على مقربة خطوات من مرور سبعة عقود على المجازر الوحشية التي ارتكبتها أيادي من يدعون الحضارة والثقافة والعدل والمساواة على الجزائريين في شرق البلاد، لا يزال الصراع مستمرا بين أهل الحق وأصحاب الباطل، الذين يملكون الأرض والجو ويتحكمون في أساليب الدعاية ما ظهر منها وما بطن. زهاء السبعة عقود على مجازر 8 ماي 45 وجذوة الحق لا تزال مشتعلة، ونارها عرضة للتوارث جيلا بعد جيل، كما يفعل الباطل كذلك الذي سخر كل إمكانياته لتبرير الوحشية والبربرية والظلم والعدوان وطمس الحقائق التاريخية وتوريثها مزيفة لأعقاب المستبدين الظلمة عبر تمجيد الاستعمار وتلقين الصغار قبل الكبار بدوره الإيجابي المزعوم. وقد صدق في هذا المقام الشيخ البشير الإبراهيمي وهو يتحدث عن الاستعمار مشبها إياه بالشيطان الذي يئس أن يعبد في جزيرة العرب وفي غير جزيرة العرب، إلا أنه رضي بالتحريش بين المسلمين والمستضعفين، فهذه فتنة وأخرى فتنة، فتنة على فتنة في زمن يملك الباطل كل مقومات تزييف الوعي العام، بل صناعة وعي مزيف أصالة يبتر التاريخ ويشوه الذاكرة، ويحارب الفطرة والعدالة تحت مسميات التقدم والتقنية وعدم تحمل الأبناء لأخطاء الآباء، وغيرها من الترهات التي لا يصدقها إلا ضعاف النفوس وقليلو الحصانة والمصابون بداء فقدان المناعة الوطنية، جراء حلهم وترحالهم في مواخير إفساد العقل وتكريس القطيعة مع التاريخ والهوية والشعب. والناظر إلى واقع اليوم وإمكانيات الأمس يدرك إدراكا راسخا بيقين قطعي أن الماضي ضروري لصناعة الحاضر وبناء المستقبل بعيدا عن تزييف الآخر ومغالطاته بخصوص النظر إلى المستقبل بأعين الحاضر بعيدا عن ما يسميه بأسر الماضي، في الوقت الذي تنبئ أحواله عن غرق مهلك في الماضي المشوه، وإغراق قاتل فيه في صياغة قواعد التعامل مع شعوب مستعمرات الأمس أو الجنان المفقودة التي طرد منها هؤلاء شر طردة لا تضاهيها غير طردة إبليس اللعين من جنان الحنّان الرحيم. وما دام للحق نور قوة من ضعف أهله، وقوة منطق من هوان أهله لظروف يعرفها الجميع مقابل بهت باطل رغم قوة أهله، وضعف حجته رغم تقدم أهله فإن السجال مستمر، والنضال قائم، والذاكرة حيّة -بمعنييها، حية من الحياة في مقابل الموت، وحية بمعنى الأفعى التي ستلدغ كل من يقرب جحرها أو ينال أهلها بسوء-، وطريق الحق معبدة رغم الحفر، وطريق الباطل فاسدة رغم الزفت، لأن وقودنا عدم النسيان، ووقودكم اللعنة والطرد.