الرئيس الفرنسي سركوزي، ومن سبقوه، اجتهدوا لتشويه الحقائق التاريخية لاستعمارهم بلاد الجزائر المحروسة، في غياب مؤرخين جزائريين، وكأنهم أصحاب الدار، في حين تقر الكثير من الوثائق التاريخية وشهادات فرنسيين أنفسهم، بأن الجيش الفرنسي قام بعدة مجازر ومذابح في حق الجزائريين، شبيها بتلك التى قام بها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية. ففي الوقت الذي أصدر البرلمان الفرنسي قانونه خلال عام 2004، يمجّد فيه احتلاله ومذابحه ومجازره في الجزائر، وغيرها من المستعمرات الإفريقية والعربية، كانت مدرسة جون دارك الاستعمارية تلقّن جنود الجيش الارهابي الفرنسي فنون التعذيب في حق أبناء الجزائر. وعندما اشتدت ضربات جيش التحرير الجزائري واقتنع الغزاة أنه لا مفر من مغادرة الجزائر، أنشأوا المنظمة السرية "أوس" التي لم تكن في الحقيقة إلا بنت الجيش الفرنسي، أسندت إليها ممارسة الارهاب والتقتيل لوقف مسار استقلال الجزائر. في هذا السياق، كشفت جريدة "المجاهد"، لسان حال جبهة التحرير الوطني، عن فحوى تقرير سري كتبه بعض الجنود الفرنسيين، يثبت بأن منظمة الجيش السري هي بنت الجيش الرسمي الفرنسي. جهاز أنشئ خصيصا كمؤسسة قمع، انصهر بداخلها العسكريون والمدنيون اليمينيون المتطرفون، حيث كانت تأوي في نفس الوقت تشكيلة من الفرق المسلحة وحزبا سياسيا يجمع أنصار "الجزائر الفرنسية". هؤلاء الارهابيون، اهتدوا لمذهب معاد لتراث الجمهورية الديمقراطية، محتمين وراء الرؤوس المدبرة للحكم الفاشي القائم حينذاك في إسبانيا، بحيث لم يتردد نشطاء المنظمة آنذاك في إشهار تبنيهم للتصور النازي كليا أو جزئيا، وهو الأمر الذي لم يكن خاصا بالجنود البسطاء وصغار المستوطنين المغمورين، وإنما كان يمتد إلى كبار الضباط وأصحاب الثروات الضخمة، كسالان وقودار وأرقو، وغيرهم من القادة العسكريين الذين وجدوا في الفلسفة النازية والفاشية ضالتهم، لأنها تنسجهم مع حقدهم العنصري ضد الشعوب المكافحة في سبيل استقلالها ورغبتهم في بناء كل شيء على أساس القوة العسكرية والإرهاب والاستبداد. فطرق التعذيب بالكهرباء وحمام الاستحمام والزجاجات... إلخ، اقتبسها هؤلاء المجرمون من أساليب "الغستابو". وأما عمليات القتل الجماعي وإعدام من يعتبرونهم رهائن، ومعسكرات الانتقال ومراكز التجميع والطرق التي اتبعوها في تشويه المناضلين عقليا ونفسيا لاستخدامهم كجواسيس وعملاء بعد ذلك، وأساليب الدعاية وترديد الشعارات والأكاذيب لترسخ بكثرة التكرار، كلها تطبيقات للأساليب النازية مع تكيفها مع الواقع الجزائري. سبق لبعضهم كبار المستوطنين أن رحب بانتصار القوات الألمانية على فرنسا، عام 1940، وبالتعاون مع حكومة بيتان، من منطلق لم يتغير طوال عقود حضورهم في الجزائر، وهو استعدادهم للتحالف مع كل قوة تحمي امتيازهم. فعندما شرعت منظمة الجيش السري في عمليات القتل والتفجير، لم يجد المحققون رسوما للصليب المعكوف على جدران الفيلات والقصور التابعة لهؤلاء فقط، بل عثروا أيضا على دلائل تورطهم المباشر. إن قائمة المدنيين الأوربيين الذين ألقي عليهم القبض مع مرتزقة اللفيف الأجنبي في حادثة اغتيال السيد غافوري (محافظ الشرطة بالجزائر العاصمة)، شملت جماعة من أكبر الإقطاعيين والرأسماليين الأوربيين في الجزائر. كان وراء مهندسي مثل هذه العمليات، كعائلات غوتيي وسالياج ولونغ وديمازور وعائلة بورجو، التي كانت تأوي بعض المرتزقة الفارين من العدالة. وليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه العائلات التي كانت تسيطر على قطاعات هامة من الاقتصاد الجزائري، هي نفسها التي كانت تتعاون مع النازية خلال الحرب العالمية الثانية. أحد الكتاب الفرنسيين تصدى في مقال مطول لجانب من الطرح الرسمي الفرنسي الخاص بالتعذيب الذي دافع عنه الكثيرون، من بينهم غي مولي، على أنه لا يمثل سوى "حادثا عرضيا أو غلطة أو زلة". الكاتب أظهر بعض التقارير الطبية إثر فحص حالة من شاركوا في التعذيب تحديدا قائلا: "كانت هذه الممارسات من اختصاص عناصر الشرطة في أول الأمر، ليتم تسجيل منذ النصف الأول من عام 1956 وقوع العديد من هؤلاء في حالات قريبة من حالات الإصابة بالأمراض العقلية"، مضيفا بشأن من مارسوا التعذيب ضد الجزائريين: "لقد تطلبت الاضطرابات التي بدت عليهم في وسطهم العائلي تهديد زوجاتهم بالقتل، معاملة أطفالهم بعنف شديد، معاناة الأرق والكوابيس، التهديد المتواصل بالانتحار، وآخرون ارتكبوا الأخطاء المهنية، منها التشاجر مع زملائهم، تطلبت إخضاعهم عدة مرات للعلاج الطبي وتحويلهم للعمل في مصالح أخرى أو نقلهم إلى فرنسا في أكثر الحالات". وقد وقف الكاتب الفرنسي على حالات بأن الشرطي المصاب لا يجهل مكمن مشاكله الخاصة، فأصبح يضرب أطفاله بقسوة، لأنه يعتقد أنه لا يزال يواجه جزائريين، ويهدد زوجته، لأنه كما يقول "أنا أهدد وأنفذ على مدار اليوم"، لأنهم يسمعون صراخ ضحاياهم وأنينهم ممن وقعوا تحت طاولات التعذيب، حتى وصل بأمثاله إلى عدم النوم الذي تحوّل من شبه العشوائية التي كانت تميزه حتى عام 1957 إلى شكل من الأشكال المهنية وإلى مؤسسة قائمة بذاتها ضمن نظام الاحتلال ككل، لها هياكلها ومنظورها، كالمدعو لوفريدو والمدعو بودفان، ومراكزها التكوينية في فنون الإبادة، مثل "مدرسة جان دارك" التي كانت متواجدة بسكيكدة. إن عناصر الشرطة والجيش، الذين مارسوا التعذيب في الجزائر، يعتبرون ضرورة تبريره "عارا ومفارقة " في نفس الوقت، فهم يعرفون أنه يمثل أحد الشروط التي تحكم العلاقات بين القائم بالاحتلال والواقع تحته. هذه الممارسات الوحشية التي برزت منذ الفاتح نوفمبر 1954، كشفت سلوك الجيش الفرنسي في الجزائر الذي تبنى نية السيطرة البوليسية والعنصرية الشاملة ونزع إنسانية الإنسان بصورة عقلانية. فالتعذيب بالنسبة له، هو جزء من الكل الاستعماري، من منطلق أن "الاستعمار الذي لا يجيز الاغتصاب والإبادة، هو استعمار غير قابل للفهم". في هذا الإطار، كان بوسع أندري مالرو أن يعلن بصفته وزيرا للثقافة عن زوال تعذيب الجزائريين منذ تولي دي غول الحكم في ماي 1958. لكن الدليل على استمرار التعذيب الواسع النطاق، كان ماثلا لأعين الجميع، يؤكد عدم تخلي رئيسه الجنرال عن الحل العسكري، هذا الأخير تبنى بعد سنة من تواليه مقاليد السلطة، مخطط شال الهادف إلى إعادة غزو الجزائر، منطقة بعد أخرى، الشيء الذي كان يتطلب وفرة من المعلومات الدقيقة، لا يمكن الحصول عليها إلا بالاستنطاق الوحشي للمساجين والمشتبه بهم بتعميم استعمال التعذيب كوسيلة حربية. في مطلع سنة 1960، شرعت فرنسا في "إصلاح العدالة" في الجوانب الخاصة بالقضايا المتصلة بحرب الجزائر، فتجسد هذا الإصلاح في تدعيم صلاحيات وسلطات المحاكم العسكرية، إلى درجة دفعت المحامين الفرنسيين المعنيين بقضايا الدفاع عن الجزائريين، الاستنجاد برئيس الصليب الأحمر الدولي، طالبين منه حماية هذه الهيئة لموكليهم، نظرا لاستحالة الدفاع عنهم، لأن النصوص الجديدة أعطت للقاضي العسكري إمكانية التحقيق دون حضور المحامي، ليصبح الباب مفتوحا كي يقوم هذا الأخير بمحاكمة المتهمين والدفاع عنهم بنفس الضباط الذين قاموا باعتقالهم وتعذيبهم، الأمر الذي دفع البعض إلى القول بأن دي غول يحضّر للجزائريين عددا من أوامر الإعدام يساوي عدد بطاقات الاقتراع. بهذا الخصوص، أذيع يوم السبت 23 ماي 1959خبر اغتيال المحامي الجزائري أمقران ولد أوعدية الذي سبق له أن رافع أمام المحاكم الفرنسية لفائدة عدد من مناضلي جبهة التحرير الوطني، في الوقت الذي كان ينتظر أن يدافع يوم اغتياله عن مجموعة من الطلبة، متهمين بإعادة تشكيل الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين. وبعد حوالي شهر من حادثة اغتياله، أمرت الحكومة الفرنسية بحجز كتاب "لاغانغرين" الذي تضمن شهادات سبعة من المتهمين المعنيين بشأن التعذيب الذي عانوه في مقر مديرية أمن الإقليم في باريس، إبان فترة اعتقالهم. ولم تمض سوى بضعة أسابيع، حتى انتشر نبأ وفاة عيسات إيدير، الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين، على إثر تعرّضه للتعذيب. فاتسعت رقعة ردود الفعل، مرة أخرى، خاصة في أوساط الحقوقيين والنقابيين في فرنسا وخارجها، مما أجبر المسؤولين العسكريين الفرنسيين على الخروج عن صمتهم، حيث أصدوا بيانان، واحد رسمي، وهو بيان هيئة أركان الجزائر العاصمة، والثاني شبه رسمي، في شكل افتتاحية بجريدة "البلاد". البيان لم يأت بجديد بالنسبة لجوهر المسألة، يفسر على أن عيسات إيدير انتحر ولم يمت نتيجة حرقه بالشفاطة (الشاليمو) على حد قولهم كما سبق وأن انتحر كل من علي بومنجل والعربي بن مهيدي، وغيرهم. عندما اندلعت ثورة التحرير في نوفمبر 1954، امتنعت السلطات الفرنسية عن الاعتراف بالطابع السياسي للقضية الجزائرية، فأحجمت عن تسمية الحرب باسمها، وبقيت مصرة إلى غاية سنة 1956 على نعتها رسميا ب "حوادث الجزائر". أما العمليات الحربية التي كانت قواتها تقوم بها لمواجهة الثورة، فقد أطلقت عليها مصطلح "التهدئة". غير أن سلسلة القوانين التي سنت تباعا، ناقضت هذا الخطاب الإدماجي وتطابقت تماما مع واقع الحرب الهادفة إلى إعادة غزو الجزائر. مع بداية عام 1955، نقل الحاكم هيرتز من الأغواط إلى بسكرة ليتولى مهمة القمع في المناطق الممتدة بين الأوراس والصحراء، هذا الأخير بعث روحا جديدة في قانون "العقوبات الجماعية" السيئ لدى الجزائريين والذي سبق أن ألغي لدواعي الإدماج بالذات. وبمقتضاه، أصبح لأي عمل فدائي، يقع في محيط بمجموعة سكانية جزائرية ما، يعتبر من مسؤولية هذه المجموعة ماديا ومعنويا. وكلما ظهر جيش التحرير الجزائري في ناحية من نواحي البلاد، راحت السلطات المحلية المعنية تطبق فيها هذه القاعدة. وبخصوصها، صادق البرلمان الفرنسي في مطلع أفريل 1955 على قانون الطوارئ. وفي 12 مارس 1956، صوت البرلمان المذكور لصالح قانون السلطات الخاصة الممنوحة للحاكم العام في الجزائر، روبير لاكوست. بموجبها، حصل هذا الأخير على تعزيزات عسكرية ضخمة وعلى صلاحيات واسعة لخنق الحريات. مجمل هذه التدابير، أدت إلى تنويع مهام الجيش ومحو حدودها، إلى درجة يصح القول عنها إن أعمال فرقة ما في الجزائر أصبحت غير قابلة للخضوع للرقابة التنظيمية أو التشريعية الديمقراطية الفرنسية. وفي ظلها، راحت سلطة القضاء العسكري الاستثنائي تتعزز، مقرونة بتعميم التعذيب الذي لم يبق بالنتيجة أسلوبا بوليسيا بحتا، وإنما وسيلة حربية في ظل تعتيم رسمي، مسند برقابة على منشورات سرية للغاية. بهذا الشأن، كشفت في شهري سبتمبر وأكتوبر 1956، مجموعة من المحامين للرأي العام الفرنسي عن تعرّض موكليهم الجزائريين لأصناف من التعذيب في قبو مبنى الخزينة بمدينة وهران، فتقرر تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في 29 أكتوبر برئاسة فيكتور بروفو، أحد الأصدقاء الشخصيين لرئيس الحكومة غي مولي، غير أن هذه اللجنة سارت حسب برنامج تميّز بالتماطل والمساومة، إلى غاية 5 مارس 1957، تاريخ تقديم تقريرها. وما جاء في هذه الوثيقة لم يكن أكثر إنصافا، إذ أن الغالبية الساحقة لأعضائها عمدت قبل كل شيء إلى رسم ثلاث صور تتماشى مع السياسة الرسمية. وعليه، فقد أصبح عناصر الشرطة، الذين قاموا بأعمال التعذيب، هم الأبرياء الذين لا ذنب لهم. وأما ضحاياهم من المعتقلين، ما هم سوى كذابين مفترين، في حين حسب ما جاء في التقرير "يكون الناس الذين اهتزت مشاعرهم مما سمعوا أناسا سذجا، غافلين". وعليه، تقرر غلق الملف. وتتهم الشرطة باغتيال عضو قيادي في كل من حركة الشبيبة المسيحية وكشافة فرنسا. أسبوعية "تيموانياج كريتيان" الفرنسية كذّبت أطروحة أصحاب هذا التقرير، وهي بمثابة شهادة مسيحية ناقضت المنطق الرسمي للحكومة الفرنسية المستعمرة، حيث فتحت "ملف جون مولر" الذي كانت قد نشرته في منتصف فبراير1957، تخليدا لذكرى عضو قيادي في كل من حركة الشبيبة المسيحية وكشافة فرنسا الذي اغتيل في ظروف غامضة بالجزائر. هذا الملف هو عبارة عن مجموعة من الرسائل بعثها مولر لأصدقائه عام 1956، يتدرج من خلالها، في إدراك مقدر متزايد من حقيقة كلام سلطات بلاده وما يحصل بالفعل في الجزائر. كتب يقول: "نحن أبعد ما نكون عن التهدئة، لقد أصابنا اليأس مما نشاهده من درجة الانحطاط التي بلغته الطبيعة البشرية ومن إقدام بعض الفرنسيين بالذات على استخدام أساليب جديرة بالهمجية النازية"، مضيفا: "كانت الذكريات الأليمة، المتصلة بالاحتلال الألماني لفرنسا وبالحرب العالمية الثانية عامة، ما تزال تختلج في نفوس الكثيرين". في هذا السياق، توالى تدوين الشهادات وتوزيع الكتابات، سرا وجهرا، بخصوص ممارسات النازية للاستعمار الفرنسي وأخذت دائرة الأصوات المعبرة عن ردود الفعل المختلفة تجاه التعذيب، تتسع، بما في ذلك على المسرح السياسي، في الوقت الذي كانت التهم الخطيرة الموجهة للحكومة وللجيش تستدعي تدخلا سريعا من قبل أعلى الهيئات. فتقدم غي مولي، بصفته أمينا عاما للحزب الاشتراكي الفرنسي وليس كرئيس للحكومة، بالحديث للفرنسيين يوم 14 أفريل1957 قائلا: "فلنتكلم بوضوح، صحيح أعمال عنف نادرة للغاية حصلت للأسف فيما مضى، ولكنني أؤكد أنها حصلت على إثر معارك وبعد فظائع قام بها إرهابيون. أما عن أعمال التعذيب المتعمدة بنية مسبقة، فإني أقول لو حصل هذا لكان أمرا لا يطاق. بهذا الصدد، هناك من شبّه سلوك الجيش الفرنسي بسلوك الغستابو، إنه تشبيه منكر. لقد كان هتلر يعطي تعليمات تنص على اتباع هذه الأساليب الهمجية، في حين دأبنا أنا ولاكوست على إصدار أوامر تحمل اتجاها معاكسا تماما". حديث غي مولي ركز على ثلاث نقاط أساسية وهي: "إن وقوع حالات من العنف من جانب القوات الفرنسية، يمثل دفاعا عن النفس تجاه إرهاب الجزائريين، الممارسة المنظمة للتعذيب أمر غير ثابت، تشبيه الجيش الفرنسي بالجيش النازي وسياسة الزعامة الاشتراكية الفرنسية بسياسة هتلر تشبيه ظالم"، وهو ما جعل جريدة "المجاهد" ترد على ادعاءات غولي مولي: "الحملة القمعية المسماة "معركة الجزائر"، الجارية على قدم وساق في قضية العاصمة بوجه خاص طوال الأشهر السبعة الأولى من عام 1957، مثلت مصدر معلومات حية تدين جلادي الشرطة والجيش ومسؤوليتهم، هؤلاء الذين يطلقون على قاعات الفظائع اصطلاح "لابوراتوار"، أي المخابر، يشرعون في التعذيب النفسي لحظة انقضاضهم على المواطنين بقصد الاعتقال. لذا، تراهم يقومون بالتحضير له بإحداث جو مرعب يوقع آثارا مدمرة: "إن الحالات التي تمت معاينتها والمتعلقة بالإصابة بالجنون بمختلف درجاته، وبالولادة السابقة لأوانها وبالأزمات النفسية، وبالوفيات على إثر سكتة قلبية، حالات لا تحصى. إن سكان القصبة لا ينامون بسبب تخويفهم الدائم من ضربات مؤخرة البنادق على أبواب المنازل. إنهم يعلمون جيدا لماذا يأتون، يعلمون أن لا الرجل ولا المرأة ولا الطفل يفلت من التعذيب. وقد يشاهدون بأم أعينهم التنكيل بأطفالهم في الفناء الداخلي لديارهم". صحيفة "المجاهد" لم تتوقف عن إدانة التعذيب الذي تعرض له الجزائريون يوميا، والذي أخذ الحديث عنه حسبها ينتشر سنة 1957، معتبرة إياه وجها من أوجه القمع الشامل الذي عانه الجزائريون منذ 1830.