ما قيمة الحياة التي نعيشها نحن البشر؟ حياة خلق الله فيها الإنسان وحده دون غيره من المخلوقات متميزا، حيث أكرمه العقل والفكر وأوجده ناضجا، لحكمة إلهية أرادها الله في هذا المخلوق البشري، ذلك ما ميزه عن غيره من المخلوقات وما أراده الله كذلك إلا ليبدع ويخترع ويصنع فيبرز دوره في الحياة، ليحيا كإنسان عاقل قادر على التفكير يستخدم نظم التواصل للتعبير عن الذات، لا يجب أن يمر عبر هذه الحياة دون أن يترك بصماته، ولو في بناء حائط أو غرس شجرة أو كتابة حرف منقوش على حجر، وإلا ما قيمته هذه الحياة التي يحياها الإنسان وبدون ذلك ما الفرق بين الإنسان وبين المخلوقات الأخرى أو لنقول الحيوانات التي تأكل وتتناسل مثلها مثل الإنسان فالفرق الوحيد بينهما هو العقل والفكر والإبداع وتطوير الذات والآخر. لقد كان الطاهر وطار أديبا وكاتبا مبدعا بفكره الثري خدم الذات والآخر، حين وظف عقله واجتهد، فترك لنا إرثا ثقافيا غنيا لو نثر على الثرى، لخرجت حبات الإبداع بدون مطر، فهو الغيث وهو الربيع الدائم المزدهر، ما تركه لنا الطاهر وطار ليس رحيقا نتغذى به وحسب، بل رسالة نعتز ونفتخر بها نحملها بيننا بين ثنايانا وفي عقولنا، وان ثقلت لأمانتها ففيها فكر نير وإبداع متميز ننهل منه نحن والأجيال القادمة. نعم حق علينا أن نتفق ولا نختلف، ويتفق الجميع على أن الطاهر وطار ترك لنا إرثا ثقافيا لا تسعه الجزائر وحدها، بمدنها وقراها وجبالها وأوديتها وأنهارها وبحارها ولا تسعه معها كل الأرض العربية، من طنجة إلى رأس الخيمة بل وزاد فكر وإبداع هذا الرجل، وامتد إلى كل بقاع العالم، أينما وجد الإنسان القارئ الذي أكرمه الله العقل والفكر ليتقبل إذا قرأ ما كتبه قلم الطاهر وطار، وما أبدعه فكر الرجل، نعم لقد ترك لنا الرجل فكرا عم العالم وحبرا متدفقا لن يجف ومرور الزمن يشبع نهم القراء، باختصار شديد والذي لا يمكن أن يختصر به الفكر المديد لهذا الرجل الذي شاء الخالق أن يختصر حياته حين طارت روحه إلى خالقها ،فان خطوط الحبر وتركة الرجل من الإبداع والفكر لا ولن تندثر. لم يكن الطاهر وطار أديبا وكاتبا مبدعا فقط، لم تختصر حياته الإبداعية في الكتابة وحسب، بل كان أيضا رجلا مناضلا كبيرا وصلبا، لكونه من الرعيل الذي اصطدم في شبابه بالاستعمار أو ظاهرة الكولونالية التي ضربت الجزائر الوطن وسائر الوطن العربي، فنمت في فكره وعقله ومنذ الصغر فكرة مقارعتها لاقتلاع هذه الشوكة التي غرست في الجسد الواحد للأمة، وذلك بمواجهة مدارسها وفكرها فكان من أوائل المدافعين عن اللغة العربية خلال وبعد الاستقلال، نعم باختصار لقد كان الطاهر وطار أديبا ومناضلا وقل شهيدا يحيا إن شئت فقد شاءت الأقدار وليس صدفة أن يدفن الرجل في مربع الشهداء، فهو من أهلها ولم يكون ذلك غريبا كما استغربت أنا ذات يوم عندما فاجأني احد الأصدقاء العرب وقال لي أن الطاهر وطار شهيدا حسب اعتقاده وهو ليس اعتقاده وحده، بل اعتقاد العديد من الإخوة العرب كما هو الاعتقاد السائد حول المجاهدة جميلة بوحيرد الشهيدة الأخرى التي تحيا بيننا، و سيظل عمي الطاهر أيضا حيا بيننا بفكره وإبداعه وجرات قلمه المستقيمة وان طارت روحه إلى خالقها، نسأله أن يتغمدها بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته.