السبب الأول من هذه الأسباب التي لم يتم الإعلان عنها صراحة هو أن سلطة الاحتلال الأمريكية سوف تقيم قواعد عسكرية واستخباراتية على أرض العراق وعندما يتم إنشاء هذه القواعد فإن إقامة حكومة موالية لأمريكا يعتبر أمراً ضرورياً للمحافظة على هذه المنشآت وتقديم التسهيلات اللازمة. إن الولاياتالمتحدة حالياً تستخدم أربع قواعد هي: مطار بغداد الدولي، الطليل جنوب العراق قرب الناصرية، مهبط الطائرات H-1 في المنطقة الغربية، ومطار باشور في المنطقة الكردية. وتسمح هذه القواعد للطائرات الأمريكية وطائرات الهيلوكوبتر بدعم جهودها في فرض الاستقرار والأعمال الأخرى بالإضافة إلى التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل ومحاربة المناصرين لصدام حسين الذين مازالوا أحياء وعصابات الشيعة. كما أن هذه القواعد تقدم الدعم الإداري للقوات الأرضية مثل قاعدة ''باغرام'' في أفغانستان أو معسكر ''بوند ستيل'' في كوسوفو وتمكّن هذه القوات من إيجاد المأوى المناسب والحماية اللازمة. إجمالاً.. سوف تقدم هذه القواعد للولايات المتحدة تواجداً دائماً في أعماق المنطقة التي تستطيع من خلالها إظهار سلطتها وجعل بلادها متماسكة والإبقاء على حدود فترة ما بعد غزو العراق كما كانت في مرحلة ما قبل الحرب. ولن تسمح أمريكا للتقسيمات الخاصة بالأكراد و السنة والشيعة بأن تصبح دولاً مستقلة وسيتم إقصاء القوات البعيدة عن المركز بطريقة النبذ وقد طمأن هذا الحكومة التركية إلى أقصى حد حيث أنها تخشى نشوء إقليم كردستاني، ويتوفر بذلك قواعد آمنة لعمليات المنظمات الكردية الإرهابية (حزب العمل الكردي ومجلس الحرية والديمقراطية في كردستان) والذين يساندونهم. وستبقى مناطق العراق الثلاثة سوية'' وقد تكون بذلك عائلة غير سعيدة ولكنها على الأقل ستبلي بلاء حسناً. ثانياً- سوف تكون هذه القواعد مفيدة في مجابهة إيران. وكما سيرد فيما يلي فإن إيران أعظم مساند للإرهاب من العراق.. فلطالما دعم الإيرانيون حزب الله في لبنان والشيعة في العراق وهم بالتأكيد يشجعون حماس في صراعهم مع إسرائيل. والأكثر من ذلك أن لهم روابط وثيقة مع تنظيم القاعدة وهنالك قوات للقاعدة وطالبان في إيران.. كما أن إيران تمتلك برنامج تطوير أسلحة نووية وتوسع أيضاً من أسلحتها الكيماوية والصواريخ بعيدة المدى. ومنذ الثورة الإيرانية في عام 1979 أصبحت إيران معادية جداً لأمريكا وفقاً للنظرية اللاهوتية التي تلقي باللوم على أمريكا للعديد من ويلاتها. كانت إيران واحدة من العناصر الثلاثة لمحور الشر وهي: العراق، إيران وكوريا الشمالية كما سماهم الرئيس بوش في خطابه في كانون الثاني .2002 إن جميع الأسباب التي توفرت لإدارة بوش لكي يهاجم العراق تنطبق بشكل أعظم على إيران. إذا كانت إيران هي الدولة الثانية التي ستتم مواجهتها فلابد إذاً من القواعد في العراق.. فجميع القواعد الأخرى في المنطقة، ووسط آسيا، وأفغانستان أو حتى التي في الخليج لا تكفي لمجابهة إيران. ثالثاً- إن حكومة موالية لأمريكا في العراق سوف تشكل بديلاً كموقع لقواعدها ومصدر آمن للنفط في عراق ما بعد صدام حسين أصبحت الأهداف الأمريكية هي: فرض الاستقرار في البلاد، قمع الضغوط العرقية والدينية المنبوذة، وخلق حكومة موالية لأمريكا في بغداد.. سوف تكون هذه الحكومة الناشئة والمجتمع ديمقراطياً بشكل شامل ومثالي ولربما مع إعادة تجديد النظام الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي دعماً لتنامي الوجود الأمريكي ولكن بالطبع هذا لا يكون مع ولادة دولة جديدة وإنما يكفيها الآن المظهر الديمقراطي الكاذب. إن الأمر الحاسم في الوقت الراهن هو تشكيل حكومة عراقية حليفة لتساعد الولاياتالمتحدة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط. يحتاج النظام العراقي الذي نشأ بعد الحرب إلى السماح للولايات المتحدة في وضع أسس والوصول إلى امتلاك حقوق تمكّن الولاياتالمتحدة من فرض سيطرتها داخل العراق وخارجه. إن القواعد الأربعة التي تستخدمها الولاياتالمتحدة ليست مهمة للعراق فحسب بل إنها تخلق توازناً مع انسحاب الولاياتالمتحدة من السعودية.. فقد تحول التواجد الأمريكي هناك إلى قوة تدريب مثلما كان في فترة الحرب الباردة.. كما أنها تحل محل القواعد المقيدة في ألمانيا وفي أماكن أخرى من أوروبا القديمة وقاعدة ''إنكلريك'' في تركيا بسبب القيود التركية التي فرضتها تركيا على القاعدة أثناء عملية تحرير العراق والطلب الذي قدمته تركيا لأمريكا بإنقاص عدد القوات عند انتهاء الحرب ومراقبة المنطقة الشمالية.. وقد تم بالفعل إنقاص عدد القوات الأمريكية إلى اقل عدد ممكن حيث أصبح 1400 بعد الحرب. من حسن حظ أمريكا أن قواعدها متوافرة في المنطقة. وينبغي أن تكون العراق الصخرة التي تستعرض عليها أمريكا قوتها.. ولكن إذا نظرنا إلى كامل المنطقة فسوف نجد تواجداً كبيراً جداً للأمريكيين في منطقة الخليج لوحدها. تم بناء قاعدة العُديد الحديثة في أواخر عام 2001 لدعم العمليات التي تجري في أفغانستان والخليج. ومن المتوقع أن تحظى القواعد الأمريكية الموجودة في وسط آسيا بأهمية أكبر بالنسبة للولايات المتحدة مثل قواعد ''باغرام، قندهار، خوست، لورا، مزار شريف، وبولي قندهار في أفغانستان.. والقواعد الأخرى الموجودة في جورجيا ''فازياني''، ''فرجستان''، ''ماناس''، وطاجكستان وأوزباكستان ''قريش-خاندباد''.. وأخيراً قاعدة ''دييغو غارسيا'' التي يسيطر عليها الإنكليز في المحيط الهادي وتعتبرها الولاياتالمتحدة قاعدة هامة جداً في الصراع لتقديم المساعدات الإدارية. وبالإضافة للقواعد الموجودة في جنوب غرب آسيا فإن أوروبا الحديثة تقدم للولايات المتحدة فرصاً هامة مثل قواعد ''بويدز وكرزيسني'' الجوية في بولندا، وقاعدة ''ميهايل كوغالينسينو''، ومنطقة التدريب في ''باباداج''، ومرفأ البحر الأسود ''كونستانزا'' في رومانيا، وفي بلغاريا ''بيزمير غراف إغناتيفو''، ومطار ''سارافوفو'' العسكري، ومناطق التدريب في ''نوفو سيلو''، ومرفأي ''أجيا وبورغاس''. ويمكن وضع قوات في ''ليتوانيا'' أيضاً. ولهذه القواعد مزايا عديدة هامة: أولاً- قربها من مواقع تهديد الأمن المباشر في منطقة الشرق الأوسط.. فهي تقع في منتصف المسافة ما بين برلين وبغداد. ثانياً- عدم وجود حاجة لطلب موافقة على العبور في المجال الجوي من بلدان مثل النمسا أو فرنسا التي قد تمنع عبور القوات الأمريكية أو أن تضع قيوداً غير ضرورية على العبور في أراضيها. ثالثاً- أن العمليات في هذه القواعد أقل كلفة، والعقبات البيئية أقل تقييداً والتوسع أكثر إمكانية على خلاف القواعد الحالية الموجودة في ألمانيا أو بلجيكا. إن القواعد الموجودة في أوروبا الحديثة ستكون ذات أهمية خاصة إذا تحققت رؤية ''ورقة النيلوفر'' من القواعد العسكرية التي يتبناها ''رامسفيلد'' وقائد المقاتلين الأوروبيين الجنرال ''جيمس جونز'' ومن منطلق هذا التصور يوجد القليل من القواعد قيد التشغيل ذات الموقع الاستراتيجي الهام مثل قاعدة ''رامستين'' الجوية في ألمانيا وهي مزودة بعدد قليل من الكادر العامل. القواعد التي ستعمل مستقبلاً فهي موضع نقاش مع أفراد كادرها الذين تم تكليفهم بالقيام بواجبات مؤقتة. وهؤلاء الأفراد المكلفين بهذه الواجبات لا يتحملون أية أعباء ترتبط بالعائلة أو ما يلزم لدعم حياتها ولا يوجد في هذه القواعد سوى العدد اللازم من الأفراد، وقد قال ''جونز'' يوم 28 نيسان 2003 عن هذه المواقع ''تشعر فيها بأنك في المكان الأصلح لشن الحملات وأن تحط فيها كتيبة من الجند، وأن يتم التدريب على مدى شهرين مع أمة مضيافة.. وكأنك تنفذ عملية على المسرح ثم تغادر لتعود بعد ستة أشهر مثلاً''. لقد وجدت هذه القواعد أساساً لدعم القوات العاملة في منطقة الشرق الأوسط، القوقاز، ووسط آسيا.. ويمكن تدعيمها بإضافة مخابئ أي مواقع يتم فيها وضع المعدات الثقيلة مثل الدبابات في مكان محدد وأمين. وهذه المواقع سوف تكون مشابهة للقواعد الموجودة حالياً في ''دييغو غارسيا'' وفي أماكن أخرى وهي إما أن تكون قواعد ستعمل مستقبلاً للدعم والتعزيز أو أن تكون منفصلة بذاتها. بالإضافة للقواعد الرئيسة العاملة والقواعد التي ستعمل مستقبلاً، يوجد في تصور ''جونز'' مواقع للعمليات مستقبلاً ومن المحتمل أن يكون مركزها في أفريقيا بشكل أساسي وسيتم استخدامها حصراً من قبل القوات الدورانية الخاصة بمهمات محددة وعن إكمال المهمات فإن الوحدات سوف تغادر وتبقى قوات وكيلة وبهذا يكون الأثر الأمريكي في حدوده الدنيا في المكان. إن العامل الآخر الذي يجعل إقامة القواعد في أوروبا الحديثة أمراً يجتذب الأمريكان هو أن الحكومات المضيفة تريد وجوداً أمريكياً لديها. وتعليقاً على تغيير القواعد أفاد مسؤول عسكري أمريكي كبير قائلاً: ''إن قيامنا بهذا هو بهدف مغادرة الأماكن التي لا نكون مرغوبين فيها أولا نلقى المعاملة التي نريد.. إن تجمع الدول الشرقية يمدون أيديهم إلينا رغبة بالشراكة معنا''. مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية بدمشق