رصدنا في الحلقات السابقة استعدادات "محور الشيطان"، وكشفنا جانبا من خططه القتالية التي تنتظر التطبيق العملياتي في الميدان، واليوم تستوقفنا إيران زعيمة المحور الإسلامي في معركة المصير بين قوى الشر وفريق الممانعة، "الشروق" تكشف عن القوة العسكرية الإيرانية، والجحيم الذي يترقب الأعداء. قبل الخوض في تفاصيل الخطط القتالية التي أعدتها الجمهورية الإسلامية لمواجهة العدوان المرتقب، نتعرض لوضع إيران العسكري وإمكاناتها الجيواستراتيجية، وسياساتها التي جعلتها تتحكم في جميع أوراق اللعبة، كما نعرج على التقنيات التكنولوجية العالية التي جعلت طهران قوة عسكرية قادرة على الدفاع عن نفسها، بل ومجابهة القوى العالمية والإقليمية، وفي مقدمتهما الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني. موانع طبيعية وسيطرة جغرافية كثيرا ما وقفنا حائرين أمام هزيمة العراق السريعة في حربي الخليج الثانية والثالثة، ولأن العراق هو النموذج المثالي أمام المخططين الأمريكيين والصهاينة، حتى أن خطط الهجوم على إيران تتشابه كثيرا مع تلك التي طبقت في العراق عامي 1991 و2003، وهنا نلمس جهل وغرور هؤلاء المخططون الذين أغفلوا حقيقة مفادها أن الوضع العراقي يختلف كليا مع الوضع الإيراني، كما أن وضع الأعداء أنفسهم مختلف تماما مع وضعهم أثناء العدوان على العراق. ونبدأ هنا بأهم شروط المعركة، وهي المكانة الجغرافية، أو كما يسميها الخبراء العسكريون "أرض المعركة"، العراق بموقعه الجغرافي المكشوف جعله هدفا سهلا لأي اعتداء عليه، فهو بلد يرتبط حدوديا مع ست دول كانت كلها أثناء الحرب عدوة له، الأمر الذي جعل الجيش العراقي مكشوفا، وتحركاته وخططه كانت مفضوحة، هذا فضلا عن تشتت قواته في الدفاع عن جميع هذه الحدود، إضافة إلى أن الحدود المائية له كانت لا تتعدى ال 70 ميلا، الأمر الذي حرمه من امتلاك ثالث ضلع في القوة العسكرة المتكاملة، وهو الأسطول البحري، والذي من أهم وظائفه إبعاد ساحة المعركة عن أراضيه وعمقه الاستراتيجي، وتوجيه ضربات للخصم في عمقه القتالي، على النقيض نجد أن إيران تمتلك حدودا طبيعية منيعة، فبدءا من الهضاب والتضاريس الوعرة التي تقف حائلا أمام أي هجوم بري أو إنزال بحري، وصولا إلى الحدود البحرية الطويلة التي جعلت إيران تهيمن على الجانب الشرقي من الخليج العربي الذي تقتسم حدوده الغربية سبع دول عربية، هذا إضافة إلى جزء كبير من بحر العرب، هذه الحدود المائية المتميزة خلقت بدورها أسطولا عسكريا متطورا ينازع السيادة الأمريكية على الخليج، بل ويهدد الوجود البحري الأمريكي في المنطقة، وتبلغ قوة هذه الحدود المائية درجة السيطرة على مضيق هرمز الاستراتيجي، الذي يتحكم في معظم الإمدادات النفطية للغرب، هذه العوامل الجغرافية التي منحت مجانيا لإيران كحق طبيعي مشرع، هي إحدى أهم أسباب النزاع المسلح المرتقب مع قوى غاصبة غريبة محتلة تحاول انتزاع هذا الحق. الحكم العادل والتلاحم الداخلي في الوقت الذي كانت فيه المعارضة العراقية والاختراق الداخلي أحد أهم الأوراق التي استخدمها الاحتلال من أجل إسقاط العراق، نجد أن الشعب الإيراني يلتف ويلتحم مع قيادته التحاما عجيبا، هذا العجب سرعان ما يزول حينما نشاهد صور الرئيس الإيراني بثيابه المتواضعة التي لا يبدلها أمام العدسات أو خلفها، وتتوالى الصور لتكشف حال الرجل الذي يحكم واحدة من أغنى دول المنطقة وهو يفترش الأرض، فخلافا لجميع الرؤساء والسلاطين والملوك في العالم، ظهر حاكم ترجاه المسلمون طويلا، حاكم يقتدي بالفاروق، ويؤكد أن مثله الأعلى في الحكم العادل هو عمر بن الخطاب "رضي الله عنه"، ويذهب إلى أبعد من ذلك ليزهد في زخرف السلطان وبهرجته، فلفظ السيارات المصفحة حتى وإن كانت من صنع بلاده، وتخلى عن طائرات الرئاسة الخاصة، ويختتم القصيدة بالتنازل عن نصف أجره لصالح خزينة الدولة، إننا هنا لا نعبر عن إعجابنا بنمط الحكم في الجمهورية الإسلامية، إنما نقف عند أسباب وحدة القرار الإيراني، والتفاف تاشعب خلف قيادته في السلم أو الحرب، وهو التلاحم الذي أنفقت واشنطن وتل أبيب وعملائهما في المنطقة مئات الملايين من الدولارات وبذلت الكثير من الوقت والجهد من أجل حله، لذلك وعلى مدار ثلاثة عقود فشلت المعارك العسكرية في زعزعة الاستقرار الداخلي في إيران، بل إن الإدارات الأمريكية والصهيونية المتعاقبة عجزتا عبر جميع مؤامراتهما المعروفة خلال ثلاثة عقود من الفصل بين قادة الثورة الإسلامية والشعب الإيراني، وفي المقابل نجحت الثورة في هذا البلد من تحويل شعب برمته إلى وقود لعجلة الدفاع عن قضايا الأمة. على صعيد آخر، وفي فترة وجيزة، باتت الأجهزة الأمنية الإيرانية الأقوى في المنطقة وانتصرت في الكثير من المعارك على نظيرتها الغربيةوالأمريكية، فشكلت مظلة واقية ضد المؤامرات الموجهة للشعب الإيراني، كل هذه العوامل جعلت الجبهة الداخلية الإيرانية قوية ومتماسكة في مواجهة أي عدوان خارجي. تحالفات استراتيجية ومظلة دولية على عكس عراق صدام الذي لم يستثمر جيدا إمكانياته في تشكيل تحالفات دولية قوية و"مخلصة"، نجد أن إيران نجحت بدرجة امتياز في حماية ظهرها من مؤامرة دولية كتلك التي استهدفت العراق، فالأراضي الإيرانية ساحة للمشاريع الدولية الكبرى، والروس يعتبرون إيران الأقدر على كسر شوكة الهيمنة الأمريكية، أما الصين التي تدار عجلة النمو في صناعاتها بالنفط الإيراني "80 في المئة من الواردات النفطية الصينية تأتي من إيران"، كل تلك القوى العالمية المؤثرة جعلت واشنطن عاجزة عن افتكاك قرار أممي بالتكتل العسكري ضد إيران، بل ان هذه القوى على استعداد للقتال من أجل إيران. "الإمبراطورية" الأمريكية تحت رحمة إيران على الجانب الآخر، نجد أن واشنطن وحلفاءها في وضع لا يمكنهم عمليا من خوض حرب طويلة مع طهران، ففضلا عن إنهاك الجيش الأمريكي في دحر المقاومة العراقية التي غذتها وقوتها طهران في وجه الاحتلال، فإن هذا الأخير عجز منذ خمس سنوات "تاريخ احتلال العراق" عن إعادة تشكيل وانتشار قواته، ومن الأسرار التي تحاول واشنطن التكتم عليها أن القوات الأمريكية في العراق غير قادرة على خوض أي حرب هجومية، لأن القواعد الموجودة الآن عاجزة عن حماية نفسها، فكيف الحال إذا تعلق الأمر بالهجوم؟، طهران تدرك جيدا أن أكثر من 150 ألف جندي أمريكي في مستنقع حقيقي، ومن المعلومات المهمة التي تتوارد في هذا الصدد أن إيران كانت تدرك جيدا أن تورط واشنطن في احتلال العراق سيكون بمثابة الضربة القاضية للهيمنة الأمريكية، حتى أن الخطط التكتيكية الإيرانية التي أعقبت احتلال العراق نجحت في جعل جميع هذه القوات في مرمى نيران قوات الحرس الثوري، ويمكن القضاء عليها بسهولة، أما عن الحرب الشرسة ضد الاحتلال داخل العراق والتي أدارتها طهران بحنكة كبيرة، فقد أثمرت نتائج عدة، في مقدمتها الانهيار التام لمعنويات الجنود الذين اعتادوا على المعارك السهلة التي توفرها لهم التكنولوجيات الأمريكية، وانشقاق المجتمع الدولي أمام قرار حرب جديدة في المنطقة، فهذا العالم يتابع يوميا عبر الشاشات الهزائم التي تتلقاها "الإمبراطورية العظمى" في العراق. 30 عاما من الاستعدادات للمعركة منذ قيام الثورة الإسلامية والإطاحة بنظام الشاه الموالي لواشنطن وتل أبيب، وقيادة الثورة تدرك أن المواجهة مع أعداء الإسلام فرضت عليها، وأنها آتية لا محالة، لذا استمرت الاستعدادات العسكرية منذ ذلك التاريخ، ولم تتوقف اليوم، ولأن الإيرانيين يتعلمون جيدا من الدروس فقد قرروا ألا يكونوا تحت رحمة مصدري السلاح، خاصة وأن سوق السلاح الدولي دائما عرضة للمساومات ويخضع لمبدأ "من يدفع أكثر" سواء سياسيا أو اقتصاديا، من هنا انتهجت طهران سياسة الاعتماد على الذات، فتطورت الصناعات العسكرية الإيرانية، وأصبح السلاح الإيراني قادرا على الصمود، بل والتفوق على التكنولوجيا الأمريكية في بعض الميادين، ورغم حرب الثماني سنوات التي وقف فيها العالم في وجه الثورة الإسلامية محاولا إجهاضها، خرجت إيران لتبدأ مرحلة انشغل فيها أعداؤها بالعراق، وهي المرحلة التي شهدت ميلاد القوة العسكرية الإيرانية. الترسانة الصاروخية.. القوة الإيرانية الضاربة حينما أعلنت طهران عن ميلاد صاروخ "عاشوراء" والذي تمت تجربة إطلاقه بنجاح منذ قرابة الشهرين، ثارت ثائرة واشنطن وتل أبيب، فالصاروخ الجديد قادر تكنولوجيا على الوصول إلى أي هدف أمريكي في شرق أوروبا أو أي هدف صهيوني، وقادر أيضا على إلحاق دمار كبير في مكان سقوطه، وهذا الصاروخ توج صناعة الصواريخ الإيرانية، ويراهن عليه القادة العسكريون الإيرانيون في المعركة القادمة. و"عاشوراء" هو صاروخ بالستي يتراوح مداه بين 2000 - 2500 كم، ويمكنه أن يحمل رأسا حربيا غير تقليدي، وحتى وقت قريب كان الصاروخ البالستي الأشهر لدى إيران من عائلة "شهاب"، والأبعد مدى فيها هو "شهاب 03"، ويصل إلى مدى نحو 1300 كم، وهو يغطي أجزاء واسعة من الكيان الصهيوني إذا ما أطلق من الطرف الغربي لإيران، ونجحت إيران في تعديله ليصل مداه إلى مسافة 1800 كم. لكن صاروخ "عاشوراء" بلغ من دقة التصويب والتكنولوجيا ما يرشحه لإحداث مفاجأة في الحرب المقبلة، فقد نشرت إيران منه المئات بسرعة محسوبة، ووجهت هذه الصواريخ لأماكن برية حساسة في الكيان الصهيوني، من ضمنها المفاعل النووي ديمونة، في حين وجهت بقيتها لتغطي جميع القواعد الأمريكية في المنطقة، بواقع أزيد من خمسة صواريخ للقاعدة الواحدة، وهو ما يعني تدميرها عن آخرها. في المقابل فإن العائلات الصاروخية الإيرانية تزخر بأنماط من الأسلحة الفتاكة، وهي تتنوع بين العتاد الحربي المضاد للدروع وأخرى دفاعيه وقذائف، هذا إضافة إلى الدبابات والقطع البحرية، والطائرتين المقاتلتين "صاعقه" و"آذرخش"، وجميع هذه الأسلحة صنعت في إيران، وجميعها مجهولة تكنولوجيا لدى الأعداء، ولن يكشف عنها إلا سير المعارك ونتائجها. تدمير المفاعل النووي الصهيوني والقواعد الأمريكية ولدى إيران أيضا الصاروخ "قدر"، الذي يبلغ مداه 1119 ميلاً، وهذا الصاروخ تحديدا من أسرع الصواريخ في العالم، وقادر على التغلب على جميع الرادارات والصواريخ المضادة، فهو يقتنص الهدف مهما بلغت قوة المنظومة الدفاعية للخصم، وتملك إيران من هذا الصاروخ المئات، واستطاعت تطويره ليهاجم حاملات الطائرات الأمريكية، ويؤكد الخبراء في طهران أن هذا الصاروخ سيغرق جميع قطع الأسطول الأمريكي في الخليج خلال الدقائق الأولى للمعركة. أنظمة صواريخ أرض- أرض الإيرانية تعمل وفق نظام "تورم 01"، وهي قادرة على إصابة أهداف متعددة سواء كانت ثابتة أو متحركة، لكن ما يميز الصواريخ الإيرانية أنها طورت على أيدي الخبراء الإيرانيين لتكون أضد دقة في الإصابة وأشد قدرة على التدمير، وتنقسم هذه المنظومة: صواريخ ذات المدى القصير مثل: عقاب 35 كلم، شهاب 1 الذي يبلغ 350 كلم، شهاب 2 الذي يبلغ 750 كلم، فاتح من 100 إلى 250 كلم، زلزال 02 يصل إلى 200 كلم، زلزال 03 يصل 400 كلم. أما الصواريخ متوسطة المدى والتي يتراوح مداها بين 1000 إلى 3000 كلم ومن بينها صاروخ شهاب 02 وشهاب 03 ويتراوح مداه بين 300 و1300 كلم، ومن ضمنها أيضا صاروخ فجر03. أما صواريخ المدى فوق المتوسط وهي التي يتراوح مداها بين 3300 و5500 كلم، مثل الصاروخ المسمى قدر 110، الذي أدخلت إيران عليه تعديلات توصل مداه إلى أزيد من 3000 كلم. وفي الأخير تأتي الصواريخ الطويلة المدى والتي لا تزال إيران تسعى إلى تطويرها، مثل شهاب 04 وشهاب 05 الذي يتوقع مستقبلا أن يصل إلى مدى يفوق 5000 كلم. أما عن المنظومة الصاروخية الدفاعية، فتمتلك إيران أنظمة صواريخ دفاعية أخرى مثل صواريخ الدفاع الجوية المحمولة ميثاق01 و02، وقد بلغت درجة تطورها التمكن من إسقاط المقاتلات الحديثة، والتعامل مع القذائف الموجهة والذكية، أما أنظمة الصواريخ المضادة للدبابات مثل طوفان01 و02، وصاروخ رعد وصاروخ صايغي، فجميع دروع الدبابات المتطورة الحصينة لا تستطيع مقاومة الرأس التدميري الكبير لتلك الصواريخ، أما عن نظام الصواريخ المخصصة للقوات البحرية مثل صاروخ "نور" بمدى يصل إلى 200 كيلومتر، و"كوثر" و"حوت" الذي يستطيع تدمير الغواصات الأمريكية والصهيونية بسهولة، فقد أكدت الدراسات الغربية أن هذه المنظومة قادرة على تحويل القطع البحرية الأمريكية في الخليج إلى حطام. خطة الهجوم البري داخل العمق العراقي لم تكتف إيران بخلق حلول للتعامل مع التكنولوجيا الأمريكية لدرء الخطر عن أراضيها، بل إن خططها القتالية الهجومية تؤكد أنها لن تقنع بإلحاق الهزيمة بتلك التكنولوجيا، ولن تعلن عن الانتصار المبكر، بعد أن يرفع الأعداء الراية البيضاء، فإيران تسعى لإبادة الوجود الأمريكي في المنطقة برمته، لذلك تشير الخطط التي تدرب الحرس الثوري على تنفيذها منذ سنين، إلى أن أكثر من مئة ألف مقاتل من قوات الحرس الثوري، يدعمهم عشرون ألف مقاتل داخل العراق، متأهبون لاقتحام القواعد الأمريكية وأسر ما تبقى فيها من أحياء، وهي العملية التي تعد الأهم في هذه الحرب، والتي بمقتضاها سيتم إنهاء الاحتلال الأمريكي للمنطقة ليس عسكريا فقط، وإنما سياسيا أيضا. يتبع