أُسدل الستار على النسخة ال19 من نهائيات كأس العالم لكرة القدم على عناوين كثيرة، أولها وبالبنط العريض: مشاركة للنسيان بالنسبة لعمالقة الكرة المستديرة ونجومها الكبار، وثانيها أنها بطولة للتاريخ بالنسبة للقارة السمراء التي نجحت بامتياز في استضافة العرس الكروي العالمي للمرة الأولى في تاريخها على أراضي «أمة قوس القزح» رغم بعض الثغرات الأمنية الجانبية والأخطاء التحكيمية الفادحة، وآخرها كان تتويج إسبانيا باللقب للمرة الأولى في تاريخها. فشل الكبار في ترك لمساتهم في العرس الكروي العالمي الذي شهد لحظات محرجة جدا بالنسبة للفرنسيين ومخيبة للإيطاليين حاملي اللقب، فيما خرج العملاقان الآخران البرازيلي والأرجنتيني من الباب الصغير بعد أن كانا مرشحين بقوة للمنافسة على اللقب بعد عروضهما في الدورين الأول والثاني، وفاجأ المنتخب الألماني الجميع بعروضه الرائعة رغم أنه خاض النهائيات بأصغر تشكيلة في تاريخه منذ نسخة ,1934 لكنه اصطدم في دور ال4 بمنتخب إسباني هجومي رائع استحق عن جدارة وصوله إلى المباراة النهائية للمرة الأولى في تاريخه، كما هي الحال بالنسبة لنظيره الهولندي الذي كان أكثر المنتخبات ثباتا من حيث النتائج ولعل أبرزها إطاحته ب «السيليساو» من الدور ربع النهائي. أزمة فرنسا التاريخية اختلفت المعطيات في كرة القدم؛ حيث كثرت المفاجآت ويمكن لأي منتخب مهما كانت سمعته أو حجم نجومه أن يسقط في يوم «سيء» ويودع أية بطولة كانت، لكن الوضع الذي اختبره المنتخب الفرنسي وصيف النسخة السابقة وبطل 1998 لا علاقة له بالنتائج أو بكرة القدم، وهو ترك جنوب إفريقيا مسدلا الستار على فصل «محرج» للغاية في تاريخه وودع نهائيات 2010 من الباب الصغير بخسارة أمام نظيره الجنوب إفريقي 1-2 الذي أصبح بدوره أول بلد مضيف يخرج من الدور الأول. كان المنتخب الفرنسي متشرذم الصفوف تماما بعد طرد مهاجم تشيلسي الإنجليزي نيكولا أنيلكا من صفوف المنتخب بسبب إهانته المدرب ريمون دومينيك بعبارات نابية جدا خلال استراحة شوطي مباراة المكسيك. حامل اللقب بدوره لم يتمكن المنتخب الإيطالي حامل اللقب من تخطي الدور الأول بخسارته أمام نظيره السلوفاكي 2-3 في الجولة الثالثة الأخيرة من منافسات المجموعة السادسة، وأسباب إخفاق «الآزوري» كثيرة، لعل أبرزها ضعف خط الدفاع الذي كان نقطة الارتكاز عندما تُوِّج بطلا للعالم قبل 4 سنوات؛ حيث لم يدخل مرماه سوى هدفين، وأيضاً الثقة العمياء التي وضعها المدرب مارشيلو ليبي في بعض المخضرمين الذين تُوِّجوا باللقب في ألمانيا ولم يكونوا في قمة مستواهم في جنوب إفريقيا. كان ليبي واثقا من أن الرعيل القديم المؤلَّف من الخماسي فابيو كانافارو وجانلوكا زامبروتا وجينارو غاتوزو ودانييلي دي روسي وفينتشنزو ياكوينتا يؤمن الضمانة لكي يحرز اللقب الثاني على التوالي، وذلك رغم خروج جميع هؤلاء من موسم سيئ للغاية ربما باستثناء لاعب روما دي روسي خيبة أمل كبيرة في كابيلو ومنتخب انكلترا لم تكن حال المنتخب الإنجليزي بطل 1966 أفضل بكثير فبعد أن عانى الأمرين لبلوغ الدور الثاني، اعتقد الجميع أنه حصل على الدفع المعنوي من أجل تخطي عقبة غريمه الألماني في الدور الثاني، لكن ال «مانشافت» لقنه درسا قاسيا بعدما أذله 4-,1 ملحقا به أقسى هزيمة في تاريخ مشاركاته في النهائيات. ورغم ذلك بقي مدرب «الأسود الثلاثة» الإيطالي فابيو كابيللو متمسكا بمنصبه رغم الانتقادات القاسية التي تلقاها؛ لأن المنتخب لم يرتقِ إلى مستوى توقعات المملكة والصحافة التي ترى فيه الفريق البطل الذي يعانده الحظ، لكن واقع الأمور والمعطيات تشير إلى خلاف ذلك؛ لأن الإنجليز لم يحققوا شيئا يُذكر إن كان على الصعيدين العالمي أو القاري باستثناء فوزهم بمونديال 1966 وقد يكون عليهم أن ينتظروا حتى 2018 لكي يرفعوا الكأس مجددا في حال نالوا شرف استضافة النسخة ال21 من العرس الكروي العالمي. أخطاء التحكيم القاتلة ولم يكن تأهل رجال مارادونا إلى المواجهة الألمانية عاديا لأنهم حصلوا على هدية من مساعد الحكم الإيطالي روبرتو روسيتي الذي احتسب الهدف الأرجنتيني الأول أمام المكسيك (3-1) رغم أن كارلوس تيفيز كان متسللا بشكل واضح، وقال بلاتر: «لقد تقدمت باعتذاري إلى بعثتي الفريقين المعنيين، أتفهم تماما غضبهم، الإنجليز شكروني، والمكسيكيون حنوا رؤوسهم». وكشف: «من الطبيعي أنه بعد ما شاهدناه، سيكون من السخافة عدم فتح ملف اللجوء إلى التكنولوجيا في يوليو في كارديف» خلال الاجتماعات المقبلة للفيفا يومي 21 و22 من الشهر المقبل مشيراً إلى إمكانية اللجوء إلى الفيديو وتحديدا فيما يتعلق بخط المرمى. خيبة النجوم ميسي ورونالدو وكاكا ومنتخباتهم وبخروج الأرجنتين أمام ألمانيا، ودع نجمها ليونيل ميسي النهائيات وهو يجر ذيل الخيبة لتثبت النهائيات ال19 أنها بطولة الأداء الجماعي وليس النجوم على الإطلاق لأن أيا من النجوم الكبار الذين توجهت الأنظار إليهم قبل انطلاق العرس الكروي لم يقدم أي شيء يذكر، وأكبر مثال على ذلك كان البرتغالي كريستيانو رونالدو، أغلى لاعب في العالم، وفشل في إظهار أي من لمحاته التي قدمها في الملاعب الإنجليزية والإسبانية والأوروبية وودع مع «سيليساو داس كويناش» نهائيات جنوب إفريقيا خالي الوفاض بعد خروجه من الدور الثاني على يد المنتخب الإسباني (صفر-1)، وعد نجم ريال مدريد الإسباني بأن «يفجر» نجوميته في العرس الكروي العالمي الأول على الأراضي الإفريقية لكن كل ما «فجره» هو بصقة في وجه مصور تلفزيوني كان يتتبع خطاه بعد خسارة منتخب بلاده. أما الإنجليزي واين روني فكان وضعه أسوأ من زميله السابق في مانشستر يونايتد؛ لأنه كان على الأرجح أسوأ لاعبي منتخب بلاده؛ حيث قدم أداء متواضعا للغاية، خلافا للمستوى الرائع الذي قدمه مع «الشياطين الحمر» الموسم الماضي محليا وأوروبيا، وكان ظل المهاجم الذي أرعب دفاعات الخصوم وقد ودع النهائيات دون أن يسجل هدفا بل إنه لم يهدد حتى مرمى المنتخبات التي واجهها منتخب «الأسود الثلاثة» إلا في عدة مناسبات، ليخرج أيضاً خالي الوفاض. ولم يكن وضع البرازيلي كاكا، زميل رونالدو في ريال مدريد، أفضل على الإطلاق؛ إذ كان بمثابة الحاضر الغائب في المباريات ال5 التي خاضها منتخب بلاده، ورغم أنه كان صاحب 3 تمريرات حاسمة فهو لم يقدم المستوى المتوقَّع منه كقائد فعلي على أرض الملعب. قرر مدرب المنتخب البرازيلي كارلوس دونغا أن يستبعد رونالدينيو من التشكيلة التي تخوض نهائيات العرس الكروي؛ لأن نجم برشلونة الإسباني السابق لم يقدم المستوى المطلوب مع فريقه الحالي ميلان الإيطالي، لكن المفارقة أنه راهن على كاكا رغم أن الأخير كان «أسوأ» من رونالدينيو خلال الموسم المنصرم مع ريال مدريد الإسباني الذي أنفق 65 مليون أورو لضمه من ميلان أيضاً، وكان رهانه في غير محله على الإطلاق؛ لأن الجميع توقَّع أن يستفيق هذا النجم الكبير من سباته في الدور ربع النهائي أمام هولندا إلا أنه لم يقم بشيء سوى اختبار حارس البرتقالي مرة واحدة ليودع «السيليساو» النهائيات بخسارته 1-.2 «أنا جاهز لأن أكون أحد قادة المنتخب رغم أنه في صفوفه كثير من القادة الذين يتمتعون بتقنيات عالية وتكتيك رفيع، أنا مستعد لتحمل هذه المسؤولية»، هذا ما قاله كاكا عشية انطلاق النهائيات الأولى على الأراضي الإفريقية، لكنه كان شبح اللاعب الذي تُوِّج بجائزة أفضل لاعب في العالم عام .2007 أما بالنسبة لميسي، فمن المؤكد أن النجم الأرجنتيني كان أفضل من النجوم الثلاثة الآخرين، بفضل تحركاته ولمحاته الفنية، لكنه فشل في الارتقاء إلى مستوى المسؤولية التي وضعها على عاتقه مدربه في المنتخب دييغو مارادونا الذي قال علنا إن «ليو» هو خليفته، إلا أن النجم الملقب ب «البعوضة» لم ينجح في نقل التألق اللافت الذي قدمه مع فريقه الكاتالوني إلى المنتخب الوطني وبقيت عروضه «خجولة». العروض والمواهب الجماعية ستكون صفة اللاعب الذي تألق على صعيد الأندية وفشل على المسرح العالمي الأهم مترافقة مع ميسي وروني وكاكا ورونالدو حتى إشعار آخر، في حين أن الأداء الجماعي كان الصيغة الطاغية والعنوان العريض لمونديال «أمة قوس القزح» وقد تجسد مع منتخبات ألمانياوإسبانياوهولندا وأوروغواي التي عادت بفضل مدربها أوسكار تاباريز ونجميها دييغو فورلان ولويس سواريز لتلعب دورها بين الكبار بوصولها إلى الدور نصف النهائي. غانا تنقد سمعة القارة السمراء كانت غانا، بطلة إفريقيا 4 مرات آخرها عام ,1982 أفضل الممثلين ال6 للقارة السمراء وخرجت مرفوعة الرأس بعدما كانت قاب قوسين أو أدنى من كتابة التاريخ وبلوغ دور ال4 للمرة الأولى في تاريخه وتاريخ إفريقيا لولا الحظ الذي عاندها سواء في ركلة جزاء في الأنفاس الأخيرة من التمديد أو في ركلات الترجيح العصيبة أمام أوروغواي في الدور ربع النهائي. وفشلت المنتخبات الإفريقية ال5 الأخرى في تخطي حاجز الدور الأول، بينها منتخبات عريقة أبلت بلاء حسنا في النسخ السابقة، خصوصا الكاميرون التي كانت أول منتخب إفريقيا يبلغ ربع النهائي عام ,1990 ونيجيريا التي بلغت الدور الثاني مرتين متتاليتين عامي 1994 و.1998 وودعت الكاميرون ونجمها صامويل إيتو ب3 هزائم، ونيجيريا بهزيمتين وفوز واحد وقرار من رئيسها غودلاك جوناثان بإيقافها من المشاركة في المسابقات الدولية لمدة عامين قبل أن يتراجع بسبب ضغوط الفيفا، وجنوب إفريقيا المضيفة بتعادل وهزيمة وفوز وهي التي كانت تطمح ومدربها البرازيلي كارلوس ألبرتو باريرا في بلوغ ربع النهائي، والأمر ذاته بالنسبة إلى ساحل العاج التي قدمت عروضا رائعة في مجموعة الموت مع البرازيل والبرتغال. وعلى غرار ساحل العاج، قدمت الجزائر عروضا رائعة في مبارياتها ال3 في الدور الأول وتحديدا أمام إنجلترا وانتزعت منها تعادلا غاليا لكنه لم يكن كافيا لبلوغها الدور الثاني للمرة الأولى في تاريخها لأنها تعرضت لخسارتين أمام سلوفينيا والولايات المتحدة بنتيجة واحدة وتوقف مشوارها في العرس العالمي الذي عادت إليه بعد غياب 24 عاما. إسبانيا.. بطل جديد تربع المنتخب الإسباني على العرش العالمي للمرة الأولى في تاريخه بعد أن حسم مواجهة النهائي مع نظيره الهولندي 1-صفر بعد التمديد، ليصبح «لا فوريا روخا» الذي كان يخوض النهائي للمرة الأولى في تاريخه بعدما وضع حدا لمغامرة نظيره الألماني الشاب بفوزه عليه 1-صفر في نصف النهائي، ثاني منتخب يتوج باللقب الأوروبي ثم يضيف بعد عامين اللقب العالمي. كان قد سبقه إلى ذلك منتخب ألمانياالغربية الذي تُوِّج باللقب القاري عام 1972 ثم أضاف اللقب العالمي الثاني له عام 1974 بفوزه على نظيره الهولندي (2-1) الذي أخفق في المتر الأخير مجددا لأنه كان قد خسر نهائي 1978 أيضاً أمام الأرجنتين (1-3 بعد التمديد). يُذكر أن هذا النهائي هو الثاني للمنتخب «البرتقالي» الذي عاد في جنوب إفريقيا إلى مواجهة اللقب للمرة الثالثة لكنها لم تكن «ثابتة»، علما بأن فرنسا تُوِّجت باللقبين عامي 1998 و2000 لكنها ظفرت باللقب العالمي قبل الأوروبي، وبقيت الكأس في القارة الأوروبية بعد أن تُوجت بها إيطاليا قبل 4 أعوام بفوزها على ضيفتها فرنسا بركلات الترجيح، وفي المقابل غابت منتخبات أميركا الجنوبية للمرة الثامنة عن المباراة النهائية للمونديال بعد أعوام 1934 و1938 و1954 و1966 و1974 و1982 و,2006 فيما غابت عنها المنتخبات الأوروبية مرتين فقط عامي 1930 و.1950 وتقدمت أوروبا على أميركا الجنوبية بعد أن كانت منتخبات القارتين تتقاسم ألقاب النسخ ال18 السابقة للمونديال برصيد 9 ألقاب لكل منها، أميركا الجنوبية: البرازيل (5 مرات) والأرجنتين (مرتين) وأوروغواي (مرتين)، أوروبا: إيطاليا (4 مرات) وألمانيا (3 مرات) وإنجلترا (مرة واحدة) وفرنسا (مرة واحدة)، وأصبحت إسبانيا بالتالي ثامن بطل في العرس الكروي الأهم على الإطلاق. وخالف المونديال الأول في القارة السمراء جميع الإحصاءات «التقليدية»، أولها التناوب بين منتخبات أميركا الجنوبية والأوروبية على رفع الكأس منذ عام 1966 عندما خلف المنتخب الإنجليزي نظيره البرازيلي في رفع الكأس، وعدم فوز الأوروبيين خارج قارتهم، إضافة إلى عدم فوز أي منتخب باللقب بعد أن خسر مباراته الأولى في البطولة وهذا ما حدث مع إسبانيا التي استهلت مشوارها بخسارتها المفاجئة أمام سويسرا (صفر - 1).