بعد 700 عام على مماته، لا يزال ابن بطوطة أمير الرحّالة المسلمين يجول العالم. لكنه لا يخبرنا هذه المرّة عن قصصه في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، بل يطل كسفيرِ المسلمين للنوايا الحسنة إلى العالم. في ''رحلة إلى مكّة'' (2009) يغادر ابن بطوطة، وهو ابن الحادية والعشرين، مسقط رأسه طنجة إلى مكّة المكرمة، ''حازماً نفسه على هجر الأحباب من الإناث والذكور، ومفارقاً أحبابه مفارقة الطيور للوكور''، لأداء فريضة الحجّ. هذه الرحلة استغرقت 18 شهراً، قطع فيها آلاف الكيلومترات، وتعرّض لعواصف هوجاء، وقطّاع طرق استولوا على كلّ ما يملك، من دون خليل يواسي وحشة ليله. ثم أجبرته هذه الصعاب على اللحاق بقافلة الحجّاج التي تمرّ بدمشق بدلاً من عبوره وحيداً البحر الأحمر الذي كان مقفلاً في وجهه. هذا الشريط الدراميّ الوثائقيّ (45 دقيقة) الذي يُعرض اليوم في بعض المتاحف والمراكز الثقافية والعلمية في الولاياتالمتحدة، لم يكن سهل التنفيذ. انتظر الفريق سنتين ونصف السنة لتصوير عشر دقائق من العمل، قبل أن يحصل أخيراً على 85 إذناً من السلطات السعودية تسمح للمرّة الأولى بتصوير الحجّاج عن قرب وهم يطوفون حول الكعبة الشريفة، ويؤدّون مناسك الحجّ. هذا ما قاله كبير منتجي أضخم فيلم وثائقي عالمي ''الرحلة إلى مكة'' -الذي يرصد رحلة ابن بطوطة إلى مكة- إن هدفه هو شرح مناسك الحج لغير المسلمين، فضلا عن تعميق قيم التسامح والاحترام بهذه الرحلة المهيبة في نفوس العالم. وأشار إلى أن من العوائق التي واجهت فريق العمل هي جمع ألف ناقة لتصوير أحد المشاهد، وبناء مثيل للكعبة في صحراء المغرب تعود بنا إلى القرن الرابع عشر الهجري. بدوره، يقول حسام تشاس -أحد أبطال الفيلم-: ''إن الصورة العربية ملوثة بصور الإرهاب والإسلام، وهو أمر يخالف الواقع، لذا فإن تصوير هذا الفيلم يعطي صورة أفضل عن الإسلام''. وتجاوزت ميزانية الفيلم 13 مليون دولار، بينما استغرق تصويره ما يزيد على أربع سنوات، وأشرفت على إنتاجه شركة أبو ظبي للإعلام. يذكر أن النص الإنجليزي للفيلم يقرأه الممثل العالمي بن كيجنسلي الذي لعب دور غاندي والرحلة إلى مكة، ومن المتوقع أن يحصل الفيلم على جوائز عديدة.