'عمرو دوارة' مهووس باللغة المسرحية الكلاسيكية لكنه لا يرفض التجديد، يراهن على الأقلام العربية بثقة كبيرة ويتطلع من خلالها لمسرح عربي جاد يحمل ذاكرة العرب وامجادهم، ويرى في النقد المسرحي وسيلة للارتقاء بالفن الرابع. هو المخرج والناقد المسرحي المصري الدكتور ''عمرو دوارة''، إلتقيناه على هامش المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالعاصمة فكان لنا معه هذا الحوار. ------------------------------------------------------------------------ ما تقييمكم لحركة المسرح في الوطن العربي؟ ------------------------------------------------------------------------ الحقيقة وبمنتهى الموضوعية هناك محاولات جادة من أجل النهوض بالمسرح العربي، الوطن العربي يحتضن عددا كبيرا من الكتاب المتميزين في سوريا والعراق وتونس والمغرب وحتى الجزائر فقد كان لي شرف مواكبة فعاليات تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية، وشاهدت عروضا جد متميزة، وما زاد من إعجابي هو نقل العروض الى المسارح الجهوية، شيء رائع الاهتمام بالجمهور الجهوي ظاهرة نادرة ومفقودة في الدول العربية، ففي مصر مثلا العاصمة تستحوذ على النجوم وأكبر الفرق الفنية، على خلاف الجزائر التي وجدت فيها نجوما كبارا وفرقا كبيرة عبر مختلف الولايات. الظاهرة الأخرى التي استوقفتني هي الإقبال الكبير للجمهور الجزائري على مشاهدة العروض حيث امتلأت به قاعات المسرح بشكل ملفت للنظر، وأنا اعتقد أنها ظاهرة جميلة جدا تحتاج فعلا إلى التشجيع والاستمرار في تقديم العروض المسرحية طوال السنة. على غرار الجزائر تتميز القاهرة عن باقي الدول العربية بعروضها المسرحية المكثفة المبرمجة على مدار السنة. وأتمنى أن تبقى الجزائر وفية في برمجتها الفنية للعروض المسرحية على نفس الوتيرة خلال السنوات القادمة، واعتقد أن هذا يثري الحركة الفنية. ------------------------------------------------------------------------ تتفاءلون خيرا بالحركة المسرحية في الجزائر؟ ------------------------------------------------------------------------ - أتابع المسرح الجزائري بصورة جيدة جدا، ويمكنني أن أجزم أنه أصبح يمتلك خصوصية تعتمد أساسا على حفاظه على الهوية العربية مع الاستفادة من التجارب الأوروبية، وهذا ممتاز لأنه يسقط التجارب الأوروبية من سينوغرافية وإخراج وبعض النصوص العالمية ويعيد صياغتها بصورة عربية للمشاهد الجزائري وأنا أعتقد أن هذا الأمر يعد نقطة تحول وتفوق للمسرح الجزائري. ------------------------------------------------------------------------ لاحظنا خلال السنوات الأخيرة طغيان العامية على الأعمال المسرحية العربية وابتعاد الكتاب في هذا المجال عن الفصحى. ما رأيكم في هذه الظاهرة؟ ------------------------------------------------------------------------ - أنا شخصيا أعتز بعروبتي لأنني قومي وأقتنع تماما أن كل الحواجز العربية ستزول من خلالنا. مبدئيا كفنانين ومثقفين، اللغة العربية هي جواز المرور بين جميع الحدود حين نحرص على تقديم عروضنا باللغة العربية، فهي لغة القرآن الكريم ولغة الشعر في ديوان العرب القديم. لغة تتميز بثراء مفرداتها. وأنا في مصر أطالب باستمرار بتقديم عروض باللغة العربية الفصحى وخاصة مع الأطفال الذين اعتبرهم رجال الغد، وبالتالي أتمنى أن يكون هناك اهتمام بهذه اللغة. ------------------------------------------------------------------------ ألا تعتقدون أن العامية تبقى الأكثراستيعابا لدى الجمهور؟ ------------------------------------------------------------------------ - حاليا هناك من يرى أن لغة الجسد والحركة هي الأقرب، أما أنا فأرى أن العرض وفكرة العرض هي التي تفرض الشكل، عندنا عدة تجارب في مصر باللغة الفصحى وبالشعر ومع ذلك نجحت نجاحا كبيرا وبالتالي فتوظيف جرس اللغة العربية مهم جدا لكنها قد تصبح بعيدة عن الجمهور إذا قام بإلقائها ممثل لم يتدرب عليها بالشكل المطلوب وبالتالي فضعف الإلقاء قد يؤثر على المتلقي. ------------------------------------------------------------------------ هناك من يرى أن ثمة فوارق عديدة بين المسرح المغاربي والمسرح المشرقي. مارأيكم؟ ------------------------------------------------------------------------ - أنا أرى أن عاداتنا واحدة وتقاليدنا واحدة والمسرح هو مرآة المجتمع، بدليل أن الجزائر تقدم وبصفة مستمرة أعمالا مصرية وسورية وعراقية وفي مصر قدمنا ''كاتب ياسين، ومصطفى كاتب''، كما ينشر في المجلات المسرحية بمصر مقالات للناقد الجزائري مخلوف بوكروح ولصالح لمباركية.. وأنا سعيد جدا بهذا التزاوج بين النقاد العرب والتلاقي بينهم ضمن الفضاء المسرحي. ------------------------------------------------------------------------ وماذا عن ترجمة النصوص الغربية التي أصبحت تحتل الصدارة في مختلف المسارح العربية؟ ------------------------------------------------------------------------ - الحقيقة أنا لست ضد الترجمة لأن المسرح إنساني، المهم أن تكون الترجمة بصورة جيدة. ليس كل ما يترجم يتطابق بالضرورة مع عاداتنا وتقاليدنا، فاليوم مثلا هناك عروض تقدم تحت اسم ''السايكودراما'' لا تتماشى مع عاداتنا وتقاليدنا. بالنسبة لقضية الترجمة أعتقد أنه علينا أن نترجم ما يناسبنا كعرب. علينا أن نعي كعرب أن لدينا تحديات كبيرة جدا لابد أن نقدم ما يمس المجتمع وينهض به وما يؤهله للمشاركة في التنمية، وأظن أن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بالخطاب المسرحي. ------------------------------------------------------------------------ هل صحيح أن محلية النصوص العربية حالت دون وصولها إلى العالمية؟ ------------------------------------------------------------------------ - إطلاقا في تصوري نحن نملك عددا من الكتاب فرضوا أنفسهم على الساحة العالمية حين أتيحت لهم الفرصة ليس ''نجيب محفوظ'' في الرواية فقط بل لدينا توفيق الحكيم، ألفريد فرج، محمود دياب وهم كتاب مازالت نصوصهم تقدم إلى يومنا هذا، أما في سوريا فيمكن أن نتحدث عن علي عقلة عرسان، وليد اخلاصي، عبد الفتاح قلعاجي ..، أيضا كاتب ياسين ومصطفى كاتب في الجزائر كانت أعمالهم تقدم في الستينيات في مصر، لكن تبقى المسألة متعلقة بكيفية ترجمة النصوص وكيفية تقديم العروض. ويبقى أيضا على الممثلين العرب توحيد جهودهم وتنمية خبراتهم . ------------------------------------------------------------------------ في رأيك هل يمكن إقحام المسرح في خدمة بعض القضايا التي هو في غنى عن خدمتها؟ ------------------------------------------------------------------------ قد يوجه المسرح من قبل السلطات لكن الفنان الحقيقي هو القادر على رفض كل ما يتعارض مع واقعه، الفنان بطبيعته معارض، ولكن أهم شيء هو أن يعي هذا الأخير أن مهمة المسرح مخاطبة عقل الجمهور وتنمية وعيه وإدراكه وتعامله مع الأمور. ------------------------------------------------------------------------ إلى أي مدى يمكن الاعتماد على النقد في الارتقاء بظاهرة المسرح ؟ ------------------------------------------------------------------------ - النقد مهم جدا لكن لابد للناقد أن يقوم بدوره في التوجيه، ليس من خلال الهجوم فحسب كما يرى البعض لأن النقد يعني ذكر الإيجابيات أيضا. الناقد هو عين الجمهور يمكنه تثمين العمل الجيد والهجوم على الأعمال الرديئة، وبالتالي يقوم بدور مهم في ترقية ذوق الجمهور. أيضا أرى أن الموضوعية مطلوبة جدا لدى الناقد، كما يجب أن يكون متمكنا من مفرداته المسرحية وأدواته النقدية.