وفيما يتعلق بالتحفيز النفسي و الروحي جعلها الله تعالى أفضل من ألف شهر لمن أدركها ، وهذه أكبر جائزة تحفيزية تنضاف إلى الجوائز التحفيزية التي خصصها عز وجل لعباده لأنه يعلم قصورهم وعجزهم عن عبادته على أكمل وجه ، فالإنسان حتى وإن عاش ألف شهر لايمكنه بأي حال من الأحوال أن يعبد الله على أحسن صورة لعدة أسباب سوف نبرهن عليها رياضيا ونفسيا وبيولوجيا ، فإذا افترضنا إنسانا عاش ألف شهر أي 38سنة و4أشهر فإنه مقصر في العبادة لأنه خاضع لحتميات بيولوجية كالنوم مثلا. فاليوم يتضمن 42ساعة قابلة للاختزال بنسبة الثلث أي أن الإنسان سينام 8ساعات كمعدل متوسط في حياته كل يوم وهذه النسبة تمثل الثلث وبالتالي إذا اختزلنا الثلث من 38سنة و 4أشهر سيتبقى 55سنة و 6أشهر ثم نختزل هذه السنوات لاحتساب سنوات الرضاعة والطفولة إلى حدود سنة البلوغ أي سنة التكليف أي بمعدل 21سنة إما أن تزيد أو تنقص حسب المتغيرات الوراثية والبيئية فيتبقى لدينا 34سنة و6أشهر ثم نحتسب أوقات الأكل و الشرب و قضاء الحاجة سنجد النسبة تتناقص شيئا فشيئا ، هذا إن افترضنا أن النسبة المتبقاة خاضعة للعبادة دون استحمام مع العلم أن الإسلام يدعو للنظافة وبالتالي فالوقت المستقطع ينضاف لعملية الاختزال هذا إن لم يصبه مرض يثنيه عن العبادة بدون سرقة أو زنا أو كذب أو غش أو غض البصر ولا نميمة ولاغيبة ولاظلم ولاتذمر ولاتعب ولاملل ولا حتى مجرد سنة بل كل مايشغله العبادة و الصدقة والزكاة والصوم ... ومن أين له بالمال ليتصدق به وهو يتعبد طوال الوقت؟ أظننا اقتربنا قليلا من عبارة '' وماأدراك '' ومن عبارة '' خير من ألف شهر '' ... هناك الكثير مايقال ويكتب لكنني لم أشأ إطالة التحليل لأترك القارىء بقية البحث وليقف وقفة تأملية فلسفية لهذه الليلة المباركة ، لكن يجب أن نعلم أن إدراك هذه الليلة تستدعي ربط السابق من حياتنا مع اللاحق منها ، وأن نستوعب مشروعية التحفيز النفسي والروحي الذي يهبه الله عز وجل لإدراكه عجز عباده الضعفاء . فضل ليلة القدر يقول العلماء : إن لله خواص ، في الأماكن والأزمان والأشخاص : فمن خواص الأماكن مثلا : مكة والمدينة . ومن خواص الزمان مثلا : شهر رمضان ، وليلة القدر منه . ومن خواص الأشخاص مثلا : الأنبياء والمرسلون عليهم الصلوات والسلام . وفي هذه المقالة نذكًّر بفضائل ليلة القدر التي اختصها الله سبحانه من عموم الزمان بمزيد الفضل والبركة ، ملخصين مظاهر فضلها فيما يلي : 1 - سمى الله سبحانه هذه الليلة الشريفة بليلة القدر تنويها بشرفها وإشارة إلى أوجهه وأسبابه . 2 - أنها الليلة التي أنزل الله سبحانه القرآن فيها : وهو قوله سبحانه :''إنا أنزلناه في ليلة القدر''. ومن ثم فهي أشرف ليلة ، نزل فيها أشرف كتاب ، لأشرف نبي ، في أشرف أمة . 3 - أنها ليلة نص الله سبحانه على أنها مباركة : وذلك قوله تبارك وتعالى :''إنا أنزلناه في ليلة مباركة''. 4 - أنها ليلة فضلت العبادة فيها على غيرها في الأجر والمثوبة : لقوله سبحانه :''ليلة القدر خير من ألف شهر''. 5 - أنها ليلة تتنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة . قال تعالى :''تنزل الملائكة والروح فيها ..''والروح هو جبريل عليه السلام . 6 - أنها ليلة السلام : لقوله تعالى :''سلام هي حتى مطلع الفجر''والسلام هنا على ثلاثة معان : أحدها : السلامة من كل العذاب والشر ، فلا يحدث فيها حدث ، ولا يرسل فيها شيطان . والثاني : الخير والبركة . والثالث : سلام الملائكة على المؤمنين : حيث تسلم الملائكة عليهم في هذه الليلة الشريفة إلى مطلع الفجر . وقد رجح ابن العربي المالكي حمل لفظ السلام في تلك الآية الكريمة على هذه المعاني الثلاثة كلها : اعتبارا بأن النكرة في سياق الإثبات تفيد العموم إن كانت مصدرا أو كانت تحتمل جميع ما تدل عليه من المعاني ، كما في لفظ ( سلام ) هنا . 7 - أنها ليلة يغفر ما سلف من الذنب لمن قامها محتسبا أجره على الله سبحانه . ونظرا لعظم هذه الليلة المباركة ومزيد شرفها ، فإن من ضيعة الأعمار وإهدار الأوقات ، أن لا يشمر العبد فيها للطاعة والعبادة : طلبا لعظيم ثواب ذلك فيها ، وتحصيلا لمغانمها الكثيرة ، وثمراتها الثرّة . بل إن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي ، وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قام بالصحابة رضي الله عنهم ليلة ثلاث وعشرين ، وخمس وعشرين ، وسبع وعشرين ، ولكنه دعا أهله ونساءه للقيام ليلة سبع وعشرين خاصة''وهذا - كما قال الحافظ ابن رجب الحنبلي - يدل على أنه يتأكد إيقاظ الأهل في آكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر . وقد كان الإمام سفيان الثوري يقول :''أحبُّ إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يَتهجَّد بالليل ، ويَجتهد فيه ، يُنهضَ أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك''. وكان رضي الله عنه يقول في ليلة القدر :''الدعاء في تلك الليلة أحب إلي من الصلاة''. ومراده أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا دعاء فيها ، وإلا فلا شك أن الأحسن أن يجعل دعاءه في صلاته . د. عارف حسونة / كلية الشريعة - الجامعة الاردنية