بعد الحديث عن التعليم مجملا، ابتدائي، ومتوسط، وثانوي، ضمن العنوان الشامل ''التعليم: الغاية والوسيلة'' يحسن بسط الموضوع حتى تتضح الرؤية التربوية المقصود بلوغها من إنشاء المرحلة الابتدائية (وهي مرحلة أساسية في عمر الطفل، أشبه بالأيام، والأشهر، والسنوات الخمس التي تعقب ساعة ميلاده، وتنمو فيها كل الملكات المناسبة لعمره البيولوجي، كي يتقبل الحياة الخارجية، ومنها التعلم ضمن مجموعة لها نفس السن أو تقاربه) على قاعدة هذه المعطاة العلمية يفهم المرمى من الاعتناء بالتعليم الابتدائي المبني على الأعوام الستة. المناسبة بالتقريب للعمر البيولوجي للطفل، من جهة، والعمر التعليمي من جهة ثانية، قبل التعديلات الاخيرة التي حذفت السنة السادسة وكثفت الدروس ضمن خمس سنوات، مع دحرجة اللغة الفرنسية إلى السنة الثانية (دون رؤية بيداغوجية علمية سليمة) عدا الاجتهادات التعسفية النابعة من ذهنية هي أقرب إلى الإعاقة منها إلى السلامة، والصفاء النفسي، ثم تمت عملية التراجع عن تعليم اللغة الفرنسية للتلاميذ في السنة الثانية ابتدائي مع ما تبع ذلك من خسائر مادية، وجهد، ولو استمر الأمر لحدثت إكراهات على التلاميذ أقوى مما هو حادث الآن. الفضيل بن عمره لا يُعقل حذف سنة كاملة من التعليم الابتدائي وكبس محتواها في خمس سنوات دون التفطن إلى ما ينجر عن ذلك من أخطار ذهنية ونفسية وحتى بدنية جراء الوزن الزائد للكتب التي غُلب فيها عدد الصفحات تباهيا على المنافع العلمية المحكومة بمقاييس بيداغوجية، كما فُضلت بعض الزخرفة المُكلفَة ماليا على الذوق التربوي الجمالي. ثم جاء التخبط بعد ذلك في محاولة لإنشاء مستويات استثنائية سميت: الأقسام التحضيرية ببرامج غير مدروسة، الأمر الذي أضاف عبئا على المدرسة الابتدائية، لقصور التخطيط على مستوى الوصاية، وانعدام الرؤية الشاملة التي تتجاوز حدود بعض المقاطعات على مستوى العاصمة، أو ما جاورها. إن المدرسة الابتدائية لم تعد تتحمل هذا الارتجال في العمل لإثبات كفاءة غير موجودة، وخبرة معدومة، وعند ظهور الخلل وانكشاف الخطأ، يتم الهروب إلى ما هو أسوأ بنية تدارك الأمر وإصلاحه، كما أن إعادة السنة السادسة الى مرحلة التعليم الابتدائي لإحداث التوازن في هذه المرحلة، وإعادة توزيع البرامج توزيعا متوازنا أمٌر واجٌب، ثم إن إعادة النظر في المناهج كسُبل (طرق) تقود الى الغايات المتوخاة من التعليم قاطبة، والابتدائي خاصة، يدخل في حكم الضرورة، والشيء الذي لا يتم الواجب إلا به، وإذا أعيد تقييم المناهج استلزمت الحال النظر في محتوى البرامج، على أن يسند العمل إلى أهل التربية، دون تدخل ممن ليسوا بأهل الاختصاص تحت عنوان اللجان المشتركة للوزارات، والهيئات المدنية، والمجالس العليا.. وإلى ما هنالك من القُصّر (بضم القاف وتشديد الصاد) الذين لا فقه لهم في وظائفهم، بله؛ أن يفقهوا في علم، واختصاص من الصعوبة، والتعقيد؛ بمكان، لارتباطه ببناء إنسان، وشعب، ووطن، ومن ثمة حاضر، ومستقبل إنساني. إنه لمن المؤسف أن تظهر النقائص الخطيرة في بضع سنين من تمام عملية الاصلاح في أولاها؛ كما تظهر نقائص مقاولات البناء، ومقاولات الطرق، ومقاولات التهيئة العمرانية، وكأن عملية الإصلاح قد خضعت إلى مناقصة تنافس عليها مقاولون يحظون بالتزكية. بعد إرجاع السنة السادة ابتدائي، ينبغي إضافة سنة أخرى الى هذه المرحلة تكون بمثابة سنة تكميلية يُتكفل فيها بالتلاميذ ذوي التحصيل الضعيف الذين لم يزكهم امتحان الانتقال إلى المرحلة المتوسطة، ومن ثمة إعادة رسكلتهم حتى يستوعبوا ما قدم لهم خلال المرحلة الثانية من التعليم الابتدائي، ويكون ما حصّلوه مساعدا لهم على استعاب مقررات المناهج المخصصة لمرحلة التعليم المتوسط بعد إجراء الامتحان عليهم نهاية السنة السابعة في جميع المواد التي تلقوا تعليمهم فيها. إن هذه السنة التي أقترح العمل بها في نهاية مرحلة الابتدائي كدعم إضافي كانت قديما تُدعى (cour fin d'etude) حيث يوجه إليها كل من لم ينجح في اختبارات السادسة، وفيها يعطى التلاميذ دروسا تدعم مستوياتهم التعليمية، ويوجهون بعدالنجاح إلى السنة الثانية متوسط، أما الراسبون فيوجهون إلى التكوين المهني إجباريا، وهكذا لا نكون في حاجة إلى الاقسام التحضيرية التي ليس بإمكانها استيعاب كل التلاميذ، بالإضافة إلى نقص الإطار المؤهل لها، ويترك أمر الأطفال ما دون السن السادسة إلى دور الحضانة سواء كانت خاصة أو عامة. تقسيم مرحلة التعليم الابتدائي أشرت في مقال سابق إلى وُجوب تقسيم مرحلة التعليم الابتدائي إلى مرحلتين: الأولى تحتوي السنوات الثلاثة الأولى وهي: الأولى، والثانية، والثالثة ابتدائي، أما المرحلة الثانية فتحتوي السنوات الثلاثة الثانية وهي: الرابعة، والخامسة، والسادسة ابتدائي، مضاف الى هذه المرحلة الاخيرة ال(eduté'd nif ruoc) كحالة خاصة أشبه بعملية إنقاذ. المرحلة الأولى ابتدائي: على امتداد هذه المرحلة يُعتنى بتربية الطفل على التذوق الجمالي، بالأناشيد، والقطع الشعرية (المناسبة لسنه) المحتواة لكل ما في الطبيعة والكون من جمال أودعه الخالق في خلقه، كما يدرج الرسم، واستعمال الألوان، لتنمية حاسة الملاحظة لديه في اكتشاف الأبعاد، والظلال، والخطوط، والتنسيق بينها، لأنها تهيئه لتقبل مادة الهندسة، والتمكن منها، وتعمل مع مادة الأناشيد، والأشعار المناسبة له على تنشئته مشذبا (ضم الميم وتشديد الذال) كالغصن الرطيب. ومن وسائل التربية، التربية الدينية الإسلامية التي ينبغي الاعتناء بها في هذه السنوات الأولى من عمر الطفل أيما اعتناء لما لها من نفع في التنشئة، والتقليل من تدخل الآخرين في بناء اخلاق المجتمع، وسلوكاته، وفي نهاية المرحلة على المدرسة أن تصل بالطفل الى القراءة السليمة، والكتابة الصحيحة، عن طريق معرفة الحروف، ورسمها، وتركيب الجمل البسيطة، وكتابتها مع تخصيص حصة قائمة بذاتها للاملاء، وحصة لتصريف بعض الافعال مع الضمائر. وحصص تهيئ ذهنه لتلقي المواد العلمية مستقبلا. وُتختتم هذه المرحلة بامتحان يقيم قدُرات التلاميذ؛ فيما تلقوه خلال السنوات الثلاث، خاصة في القراءة، والكتابة، والإملاء، والصرف، والحساب (رياضيات) فمن كان مؤهلا للانتقال الى الرابعة ابتدائي انتقل، ومن لم يكن مؤهلا أعاد السنة الثالثة حتى يتمكن من تلك المواد، ثم يواصل الرحلة، ولانغرر به، وبأهله، ونجعله عبئا ثقيلا على المعلم، وعلى بقية التلاميذ، ثم ننقله عبر مسرحية هزلية، تراجدية في نفس الوقت؛ إلى التعليم المتوسط بامتحانه في اللغة العربية، واللغة الفرنسية، والرياضيات، اقتداء بأمة متفوقة علينا بماضيها التعليمي، وحاضرها العلمي، وامكاناتها البشرية، ومؤازرة بمحيطها القاري، والبشري المتقارب في خصائصه النفسية، والروحية، والفكرية، وحتى في التاريخ، والجغرافية. المرحلة الثانية ابتدائي في هذه المرحلة يكون عوُد الطفل (التلميذ) قد اشتد وصار قادرا على تلقي ما يلقى إليه، من مواد تعليمية، فيها القراءة، والاملاء، والصرف، والنحو، والرياضيات، والتاريخ، والجغرفيا، ومادة تحضره لتعلم الفيزياء، والكيمياء، والعلوم الطبيعية، هذه المادة كانت قديما تدعى بدروس الأشياء . choses) de leçons) وهي مادة ذات مضامين علمية محتوياتها ما يكون في الطبيعة، والإنسان، مُبسطا، تمهيدا لدراستها في مرحلتي المتوسط والثانوي تحت عنوان المواد العلمية. تتوج هذه المرحلة في نهاية السنة الد راسية السادسة بإختبار مشترك في كل المواد التي درّست للتلاميذ مع إعطاء الأفضلية: للغة، والإنشاء، والإملاء، والرياضيات ثم بعدها الصرف، والنحو، ودُروس الأشياء، والتاريخ، والجغرافيا. إن الطريقة السابقة لم تكن تدرج في الامتحانات للانتقال الى المتوسط سوى اللغتين، العربية، والفرنسية، والرياضيات، وهذا الذي أصاب التعليم بالعقم في المتوسط، والثانوي، لأن الزاد قليل، والرحل ثقيل، والطريق طويل، وهذا الذي ظهر عيبه في امتحانات البكالوريا، وانعكس على الناجحين منهم عند ما التحقوا بالجامعة لأنهم لم يكونوا مؤهلين منذ المرحلة الابتدائية، (نتيجة التغرير بهم). الفرنسية في التعليم الابتدائي إن تعلم أكثر من لسان حاجة إنسانية في كل زمان ومكان، سواء على مستوى الأفراد أو الجمعات، كان ذلك بالمبادرات الفردية، أو الهيئات الرسمية على مستوى الدول، لأن مقتضيات التواصل ومعرفة ما لدى الآخر، واكتشاف ما سلف من القرون والأزمان الغابرة، مع حب الاطلاع، والاستفادة، يدفع الى تعلم الألسن (اللغات). ولكن كيف؟ ومتى؟ ومن أولى بالتعلم؟. وبالنظر الى ما هو جار به العمل في مدارسنا الابتدائية حاليا بالنسبة الى تعليم اللسان الفرنسي (اللغة) لايشجع، ولا يدفع الى التفاؤل، لضعف مستوى المعلمين لغويا، وبداغوجيا، ونقص الوسائل المساعدة لتعليم هذه اللغة (اللسان)، سواء السمعية؛ أو البصرية لأن الطفل في هذه المرحلة في حاجة الى المسموع، والمرئي ليتعلم ولا يوجد هذا المحيط ليخفف عنه هذا العبء إلا ما ندر، وهذا لا يقاس عليه، أما الأرياف فالمصيبة فيها أعظم، والعزاء أكبر من أن يوصف، والتقارير التي ترفع إلى الوصاية مُدلسة، ابتداء من المفتشين وانتهاء بمديريات التربية، وكلما توغلت في عمق الوطن كان المأتم أشد حزنا، وسوادا، بل لو قدر لفرنسي أن يطلع على تعليم هذه اللغة في هذه الأماكن النائية لطلب من دولته أن تدفع لنا تعويضا ماليا مقابل تركنا تعليمها، ولشجعونا على تعليم الإنجليزية لأبنائنا بمقابل تدفعه الحكومة الفرنسية نكاية في الإنجليز الذين استولوا على العالم بلسانهم (لغتهم) بما فيها فرنسا، ولقامت (جاندارك) تحث قومها على الإنتقام من الانجليز بدفعهم الى الطلب منا إدراج لغتهم في تعليمنا الابتدائي. إن تعليم أبنائنا لسانا آخر يساعدهم على تحصيل ما لدى الأمم الأخرى من علم، ومعرفة متراكمة لديهم، ومتابعة مستجدات العصر، ينبغي أن يبنى على أسس سليمة، وهذا لايكون الا بنقل تعليم هذه اللغة (الفرنسية) الى التعليم المتوسط بدلا من تعليمها للأجيال في الابتدائي تعميما للفائدة، وتمكينا للجميع من تعلمها تعلما نسبيا سليما، كما أن توفير المعلم في المتوسط، أيسر، وتكوينه أسهل، بالقياس إلى النمو السكاني الحالي، بله، المستقبلي، وينتج عن نقل تعليم الفرنسية الى التعليم المتوسط؛ توسيعا للحجم الساعي في الإبتدائي بالنسبة للمواد المُدرسة فيه، والتقليل من نظام الدوامين، أوالقضاء عليه، وقد رأينا كيف بدأت المشاكل تطرح بحدة في الآونة الأخيرة، بالإضافة الى ربح الحجم الساعي، تنقص التكلفة المالية، سواء بالنسبة الى الوسائل المادية، كالكتب، والطبشور، والكرايس، وتمديد عمر السبورات، والتمكين للمحافظة على بقية الأثاث بمعلم واحد، بدلا من اثنين، والتخفيف من عبء الرواتب التي تدفع دون فائدة تلمس، وبدراسة بسيطة لمعدلات التلاميذ في امتحانات شهادة البكالوريا على المستوى الوطني، (في الفرنسية) ندرك أن الصواب في نقل هذه اللغة الى التعليم المتوسط، وإعطائها الإهتمام اللازم، هي واللغة الإنجليزية، دون ترجيح لإحداهما على ألأخرى. إن الهروب الى الأمام ليس بالحل السليم، والإقرار بخطإ مواصلة تدريس الفرنسية في التعليم الابتدائي، ونقلها الى التعليم المتوسط، هو عين الصواب. التأطير الابتدائي : إن عودة العمل بالتكوين في المعاهد المخصصة لتكوين المعلمين هو الأمر الأنسب، بل قبولهم كمنتسبين الى هيئة التدريس منذ حصولهم على المؤهلات العلمية المناسبة والتكفل بهم الى نهاية فترة التكوين. وهكذا تضمن الدولة إطارات مؤهلة بدلا من التوظيف المباشر في التعليم الابتدائي، لأن المرحلة حساسة وكل خطإ فيها يورث عاهات تعم المجتمع.