الحديث عن واقع الطفولة المسعفة في الجزائر يقودنا حتما إلى الحديث عن الأخطاء التي يرتكبها البالغون عن قصد أو غير قصد، فأخطاء الكبار يدفع ثمنها الصغار الذين ارتفع عددهم في مراكز الدولة المنتشرة عبر ربوع الوطن، والسبب في ذلك عدم تحمل الأولياء لمسؤولياتهم تجاه أولادهم غير الشرعيين، لأنه وببساطة وجودهم هو نتاج نزوة عابرة وطيش شباب. بلغ العدد الإجمالي للأطفال غير الشرعيين على مستوى دور الطفولة المسعفة 3 آلاف طفل على مستوى القطر، وهو ما أوضحته السيدة ''كراجة فاطمة الزهراء'' مديرة دار الطفولة المسعفة بالابيار، والتي قالت إن هذه الشريحة المهملة من الأطفال تحتاج إلى الرعاية والتكفل كونها جيل المستقبل، ولا ذنب لهم في وجودهم فهم ضحايا نزوات الكبار. كشفت السيدة ''كراجة فاطمة الزهراء''، مديرة دار الطفولة المسعفة بالابيار في تصريح خصت به ''الحوار''، أن هذا الأخير قدرة استيعابه تصل إلى مائة طفل، غير أنه في الوقت الحالي يضم 97 طفلا، أعمارهم تتراوح ما بين تاريخ الولادة و6 سنوات، مشيرة إلى أن هناك حالات لأطفال تصل أعمارهم حتى 23 سنة وهم فئة الأطفال المعاقين الذين تجاوزوا السن المحدد دون إدماجهم بمراكز أخرى، إلا أن مركزنا لا يزال يضم هذه الفئة ويبلغ عددهم 34 طفلا معاقا، منهم 17 طفلا أعمارهم تقل عن 6 سنوات والبقية تجاوزوا هذا السن. معتبرة أن عددهم قليل، لان الطفل المعاق يمكث أكثر من 25 سنة، بينما عدد كبير من الأطفال الأصحاء دخلوا المركز وخرجوا منه مباشرة بعدما تم التكفل بهم، فجل الأسر التي تتوجه إلينا، أضافت مديرة المركز، تفضل التكفل بأطفال سليمين، في مقابل عدد قليل من العائلات تعد على الأصابع، تختار التكفل بأطفال معاقين لتجني الأجر مضاعفا . 17 طفلا من مجموع 97 غير مسموح التكفل بهم وفي سياق ذي صلة أوضحت السيدة ''كراجة فاطمة الزهراء''، انه حوالي 97 من المجموع الاكمالي للأطفال المتواجدين بالدار التكفل بهم غير مسموح، فهناك فئة تم التخلي عنها نهائيا، وفئة أخرى تم التخلي عنها مؤقتا، هذه الأخيرة تدخل إلى مركزنا على يد القضاء، حيث إن القاضي هو الذي يقرر وينظر إن كانت أسرهم قادرة على التكفل بهم أو أن الأم العازبة لازالت تبحث عن حلول بمعنى أنها تخلت عن طفلها بصفة مؤقتة وقد تسمح لها ظروفها باستعادته. ولكن هذه الصفة المؤقتة مع الأسف الشديد غالبا ما تكون طويلة المدى، ''فنحن كمسؤولين في الدار لا نعرف إلى أي مدى تصل مدتها، فهناك أطفال تتجاوز أعمارهم 8 سنوات، أي تتجاوز الحد القانوني لدار الطفولة المسعفة. فبعد 6 سنوات لابد أن يظهر الحل لهذا الطفل، إما أن يكون مع والديه أو يتم تحويله إلى مركز آخر أو تترك لنا مسؤوليته وأخذ القرار لتسليمه للأسرة المتكفلة، ولكن لحد الآن لا يوجد قانون خاص بهم يسمح بمثل هذا الإجراء. هذا وأشارت ذات المديرة ''مركزنا يوجد به حوالي 17 طفلا مؤقتا والباقي من المجموع تخلوا عنهم نهائيا، ولكن بعضهم مرضى تتوجب متابعتهم النفسية، وأيضا الطبية، وبالتالي لا نستطيع تسليمهم للأسرة الكفيلة حتى نرى كل تطورات حالتهم الصحية ثم نقوم بعرضهم على المتكفلين أو ندمجهم في أسرة تتوجه إلينا قصد التكفل بطفل من أطفال مركزنا. وتشير إحصاءات هذه السنة الجارية من 1 جانفي إلى 30 اكتوبر، إلى أنه وصل استقبال الأطفال إلى 125 طفل، 65 ذكرا و60 أنثى، أعمارهم من سن الولادة حتى 6 سنوات. وهناك 4 أشكال يتم فيها إدماج الطفل بالمؤسسة: الشكل الأول أن الأم العازبة تلد طفلها في المستشفى، ويتم التخلي عنه بمحضر التخلي الذي تقوم به المساعدة الاجتماعية المسؤولة في مصلحة التوليد، أما الشكل الثاني فهو حينما تلقي الأم برضيعها في الشارع وهنا يدخل بتكليف من الشرطة، والحالة الثالثة حينما تكون الأم في حالة عجز ولا تتمكن من التكفل بابنها، وهنا يدخل على يد قاضي الأحداث. ويعتبر الأمر في الحالة الرابعة أن الأم تلجأ إلى مصلحة دار الأطفال المسعفة، وتقول بأنها عاجزة وتتنازل عنه نهائيا إلى مصلحة العائلات التي تستطيع التكفل به. يحق للأم العازبة إخفاء هويتها بعد الولادة في المستشفيات ومن جانب آخر وبخصوص إن كان هناك اتفاق بين إدارة المركز والأمهات العازبات حول طريقة التخلي النهائي عن أطفالهن، أضافت الأخصائية النفسانية السيدة ''معمري إنصاف'' إن هذه الشريحة التي ولدت خارج إطار الزواج، لا وجود لاتفاقية، وإنما لابد من توفر الشروط لكي يتم إدماج الطفل بمركزنا، حيث تتقرب الأم من إدارتنا وتوضح لنا إن كانت تتخلى عن طفلها بصفة مؤقتة أو نهائية، وهنا ما عليها سوى الإمضاء فمثلا الأم التي تلد بالمستشفى، عندها حق عدم إظهار هويتها، ''اكس فلانة ولدت اكس فلان'' ويسجل باسم الدولة، فالدولة أعطتها حقوق إخفاء هويتها. ولمعرفة إن كان الرضيع له أخ أو أخت بعد ولادته، أكدت ''معمري إنصاف''، أن هناك ملفا وان أثبت تاريخ ولادة طفلها الأول وكررت ولادة الآخر بعد سنوات، فنحن نكتب في الملف الجديد أن له أخا ولد في تاريخ كذا، وبالتالي نقوم بالمقارنة بين الملف القديم والجديد. وأضافت أنه في الآونة الأخيرة هناك عدد كبير من الأمهات العازبات يتركون أسماءهم وألقابهم ومعلومات أخرى. ففي السنوات الماضية كانت ظاهرة فيها نوع من التكتم، كانت الأم العازبة لا تظهر هويتها، ونادرا ما تكتب الأمهات أسماء الآباء البيولوجيين لأطفالهن، وغالبا ما تكون هناك حالات تجهل فيها الاسم والنسب الحقيقي لأب طفلها، بعدما يظهر اسمه ولقبه المستعار وحتى المنطقة التي يقطن بها . بعد المقابلات النفسية للأسر الكفيلة الأخصائي النفسي يقر إلزامية التكفل أو إلغائها وبخصوص كفالة الأطفال بمركز الأبيار ، أوضحت لنا الأخصائية النفسانية أن هذه الأخيرة لها شروط، فالراغبون في التكفل لابد أن يلجأوا إلى المصلحة الاجتماعية بطلب من المساعدة الاجتماعية على تكوين ملف، ليدفع بمديرية النشاط الاجتماعي التابعة لهم، ثم يسجل طلبهم رسميا وبعدها يحول الملف إلى دار الطفولة المسعفة. وأشارت إلى أنه تبدأ حينها عملية ملاحظة الدوافع ودراسة النواحي السلوكية والنفسية للمتكفلين، حيث يخصص لهم لقاء مع أخصائي نفساني، لا تكون هناك مقابلة إكلينيكية وإنما جلسات يرى فيها المختص الدوافع النفسية للراغبين في التكفل وما مدى نضج الفكرة، قائلة إن الرغبة في التكفل ليست الأهم ، ولكن دراسة مدى نضج هذه الفكرة من كل الجوانب. وهنا الأخصائي النفساني خلال الحوار الذي يجرى بينه وبين المتكفلين، يستطيع التوصل إلى إعطاء الموافقة للتكفل أو يقر بعدم الموافقة بعد المقابلة النفسية. هذا وأضافت ذات المتحدثة أنه بعد الموافقة، يتم التوجه إلى مرحلة التحقيق الاجتماعي أي زيارة منزل الأسرة المتكفلة كتكملة للمقابلة النفسية لملاحظة الجو الذي سيعيش فيه الطفل. والسبب في زيارة بيت الأسر الراغبة في التكفل والتنقل إليها هو أبسط إجراء نلجأ إليه، أن يعيش هذا الطفل في الهدوء والشعور بحرارة البيت وحنان أفراده، فهناك أمور تظهر من خلال التنقل لهذه الزيارة، لتكون مثل المقابلة التي تمت في المكتب، ليتم دراسة الملف ليخرج بالموافقة، وإذا انعدمت يتم تأجيل الطلب لتسوية وضعية الأسر من كل الجوانب، مشيرة في ذات النقطة إلى أن الأخصائيين لا يضغطون عليهم وإنما يتم إعطاؤهم الوقت لتسوية حالتهم الاجتماعية. بعد موافقة طلب التكفل... ينتقى الطفل ويدمج حسب لون بشرة الأسرة بعد أن يلقى طلب التكفل الإيجاب، يتم إعطاء الموافقة النهائية للأسر الكفيلة من قبل الأعضاء، أكدت السيدة ''معمري إنصاف'' أنه يتم تبليغ العائلات، وهنا تبدأ مرحلة انتقاء الطفل بعدما يتم الأخصائي النفسي تعيين الطفل وصورته الذهنية ، مشيرة إلى أن عملية الانتقاء تتطلب صور المتكفلين لتسهيل انتقاء الطفل على حسب لون البشرة، حتى يدمج الطفل في الأسرة بشكل غير ملفت يفضل أن يكون يشبهها لتسهيل عملية الإدماج، ولا يواجه مشكل اختلاف شكله مع والديه، وهذا ما نسعى للعمل عليه على الرغم أنه سيعرف الحقيقة في يوم من الأيام. كما أشارت الأخصائية النفسية، إلى أن التهيئة السيكولوجية النفسية تبدأ من الصغر، أي منذ اللحظة التي يؤخذ إلى بيت العائلة المتكفلة. في الوهلة الأولى على الأم أن تتحدث مع طفلها وعمره ثلاثة أشهر، تقول له ''أنا أمك ولكن لست الحقيقية، ولم أحملك في بطني ولكن حملتك بقلبي، أنا وأبوك''، وهنا الطفل نلقي في ذهنه ولا شعوره الحقيقة. ففي المراحل الأولى بعد الولادة يكون ذهن الطفل مجردا، ولكن إن غرسنا في ذهنه فكرة تبقى راسخة. ثم يصل إلى مرحلة الملموس أي يكون على دراية بما يحصل، حيث ترى امرأة حامل سواء داخل البيت أو خارجه فتقول له ''إني لم استطع أن أحملك في بطني مثل هذه المرأة، وتكرر له هذه المقولة كلما صادفت امرأة حاملا، أي تغرسها في ذهنه . نجاح التكفل.. يتوقف على قول الحقيقة ومساندة الطفل للبحث عن والديه هذا وأضافت أن الأسرة المتكفلة لا يجب أن تكذب على الطفل وتقول له أمه البيولوجية قد توفيت، وهي في الحقيقة على قيد الحياة. فالطفل عندما يصل الى سن 18 ويطرح السؤال على والديه أصله ونسبه الحقيقي فما عليهم سوى مساندته والبحث معه عن والديه الحقيقيين، خاصة أن الفكرة قد تخزنت في اللاشعور منذ كان سنه ثلاثة أشهر. فأغلب المتكفلين الذين لا يلجأون إلى المركز يعني يأخذونهم من عند أهاليهم يعز عليهم قول الحقيقة ، حيث تكون ثقيلة على لسانهم من كثرة المحبة وخوفا من عودتهم إلى أهاليهم، ولكن هذا خطأ ونحن ننصح المتكفلين ألا يقعوا في مثل هذا الخطأ، لأنه يعود عليهم بالسلب في المستقبل. فالطفل يعرف الحقيقة وإذا عرفها في مرحلة متأخرة وخاصة في سن المراهقة تتكون لديه أزمة هوية لتولد هذه الأزمة عنصرين صعبين عليه، وهنا يفقد الثقة في والديه ويصبح متمردا، يمتنع عن الدراسة وربما يهرب من البيت. ونحن كأخصائيين نريد ألا تصل هذه الأمور إلى هذا الحد، ولو يستدركون الأمور من البداية ويقولون لهم الحقيقة سيكون الأمر أفضل. فالناحية الاجتماعية سهلة ولكن الناحية النفسية صعبة وعواقبها وخيمة، فنجاح التربية والتكفل يتوقف على هذه الحقيقة، وبالتالي عدم الكذب على المتبنى. العازبات فوق سن ال 45 لهن حث التكفل يخول القانون الجزائري للمرأة العازبة البالغة 45 سنة فما فوق حق كفالة الأطفال إذا توفرت فيها الشروط الضرورية التي تضمن العيش الكريم للمتكفل به مثل التكفل، كما يحال ملف طلب الكفالة على لجنة مختصة تعمل على دراسة الملف من كل جوانبه، وقد عرفت هذه السنة إقبالا كبيرا من قبل النساء العازبات يطلبن كفالة الأطفال، وهي ظاهرة محمودة تدل على تماسك المجتمع الجزائري. ولا يمكن أن نستثني الأطفال المعاقين من قائمة الكفالة على الإطلاق، فنادرا ما تهتم العائلة الكفيلة بالطفل المعاق وهي تعد على أصابع اليد، وذلك راجع لدرجة الإعاقة التي كلما كانت ضعيفة كلما كانت درجة التكفل واردة. هل يتم متابعة الأطفال المكفولين في وسط عائلاتهم الجديدة؟ حاليا لا توجد هناك متابعة ولكن الجهات المسؤولة بصدد وضع ''مشروع متابعة الطفل إلى البيت العائلات الكفيلة''، سيدخل حيز التنفيذ قريبا. أما إذا تلقينا شكوى من قبل العائلة الكفيلة أو الطفل المتكفل به، فيقوم المركز بإرسال مساعدة اجتماعية إلى مقر العائلة للنظر في القضية. وإذا اتضح سوء معاملة الطفل ففي هذا الحالة للمركز الحق في استرجاع الطفل الكفيل ويقوم بالبحث عن أسرة أخرى آمنة وإدماجه فيها، إلا أن ذلك نادرا ما يحدث هذا.