كان الزلزال الذي ضرب هايتي بمثابة الضربة الاستباقية التي تشنها الجيوش على الخصم، وهي خطة من خطط الخداع الإستراتيجية قبل بدأ المعارك ميدانيا، تليها الحرب الفعلية وفي الغالب تكون ناتجة عن الخلافات السياسية المحضة، وقد تختلف أسبابها وحججها الواهية كتلك التي صورتها لنا الإدارة الأمريكية لغزو العراق وأفغانستان لاحتلالهما . ذلك للأسف ما يحدث مع هايتي وإن اختلفت الأسباب وعلى حد المثل القائل ''كل الطرق تؤدي إلى روما''، فإنها تؤدي حتى إلى هايتي في قانون المرور والغرور الأمريكي، وليس روما وحدها بعد ذلك الزلزال العنيف الذي ضربها والذي شبهه البعض بحادثة ''هيروشيما'' زلزال فتح المجال لإنزال عسكري أمريكي غربي على الأراضي الهايتية بحجة لا يرقى إليها الشك وهي حفظ الأمن ومد يد المساعدة وقد انتشر الجيش الأمريكي في الأماكن الرئيسية الحساسة، وكان أولها المطارات الموانئ والقصر الرئاسي، وهي مكامن قوة الدول، وأول النقاط التي يستولي عليها الجيش في حالة الانقلاب أو هدف الاحتلال، وكان ذلك الإنزال على المنكوبة هايتي فيه كثير من الريبة، وأحدث الكثير من القلق بعد الانتشار العسكري التام على الأراضي الهايتية عامة، ومما يزيد و يدعم فرضية أو النية المبيتة للإدارة الأمريكية في احتلال هايتي، هو تلك التصريحات التي جاءت على لسان العديد من القادة العسكريين، والتي مفادها أنهم يحتاجون إلى البقاء في هايتي إلى فترة زمنية أطول، تمكنهم من الدعم المكثف على حد زعمهم، فحسب القوانين والأعراف الدولية فان ذلك التواجد العسكري الأمريكي يعتبر غير قانوني واحتلال صريح وواضح، ما لم يتم تحت غطاء الأممالمتحدة. أمريكا اليوم تريد أن تلعب دورا مهما في هايتي المستعمرة الاسبانية السابقة، التي كانت شاهدة لمدة من الزمن على ويلات العبودية وما مارسه الفرنسيون على الزنوج هناك بعد استقدامهم واحتلالهم للجزيرة، حتى قامت حرب التحرير التي أطلق عليها اسم ثورة العبيد، بزعامة ''توسان لوفرتور'' الموالي للولايات المتحدةالأمريكية، والذي سهل يومها دخول الأمريكان إلى جزر الكاريبي بحجة الحماية، وكان ذلك احتلالا آخر دام أكثر من ثلاثة عقود، هو نفسه الاحتلال الذي جثم على هايتي اليوم وهي جثة هامدة تحت الأنقاض وبنفس الحجج، احتلال لا ندري كم سيطول بقائه على هذا البلد الإفريقي روحيا والأمريكي جغرافيا لا سياسيا، فهايتي المنكوبة يبدو أنه كتب لها أن تبقى تئن تحت وطأة الاحتلال وهزات الزلزال ولا جدال في ذلك وكل هذه المؤشرات لدولة منكوبة ومحتلة.