهم البعض في مكان، لا يسع هذا الكم الهائل من البشر.. معتقدين أن الازدحام والاكتظاظ يرمز لحركية السوق وحيويته، والتجارة فيه، ورضى الناس عنه، والاقبال عليه، وقوة الجاذبية التي يتلحى بها، فهو ملازم لحياة الناس، ورمز حرية الاختيار والذوق العام، وتوفير النادر والمفقود، والمغري، والفرص التي يجب أن لا تفوت.. فالناس تتبع بعضها البعض وتريد أن ترى محتويات المشتريات التي يشتريها غيرهم.. وكيفية التسوق، والبيع والشراء والأسعار والجو العام للسوق.. ودقائق الاختيارات والمشتريات والاحتياجات الخ. فرواد الأسواق أصبحوا لا يستطيعون الصبر عن زيارتها ولو مرتين في الأسبوع أو ثلاثة.. فهو إدمان حقيقي لا مفر منه.. والكل يفتخر بأنه؟؟؟ وزبون دائم مخلص من سوق كذا.. وفي رمضان يقصد هواة الازدحام أسواق الخضر والفواكه ليس للشراء فقط وإنما لملاحظة الناس، ومعاينة الأذواق، ومعرفة أسرار المطابخ العائلية في المحيط الاجتماعي، ونوعية المشتريات، وأسرار انفلات الشهوات الرمضانية، وردود الفعل الناتجة عنها. فالأسواق المنظمة والقليلة الرواد لا يقبل عليها الناس، ويعتبرونها ناقصة ''موفمون'' ويشكون في مصداقيتها ونوعية بضاعتها.. - سوق بلا غبار ماهو سوق- جار أحد الأسواق الشعبية فكر في بيع داره للأسباب التالية: 1 - صعوبة التحرك والوصول إلى منزله نتيجة الازدحام المروري.. 2 - يجلب السوق لنا أناسا نحن في غنى عنهم، كالسارقين والمحتالين الخ 3 - كثرة الأوساخ، وقلة النظافة، وغلق المراحيض العمومية. 4 - حرمانه من استعمال سيارته بحرية وفي الأوقات التي يريدها.. يبحث عن سيارة قابلة للطي لمواجهة الازدحام. 5 - السوق غير منظم ويعيش فوضى ومشكلة مزمنة وخاصة الأسواق الشعبية. 6 - الازدحام والتلاعب بالأسعار والغش، وغياب المراقبة في المنافسات الدينية والوطنية. 7 - فساد خارطة الطريق الخاصة بالمشتربات والاحتياجات العائلية.. 8 - مبالغة في الاستهلاك والتبذير وعجز تام في كبح الرغبات والشهوات، وكل إصلاح يقابل بالرفض، والتهرب من المسؤولية. 9 - المدخول أصبح غير كاف، والحلول غائبة وغير موجودة، وبعيدة، ولا حل في الأفق سوى الرحيل من هذا الحي. أما الازدحام في الحافلات فحدث ولا حرج، تجد الركاب ملتصقين كالسردين ببعضهم البعض، ويتمنون أن لا تطيل الحافلة في المحطة، والوصول بسرعة للخروج من هذا المأزق المقلق والمنفر والمحطم للأعصاب، لأن كل واحد من هؤلاء الركاب ضيع فضاءه والمسافة الخاصة به، فهو الآن في الحافلة يعاني الغزو واحتلال المساحة والفضاء التابع له.. فلا يستطيع التحدث، ويتفادى الاتصال العيني، ويحافظ على وجه لا معبر، لا ينم عن مشاعره.. ويسد أنفه، ويتجاهل الاحتكاك الجسدي.. بقدر ما يكبر الازدحام، تقل حركة الجسد المسموح له أن يقوم بها. - عجيب هو أمر الناس، يخلقون المشاكل من لا شيء ثم يتذمرون من كثرة المشاكل. - أصبحت ظاهرة الازدحام المروري من أخطر المشكلات التي تعصف بالمجتمع الجزائري ومن أهم الظواهر التي ترهق الجميع ويتمنوا التخلص منها في أقرب وقت. وهذه أهم السلبيات: - اهدار الوقت وصعوبة الالتزام بالمواعيد، بالاضافة إلى التدهور السلوكي الذي يتمثل في صور كثيرة كالصعود بالسيارة على الأرصفة، والتجاوز من اليمين والسير بالاتجاه المعاكس مما يعرض حياة الآخرين للخطر. - يرى بعض الخبراء أن ازدياد الكثافة السكانية وبقاء شبكة الطرقات والجسور على حالها من دون تطوير لاستيعاب المتغيرات المتوقعة من جراء هذه الزيادة لا بد وأن تؤدي إلى ظهور الكثيرمن المشكلات وأولها مشكلة الازدحام المروري. - وهناك رأي يصب في خانة السبب الرئيسي هو تمركز الإدارات والوزارات الحكومية في العاصمة وفي أحياء معينة، وما نتج عن ذلك من ازدحام شديد للسيارات حولها، رغم بناء حظائر عامة للسيارات، فالمواطن مجبر على الخروج باكرا والبحث عن مكان لسيارته قبل السابعة صباحا وإلا يعود من حيث أتى بمعنويات هابطة مع بداية يوم العمل.. الازدحام المروري.. مشكلة تبحث عن حل هناك عزة اقتراحات ولكنها غير كافية، منها على سبيل المثال تنظيم مرور الشاحنات في أوقات معينة، وزيادة رسوم التأمين على أصحاب الحوادث وكثيري المخالفات وإعادة برمجة أوقات الدوام الرسمي بالمؤسسة الحكومية والمدارس. تنشيط النقل الجماعي، والتفكير الجاد في التغيير الروتيني اليومي للمدن الكبيرة. ورغم وجود مشاريع كثيرة، فليس من المتوقع أن تنتهي مشكلة الازدحام والسير تماما. يقول أحد خبراء أمن الطرقات: ''في بعض الأحيان، لا يمكن حل المشاكل بواسطة حلول نظرية بعيدة عن الواقع ومشكلة السير، فعدد السيارات الموجودة والتي تدور في المدن أكبر بكثير من استيعاب شبكة الطرق ومستعملوا الطرقات يتهربون من تحمل جزء من المسؤولية وكأن الأمر لا يعنيها.. وفي الأخير هناك مساعي لمشاركة المواطنين والمثقفين لإنشاء جائزة لحل الازدحام المروري، باقتراحات عملية مناسبة وصالحة للتطبيق.. - قد لا تستطيع أن تغير العالم الذي تراه من حولك، ولكنك على الأقل تستطيع أن تغير الطريقة التي ترى بها نفسك. فمتى تختفي هذه الظواهر التي أضرت وشوهت جمال الوطن وهذه القارة؟ الكاتب: نوار محمد