من أشد الآفات فتكًا بالأفراد والمجتمعات آفة ''سوء الظن''؛ ذلك أنها إن تمكنت قضت على روح الألفة، وقطعت أواصر المودة، وولَّدت الشحناء والبغضاء. إن بعض مرضى القلوب لا ينظرون إلى الآخرين إلاَّ من خلال منظار أسود، الأصل عندهم في الناس أنهم متهمون، بل مدانون. ومما لا شك فيه أن هذه الظنون السيئة مخالفة لكتاب الله ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولهدي السلف رضي الله عنهم. أما الكتاب فقد جاء فيه قول ربنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}[الحجرات: 12]. وأما السنة فقد ورد فيها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ''إياكم والظنّ؛ فإن الظن أكذبُ الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا''.الحديث. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المسلمين حُسن الظن، فقد جاءه رجل يقول: ''إن امرأتي ولدت غلامًا أسود. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فما ألوانها؟ قال: حُمْرُ. قال: هل فيها من أورق؟ [يعني فيه سواد] قال: إن فيها لأورقًا. قال: فأنى أتاها ذلك. قال: عسى أن يكون نزعه عِرْقٌ. قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عِرْق''[رواه البخاري ومسلم واللفظ له]. وأما السلف رضي الله عنهم وأرضاهم؛ فقد نأوا بأنفسهم عن هذا الخلق الذميم، فتراهم يلتمسون الأعذار للمسلمين، حتى قال بعضهم: إني لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين، ثم أقول: لعل له عذرًا لا أعرفه. فهلا تأسى الخلف بالسلف، فنأوا بأنفسهم عن سوء الظن؟. إن هؤلاء الذين ساءت ظنونهم بالمسلمين أسوتهم في ذلك هو ذاك الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: والله إن هذه القسمة ما عُدل فيها وما أريد بها وجه الله''.