بعد أشد الأوقات ظلمة يطلع الفجر ، وحين تشتد الكربات يقترب الفرج وحين يتملك النفوس اليأس من شدة العسر وتأخر النصر ومعاندة المكذبين ومحاربتهم يمن الله بالروح والتنفيس عن المؤمنين والتمكين لهم كما قال تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف:110) وكما قال عز وجل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح:5-6) وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: '' واعلم أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا. إن صاحب الثقة بالله تعالى لا يهتز يقينه ولا يتزعزع إيمانه حتى وإن رأى تكالب الأمم واشتداد الخطوب؛ لأنه يعلم أن الأمر كله لله تعالى،وأن العاقبة للحق وأهله، وأن المستقبل لهذا الدين:(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:21) إن هذا اليقين بنصر الله كان واضحا جليا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى في أشد اللحظات وأحرج الساعات ، فحين شكا إليه بعض أصحابه رضي الله عنهم اشتداد أذى المشركين كان يقول لهم: '' والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون''. وحين أخرج من بلده مهاجرا ودخل هو والصديق رضي الله عنه الغار ولحق بهما المشركون خشي عليه الصديق رضي الله عنه حتى قال : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: '' يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما''. وقد ربى أصحابه رضي الله عنهم على هذه العقيدة المباركة فانطلقوا في الأرض هداة دعاة حتى إن أحد المسلمين حين وقع في أسر الكفار قال له كبيرهم: ما الذي جاء بكم؟ فقال الأسير المسلم: جئنا لتحقيق موعود الله،قال وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات ، والظفر لمن بقي... كما تجلت آثار هذه العقيدة في أحلك المواقف ، فحين أغارت قريش على المسلمين في المدينة في غزوة الأحزاب فحاصروا المسلمين واشتد الكرب حتى غمز المنافقون المسلمين ، وطعنوا في وعد رسول الله بالتمكين فقالوا:كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ، لكن المؤمنين كان لهم موقف آخر سطره القرآن وأشاد به ، فقال الله عز وجل: (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب:22).