من المواد الدسمة واللذيذة لدى وسائل الإعلام عندنا سواء المكتوبة أو المسموعة والمرئية، هي تلك الأخبار المتعلقة بالمغامرات التي تخوضها مجاميع من الشباب الجزائري في شكل أمواج تتحدى أمواج البحار، لخوض غمار الهجرة والقمار''الرجس'' فقط لسلك طريق الانتحار من أجل هجرة البلاد وليس الهجرة إلى البلدان الأخرى، لأنه وإذا ما سألت شابا من هؤلاء الشباب المقامرين عن سبب رغبته في الهجرة. لا يقول لك إنه يريد الهجرة لأجل العيش الرغيد بل يقول لك لأجل الهروب من هذه البلاد وواقعها الطارئ، بعد أن ابتلت بأمراض مزمنة نهشتها ونخرت عظامها فأقعدتها ولم تعيش ربيعها وهي الحسناء معشوقة الجميع وحبها يسري في العروق، عروق نزفت دماء ذات يوم دفاعا عن عذرية الحسناء التي اغتصبت اليوم من طرف المحارم، لكن مهما يكن سيظل حب هذه البلاد خالدا عند عشاقها الشرفاء ولن تتحول تلك الدماء إلى ماء مهما كان الحال الذي لا يدوم في كل الأحوال، ولن يكون ذلك صدفة، ومن الصدف الطريفة التي لا مفارقه فيها أنه في اللحظة التي كنت أكتب فيها مقالي هذا من داخل أحد مقاهي الأنترنت، كان يجلس بجواري ''زوج'' رجل وامرأة منكبين على ملء استمارة ونسخ بعض الوثائق، وقد علمت من الرجل أنه حصل منذ يومين على تأشيرة للهجرة إلى كندا من مصالح القنصلية الكندية بالجارة تونس، وهو رجل ميسور الحال زوجته طبيبة له ثلاثة أطفال أكبرهم يزاول دراسته بالمتوسطة أي أن له المال والبنون مكامن الحياة السعيدة، كل ذلك إلا أنه فضل ''الهروب ''لا ''الهجرة'' ولا ''الحرقة'' هكذا يجب أن نفهم هذه الظاهرة الخطيرة ولا أعتقد أن في واقعة الرجل أي لغز وسنأتي على ما يفند اعتقادنا إذ سنذيل هذا المقال ما يدعم ذلك، وقد يعطي التفسير القليل لما وضعه لنا الرجل بين قوسين خلال حديثنا معه عن ذلك المنظر أو الحالة المؤثرة التي صادفها بمصالح القنصلية الكندية بتونس، وهي حصول مجموعة من الشباب الجزائريين على التأشيرة إلى كندا، لكن المؤسف في ذلك كما قال لنا الرجل إنهم كانوا من خيرة شباب الجزائر من حيث العلم إذ كان معظمهم حاملين لشهادات عليا وهم في عز الشباب، حرام أن يهاجروا البلاد في غفلة منا وهي تئن في فراش المرض، رغم أن الهجرة سنة من سنن الرسول كما قال لنا محدثنا مازحا وإن كانت في الحقيقة هروبا، وهروب من خطر مثل ما جاء في الهجرة النبوية وأسبابها الرئيسية وإن كثرت فهي ''شدة الأذى والاضطهاد الذي كان يتعرض له الرسول (ص) هذا ما علق عليه صاحبنا حول الظاهرة ويبدو أنه يفهم أسباب هروب الشباب ومتفهم للظاهرة. لكن ما لا نفهمه نحن وقد لا نتفهمه هو ظاهرة أخرى، أو ذلك المرض الذي أصاب السلك الدبلوماسي عندنا وترك لنا حزمة من التساؤلات، إذ ومن أعراضه يبدو أنه ''هروب''و''هجرة''و''حرقة''، ما يعني أنه مرض خطير وأعني به تلك المجاميع الأخرى أو أمواج الشخصيات السياسية الكبيرة التي أصبحت تتسابق بل وتتناحر فيما بينها ليس بوخز الإبر لأجل الظفر بمنصب دبلوماسي بدرجة قنصل أو سفير للجزائر بالخارج، بل بلغ ذلك التسابق حد التهديد والوعيد والمقاطعة السياسية وحتى الشخصية ما سبب حرجا كبيرا للسطات. لقد سمعنا الكثير خلال الحركة الأخيرة التي مست هذا القطاع، وإن ما شد انتباهي وانتباه غيري من المواطنين العاديين وجعلنا نبحث عن سر تعلق وتشبث هذه الشخصيات ودخولها في معارك ضارية لأجل الظفر بهذه الرتبة التي كنا نعتقد أنها ''رتب ما بعد التقاعد'' وبغض النظر عن تلك الحرب، هو رفض بعض الشخصيات المهمة لمناصب هامة في الدولة مثل منصب مستشار بالرئاسة أو وزير، وفضلت هذه الشخصيات التمسك والمطالبة بمنصب سفير أو قنصل فكانت تلك بالنسبة لنا الحجة الدامغة ودليل إثبات على أن''في الأمر إن'' وبقليل من الفضول ورغم شح معلومات الحضيض عن الأوج قمنا بعدة محاولات نستفسر عن السر أو بالأحرى عن هذا ''المنصب الصعب'' فتنقلنا إلى شعاب مكة وحصلنا على معلومات من أهلها، أكدت لنا أن السر قد يكمن في رغبة التمتع والذرية الصالحة ''الحياة الدنيا'' بالراحة والابتعاد عن فوضى الحضيض وفي ذلك أيضا عمرة وحج أكبر والحج الأكبر في الإسلام هو ''يوم العيد وسمي بالحج الأكبر لأن فيه كثير من شعائر الحج فيه الرمي وفيه النحر وفيه الحلق وفيه الطواف وفيه السعي'' كذلك علمنا من أهل مكة أن راتب السفير الجزائري لا يقل عن خمسة عشر ألف دولار أي ما يقارب مائة وخمسة مليون سنتيم جزائري!!! غير ذلك للسفير كل الصلاحية في ترتيب الصفقات التجارية بين بلده والبلاد المعتمد لديها، زيادة على توسيع علاقاته الشخصية ومعارفه وكسب الصداقات، كما علمنا وسمعنا من خلال وسائل إعلامنا أن هناك الكثير من السفراء رفضوا العودة إلى البلاد بعد انتهاء مهامهم أو رفضوا من الأساس إنهاء مهامهم، فهم يفقهون ويفهمون في كل شيء إلا التقاعد الذي يعد مساسا بالشرف يموت عليه ''علي واقفا''، وحتى التنقلات إن صح التعبير ويصر قاسي على ''الموت في مكانه'' على أن لا يغادره إلى مكان آخر إلا إذا لم يقل شأنه عن مكان ''قاسي الذي نزل عليه'' ذلك ما يجعله ''حراقا فوق العادة '' غير مفوض وبكل الصلاحيات وهذا هو ذيل المقال الذي أشرت إليه أعلاه!!!!!، إلى هنا أتوقف لأني لا استطيع ولا أريد أن أبدي أي رأي حول هذا المرض الخطير الذي قد يعجز كبار الأطباء عن وصف إنتاج مصل مضاد له وما أردته في مقالي هذا هو الإشارة إليها بقليل من الحذر وتركت مجال التعليق وإبداء الرأي فقط للقارئ ولو كان من وراء البحر.