عرف بإتقانه لتلاوة الذكر الحكيم وحرصه على الإتيان بكلماته بأفصح منطق وأعذب تعبير من خلال اعتماده على المخرج الصحيح لحروفه دون تحريف أو تغيير مع إعطائه حقه من صفاته الذاتية اللازمة من جهر وشدة واستعلاء واستفال، صوته هذا دخل آلاف بيوت الجزائريين عبر آذان الصلوات الخمس الذي يبثه التلفزيون الجزائري، هو الشيخ ومؤذن الجمهورية رياض الجزائري الذي استقبلنا في بيته بصدر رحب، وكان لنا معه هذا اللقاء الذي تطرق فيه إلى رحاب أحكام تجويد القرآن وتفسيره والشروط الواجب توفرها في مقرئ القرآن والمؤذن وآمور أخرى تكتشفونها في ثنايا هذا الحوار. كيف كانت بداياتك مع تجويد القرآن؟ - بسم الله الرحمان الرحيم، أولا قبل الخوض في موضوع تجويد القرآن والآذان أحب ان اذكر بأني كنت من المولعين بالطرب العربي الأصيل، وعلى وجه الخصوص كوكب الشرق أم كلثوم، كما كنت أتذوق الموسيقى الأندلسية والمدائح الدينية المميزة التي تغنى أصحابها بالخصال الحميدة والأخلاق العالية التي طبعت شخصية نبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه أجمعين. وأتذكر خلال فترة الثمانينات كان التلفزيون الجزائري حريصا على بث قبل افتتاح القناة آيات بينات من الذكر الحكيم بصوت المقرئ المصري الراحل ذي الصوت الملائكي الدافئ عبد الباسط عبد الصمد وكنت شديد التتبع لأدائه ودؤوبا على مواظبة الوقت لاستغلال صوته يوميا، مما ترك بداخلي أثرا بالغا وزلزل كياني النفسي، ولشدة إعجابي بصوته وأدائه الجميل جعلني أتخذه قدوة لي في مجال التجويد، ورحت أقلد صوته الرنان وكلي أمل أن أكون مثله في يوم ما، وهذا الأمر بات حلما ورديا يراودني وطبع مخيلتي وصار بالنسبة لي هدفا لا بد من بلوغه، ومن هنا كانت الانطلاقة نحو طريق البحث في ملكوت التجويد ومنه إلى ميكروفون الآذان للصلاوات الخمس التي ترفع يوميا على مسامع الجزائريين عبر قناة التلفزيون الجزائري. ما سر نجاحك؟ - فضل الله علي ودعوات أمي رحمها الله لي ورضاؤها عني هما سر نجاحي، إذ قبل أن تفارق هذه الحياة وتنتقل إلى جوار ربيها كانت تدعو لي وتقول ''يا ولدي جعلك الله كالشيخ عبد الباسط عبد الصمد'' وأظنها دعوة سارية المفعول، والحمد الله نلت ما كنت أتمناه، واستطعت أن أجد مكانا لائقا في بيت الله، وأرجو أن أنال رضى الله عز وجل. أما والدي فقد توفي وعمري لا يتجاوز العاشرة، الرحمة لجميع موتى المسلمين. من المعروف أن لتجويد الذكر الحكيم أحكامه وشروطه. هل أنت خريج مدرسة ما؟ - للأسف الشديد لا يوجد في الجزائر مدارس خاصة لتعليم المقامات القرآنية او لتكوين حفظة القرآن الكريم في مجال التجويد، كما هو الحال في بعض الدول الإسلامية كماليزيا مثلا التي تحوي على مدارس خاصة تقوم بتلقين طلابها قواعد وضوابط وأسس أحكام القرآن الكريم. بالنسبة لي التجويد موهبة من عند الله تعالى وما يتعلق بمسألة الآداء أظن أننا بحاجة إلى تدريب الصوت على أداء معين. على يد من تلقيت أحكام القرآن الكريم؟ - كان ذلك على يد المقرئ الشيخ منير زايدي المتواجد الآن في كندا والذي أجازني في رواية حفص والشيخ محمد يحي الشريف وبفضلهما تمكنت من معرفة أصول تلك القواعد التي تضبط أحكام التجويد. اختيارك كمؤذن الجمهورية هل كان على أساس مسابقة؟ - إن اختياري كمؤذن في التلفزة الوطنية لم يكن على أساس مسابقة قمت بها إنما تلقيت اتصالا من رئيس البرمجة الدينية بهذه المؤسسة وهو عمر بن زكة حيث طلب مني تسجيل خمسة أنواع من الآذان بصيغ مختلفة، فكان من بينها آذان متفرد لا يشبه بقية الصيغ المعروفة في العالم الإسلامي، حيث قمت باستحداث صيغة آذان جديدة وأكسبته صبغة جزائرية بحتة تميزه عن بقية الدول الإسلامية الأخرى، فحين تستمعين إلى أنواع الآذان التي ترفع على القنوات الفضائيات تلاحظين أن المؤذن يقلد بعض الأصوات المعروفة، بينما أرى أنه من الضروري أن يكون الآذان بنكهة جزائرية أصيلة حتى يميزه عن بقية الآذان الاخرى. وكيف وقع الاختيار على هذا النوع من الآذان بالضبط؟ - لما قمت بتسجيل كل أنواع الآذان المطلوبة كان من بينها هذا الذي يرفع على التلفزة إيذانا بالصلوات الخمس فلاحظوا الفرق الموجود بين هذا الاخير وغيرها. لما سمع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي كان يتابع باستمرار الآذان الذي كان يرفع من قبل على التلفزيون الجزائري أعجب به، وقيل لي أن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قد وقع اختياره عني كمؤذن. هل كانت لك محاكاة مع القراء الموجودين في العالم الإسلامي؟ - كان لي الشرف أن التقيت مع الشيخ أحمد عامر نقيب القراء في الشرقية، كما كان لي عظيم الشرف أيضا أن التقيت مع الشيخ أبو العينين شعيشع وهو نقيب المقرئين في مصر الذي أعجب بقراءتي أيما إعجاب، لأنه كان قد استمع إلى شريط كنت قد أهديته إلى الشيخ أحمد عامر حين كنت في إيران، حيث قمت فيه بتقليد الشيخ شعيشع وأعجب بصوتي كثيرا، ودعاني إلى مصر قائلا ''أرجو أن أراك بمصر حتى أقدمك إلى الشعب المصري المتشوق إلى سماع أبو العينين شعيشع الجديد'' هذه العبارة أثلجت صدري وتمكنت بحمد الله تعالى من لقاء الشيخ شعيشع، حيث عرض علي تلاوة القرآن على أمواج الإذاعة المصرية، وهذا اللقاء أخمد نار جمرة حرقتي بسبب عدم تمكني من ملاقاة المرحوم عبد الباسط عبد الصمد الذي وافته المنية سنة 1988 هل سبق لك وأن شاركت في مسابقات خاصة بتجويد القرآن الكريم؟ - نعم لقد شاركت في المسابقة الدولية لتجويد القرآن التي نظمتها جمهورية إيران الإسلامية سنة ,2006 ورشحت على إثرها للمرتبة الثانية لأن أعضاء لجنة التحكيم التي تتكون من ماليزيين وليبيين ومصريين وأنودنيسيين ومغربيين أجازوني ومنحوني المرتبة الثانية وبعدها مباشرة استدعيت إلى قناة الكوثر وحاوروني على المباشر. ما هي الدولة الإسلامية التي تثير فضولك وترغب في زيارتها؟ - لقد قمت في جانفي الفارط بزيارة إلى جمهورية مصر العربية رفقة الإمام الخطيب عبد الله كشاوي، ومن محض الصدفة أنه توفي أحد القراء المعروفين بمصر وهو الشيخ شحات أنور حيث قرأت في ميتمه مع كبار القراء، بحضور إذاعة مصر، وكانوا يقولون لي والله يا شيخ لقد شرفت الجزائر، ومنهم من كان يردد تحيا الجزائر، صراحة تركنا انطباعا جميلا بمصر، كما زرت جمهورية إيران الإسلامية حيث شاركت في مسابقة دولية للقرآن العظيم، وأود زيارة دولة ماليزيا وهي الدولة الإسلامية التي تعاظم فيها الإسلام. كيف استقبلت الإشاعة التي ترددت مفادها أن المغني محمد لمين هو مؤذن التلفزيون الجزائري؟ هذا الخبر نشرته إحدى جرائدنا الوطنية وروجته أوساط المجتمع الجزائري، بعدها بيوم قام السيد عمر بن زكة بمراسلة تلك الجريدة التي أذاعت الخبر وفند تلك الإشاعة، وقال لهم إن المؤذن هو رياض الجزائري وليس المغني محمد لمين، وأنا شخصيا لم أتلق أي أجر مقابل تسجيلي لذلك الآذان، إنما نويت أجره لوالدي الكريمين رحمهما الله. ما هي المعايير الواجب توفرها في القارئ والمؤذن برأيك؟ وهل الصوت كاف لأن تكون مؤذنا؟ - أولا أن يكون الانسان مخلصا لله تعالى ويكون متواضعا للناس، ''اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه''، ومن شروط المؤذن أن يكون عارفا بأحكام القرأن والآذان معا. هل سبق وأن فكرت في استغلال صوتك في تقديم المدائح الدينية؟ - قبل 4 سنوات كنت قد أديت ابتهالات الجنريك لحصة تلفزيونية المعنونة ب ''أهل الكهف'' والتي كانت تبث خلال أيام رمضان، كما كانت لي الفرصة في تلاوة سورة الكهف كاملة، أما فيما يخص المدائح الدينية فإن وجدت لحنا مميزا وكلمات هادفة فلا أظن أنني أرفض الفكرة. كلمة أخيرة. - أتمنى أن تقوم الجهات الوصية بإنشاء مدارس خاصة تدرس المقامات القرآنية على غرار مدارس تعليم القرآن ومعاهد القراءات، علما أن المسابقات الدولية تعتمد على المقامات في تجويد القرآن، وهناك سبع مقامات جمعها العلماء في بيت واحد وهي الصاد أي مقام الصبا والنون مقام النهاوند، الباء مقام البيات والسين مقام السيقا، والحاء مقام الحجاز، وراء مقام رست، ومن العلماء من أضاف مقام الكرد، وهذه المقامات يجب أن يتقيد بها مجود القرآن حتى يتقنها بإحكام مع مراعاة أحكام القرآن. كما أناشد أيضا وزارة الشؤون الدنية والأوقاف أن لا تترك الأصوات القرآنية تذهب هدرا، وأن تتبناهم باعتبارهم العمود الفقري في التجويد في الجزائر، لأن رسولنا الكريم كان شديد الحرص على أن يؤدى القرآن أو الآذان بالصوت الجميل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن: ''ليس منا من لا يتغنى بالقرآن'' وفي حديث آخر ''زينوا القرآن بأصواتكم''، ونفس الشيء بالنسبة للآذان، كما أن الرسول الكريم قال لعمر بن الخطاب حين قص عليه نبأ المنام الذي رآه والذي يدور حول من يؤدي الآذان لجمع المسلمين في وقت واحد فبمجرد أن سمع محمد صلى الله عليه وسلم منه ذلك قال لعمر إلقه على بلال بن رباح لأنه أندى منك صوتا فلماذا لم يقل له أذن أنت يا عمر؟ لأنه يرى ما في الصوت من وقع كبير في النفس، فلماذا نحرم صاحب الصوت من القراءة والتجويد.