قبل الانتخابات البرلمانية التي تجري في مصر وقعت اشتباكات بين الشرطة والمنافسين الإسلاميين للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم لكن مع ذلك لا تساورهم أي أوهام بشأن نتائج التصويت. ويهيمن الحزب الوطني الذي يتزعمه الرئيس حسني مبارك على الحكم منذ عقود. ولن تخفف الانتخابات القادمة قبضته على السلطة. كما تجري مصر ثاني انتخابات رئاسية تعددية العام المقبل لكن حتى لو لم يرشح مبارك نفسه فمن غير المتوقع أن تجري انتخابات ديمقراطية في أكبر الدول العربية سكانا. فالمعارضة ضعيفة ومنقسمة على نفسها وتلاحقها الدولة التي تهرع قواتها الامنية الضخمة لسحق أي تحد في الشوارع. اما العمال الساخطون الذين يسعون الى زيادة أجورهم الهزيلة ونشطاء الانترنت هم أعلى منتقدي الحكومة صوتا. وجماعة الاخوان المسلمين وهي أقوى حركة معارضة -إذ هيمنت على خمس مقاعد البرلمان- محظورة رسميا ويخوض أعضاؤها الانتخابات كمستقلين. ودفعت الجماعة هذه المرة بعدد أقل من المرشحين وتتوقع أن تخسر الكثير من المقاعد التي تشغلها في البرلمان وعددها 88 . وكتبت صحيفة المصري اليوم هذا الأسبوع ''اشتعال حرب المسيرات والتصريحات بين الاخوان والوطني'' بعد أن اشتبك أنصار الاخوان مع الشرطة. واعتقل العشرات في الفترة التي تسبق الانتخابات.ولم يطرأ على المشهد السياسي المصري تغيير يذكر منذ تولي مبارك الرئاسة عام 1981 بعد أن اغتال اسلاميون سلفه الرئيس أنور السادات. ويخلق هذا الجمود حالة عدم يقين خاصة به.فمبارك عمره الان 82 عاما وجددت الجراحة التي أجريت له في المرارة في مارس تساؤلات حول صحته وأثارت جدلا بشأن من سيكون الرئيس التالي لمصر في غياب أي خليفة مرشح وعدم تعيين نائب للرئيس. ولم يتضح بعد كيف ستعمل المرحلة الانتقالية. وسيكون للجيش الذي قدم كافة الرؤساء المصريين حتى اليوم دور رئيسي لكنه لا يعدو أن يكون واحدا من مراكز قوة عديدة متنافسة. ومن بين مراكز القوة الاخرى جهاز الامن والحزب الحاكم ودائرة مبارك المقربة من المستشارين والتكنوقراط الذين يعملون على تحرير الاقتصاد ونخبة من رجال الاعمال أصحاب النفوذ. ويؤكد المسؤولون نزاهة جميع الانتخابات. لكن أي انتخابات رئاسية مقبلة قد لا تزيد عن كونها مباركة للخليفة الذي ستختاره المؤسسة الحاكمة بأي الية غير شفافة. اعتقالات جماعية وأعمال ترهيب.. تثير التساؤلات حول نزاهة النتائج قالت هيومن رايتس ووتش إن السلطات المصرية أجرت عمليات اعتقال جماعية تعسفية وفرضت قيوداً بالجملة على الحملات الانتخابية مع اللجوء إلى ترهيب مرشحي ونشطاء المعارضة، في الأسابيع السابقة على الانتخابات البرلمانية في 28 نوفمبر ,2010 وترى هيومن رايتس ووتش أن هذا القمع يجعل من غير المرجح انعقاد انتخابات حرة ونزيهة. تقرير ''الانتخابات في مصر: حالة الطوارئ الدائمة لا تتفق مع الانتخابات الحرة والنزيهة'' الذي جاء في 24 صفحة، يوثق المعايير المبهمة وغير الموضوعية الواردة في قانون الأحزاب السياسية المصري والتي تسمح للحكومة والحزب الحاكم بإعاقة تشكيل الأحزاب السياسية الجديدة. و تخضع مصر لقانون الطوارئ منذ عام ,1981 وهو القانون الذي منح مسؤولي الأمن صلاحيات مطلقة في حظر أو تفريق المسيرات والمظاهرات والتجمعات العامة المتعلقة بالانتخابات، أو احتجاز الأفراد دون أجل مسمى ودون نسب اتهامات إليهم. بالنسبة لهذه الانتخابات، على النقيض من انتخابات السنوات العشر السابقة، قيدت الحكومة كثيراً من الإشراف القضائي المستقل، إثر تعديلات دستورية طرأت عام 2007 تعرضت بموجبها الحريات السياسية للمزيد من التآكل. وقد رفضت الحكومة الدعوات بوجود مراقبين دوليين، مع إصرارها على أن منظمات المجتمع المدني المصرية هي التي ستضمن الشفافية. إلا أنه حتى 24 نوفمبر ، لم يكن التحالفان الأساسيان من منظمات المجتمع المدني المعنية بمراقبة الانتخابات، قد حصلا على أي تصريح بالمراقبة من التصاريح ال 2200 التي تم طلبها لمراقبة عملية التصويت وفرز الأصوات. وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: ''هذا المزيج من القوانين التقييدية وأعمال الترهيب والاعتقالات التعسفية، يجعل من الصعب للغاية على المواطنين اختيار نوابهم في البرلمان بحرية. القمع الحكومي يضيق كثيراً من احتمالات انعقاد انتخابات حرة ونزيهة بداية الأسبوع القادم''. ولا تقوم هيومن رايتس ووتش بمراقبة عملية الاقتراع أو فرز الأصوات في الانتخابات المصرية. وكما فعلت في أماكن أخرى من العالم، فاهتمامها مقتصر على توثيق الانتهاكات الممنهجة للحق في حرية التعبير وحرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات - وهي حقوق أساسية ولا غنى عنها من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة.الاعتقالات الجماعية بحق نشطاء المعارضة واعتراض سير الحملات الانتخابية فمنذ إعلان الإخوان المسلمين في 9 أكتوبر أن أعضاء الجماعة سينافسون على 30 في المائة من مقاعد مجلس الشعب بصفة مستقلين، قامت قوات الأمن بالقبض على المئات من أعضاء الجماعة، وأغلبهم مؤيدين للمرشحين كانوا يوزعون مطبوعات أو يعلقون لافتات للمرشحين. في 24 نوفمبر قال عبد المنعم مقصود، محامي ا الجماعة، ل هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن قبضت على 1306 عضواً من الإخوان المسلمين حتى الآن، منهم خمسة مرشحين، وأنه تم عرض 702 عضواً على النيابة، مع الإفراج عن البقية واعتقال اثنين آخرين تحت قانون الطوارئ. وتقول الحكومة بأن أنشطة الجماعة تخرق القوانين المصرية التي تحظر النشاط السياسي من منطلق ديني. وبموجب القانون الدولي، فإنه لا يمكن الحد من حرية التعبير أو حرية تكوين الجمعيات إلا في حالات استثنائية مُعرفة، متعلقة بالحفاظ على النظام العام، ويجب أن تكون القيود متناسبة مع الحاجة للتقييد. والحظر على أي منظمة لمجرد مواقفها السياسية، وحقيقة أنها تستخدم الدين أو تتبنى مبادئ دينية، ليس بالسبب المشروع للحد من حرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.ويحق للحكومات أن تفرض الحظر على الأحزاب التي تستخدم العنف أو تروج لاستخدامه، لكن مزاعم الحكومة في هذا الشأن تحتاج إلى إثبات عملي قوي. فضلا عن أن بإمكان السلطات القبض على الأفراد المسؤولين عن أعمال إجرامية معينة واحتجازهم، لكن ليس لمجرد عضويتهم في أو دعمهم لمنظمة سياسية قررت الحكومة أن تعتبرها غير قانونية. حقيقة المشهد الانتخابي مع ارتفاع حرارة الحملات الانتخابية المصرية لبرلمان 2001 2015 رغم كلّ دعوات المقاطعة التي انتهت إلى «لا شيء». وبدا المشهد الانتخابي في أيامه الأولى يعكس الواقع السياسي المصري. حزب حاكم مسيطر فشل في جذب الشعب إلى صفه، ولذلك يستخدم كلّ الأدوات الحكومية، وخصوصاً القوات الأمنية والشرطة، لشلّ حركة المعارضة الحقيقية ومنعها من الوصول إلى الجماهير أو التواصل معهم. إلى جانب ذلك، لا يشعر المواطنون ولا المراقبون بأحزاب المعارضة الرسمية التى يريد النظام إخراجها من غرفة العناية المركزة. ولا وجود شعبياً لهذه الأحزاب بين الناس ولولا ما يصدر عنها من صحف، لما شعر بها أحد. ويقول الخبراء ان مشاركة الإخوان أحرجت النظام المصري بقوّة، إذ مثلت تحدياً شعبياً حقيقياً، ولذلك بدا عصبياً ومتوتراً رغم كل محاولاته إنهاء الانتخابات الحالية بأقل خسائر ممكنة. لقد سارع إلى استخدام آليات عدة للهروب من استحقاق انتخابي مهم. وقال متابعون للشان المصري بأن النظام حاول إرهاب كلّ وسائل الإعلام لمنع نقل المشاهد الانتخابية، فقيّد حركة طواقم القنوات الإخبارية ولم يعط تراخيص بالبث المباشر أو بالتصوير الخارجي. أغلق العديد من القنوات الفضائية لإرهاب باقي القنوات الخاصة وظهر ذلك واضحاً في برامج «التوك شو» الليلية التى لم تبد أي اهتمام بالانتخابات الحالية وهربت إلى مواضيع أخرى جانبية وهامشية. إلا أنّ النظام نسي أنّه لا يمكن تقييد الإعلام الإلكتروني، وأنّ الإعلام الفردي واستخدام الهواتف المحمولة يمكن أن يسدّا جانباً من الفراغ وأن يضيئا شموعاً تفضح الانتهاكات. لذلك كان الخبر الرئيسي في القنوات الإخبارية العربية خلال الأيام الأولى من الحملة الانتخابية والدعائية هو الصدامات الدامية بين قوات الأمن التي تحاول بكلّ الوسائل غير المشروعة منع المواكب والمسيرات الانتخابية، وبين مرشحي الإخوان وأنصارهم في كلّ المحافظات تقريباً. هذا يعني أنّها سياسة محددة سلفاً لمنع الدعاية الانتخابية تحت أيّ ذريعة. ثانياً، حدّد النظام فترة الدعاية بأقل من أسبوعين، وهى فترة غير كافية لمجرد استخراج تصاريح وإعداد أية مؤتمرات انتخابية. ونسي النظام أنّ القوى الشعبية الموجودة في الشارع وبين الناس، لا تحتاج إلى مدى زمني طويل، لأنّها على اتصال دائم ومستمر بالجميع، عبر المساعدات المالية والأنصار. لذلك، ما إن بدأت الحملة الرسمية في المواعيد المحددة حتى فوجئ النظام بقوة الحملات الانتخابية للإخوان، فظهرت النيات الحقيقية بالتصدي العنيف لأيّة مظاهر دعائية، بتمزيق اللافتات وطمس الملصقات، ومطاردة موزعي البرامج، واعتقال المئات، ومنع المواكب والمسيرات. أحرجت مشاركة الإخوان لانها أكبر تيار معارض في مصر النظام المصري الذي بدا متوتّراً رغم كلّ محاولاته لإنهاء الانتخابات بأقل خسائر ممكنة ثالثاً، قام استخدم النظام وسيلة عجيبة لمنع ترشيح المواطنين من الإخوان والمستقلين، وذلك عند فتح باب التسجيل للمرشحين عبر منع دخول المواطنين إلى مقر اللجان التى أعدّت في مديريات الأمن. كما شطب بعض المرشحين، كما اعتقل نواباً حاليين أثناء الدعاية في انتهاك واضح وصريح لكلّ القواعد القانونية والأعراف البرلمانية وفي إهدار متعمد للأحكام القضائية. رابعاً، أصبح واضحاً للعيان أنّ اللجنة العليا للانتخابات لجنة شكلية لا إمكانات لها وتقوم بدور المحلل للإدارة العامة للانتخابات في وزارة الداخلية. وهذه الأخيرة تمسك بخيوط الانتخابات كلّها بين يديها، من كشوف الناخبين إلى تحديد مقار اللجان الفرعية والعامة، وانتهاء بفرز الأصوات وإعلان النتائج التي يقررها النظام ولا يستطيع تغييرها. وبذلك تغيب الإرادة السياسية الجادّة لإجراء انتخابات شبه نزيهة في ظلّ غياب الإشراف القضائي التام على الانتخابات بعدما تمّ تجاوز حكم المحكمة الدستورية العليا بتعديل المادة 88 من الدستور. وإذا تعاظمت تلك الإرادة الشعبية مع الوقت، وانتشرت من مكان إلى مكان، فسيصبح النظام وقوات الأمن في مواجهة دامية مع الشعب، ما يؤذن بدخول البلاد إلى مرحلة جديدة من الحراك السياسي . بشار الى ان النظام المصري رفض كلّ جرأة أيّ رقابة دولية حتى لو كانت من الأممالمتحدة. وإذا كان رفض التدخل الأجنبي مبدأ مستقراً بين جميع القوى الوطنية، فإنّ غياب الإرادة السياسية لحرية الانتخابات ونزاهتها، ومنع الرقابة المحلية والتعتيم الإعلامي الواضح، كل هذا يضع الجميع أمام مسؤوليات خطيرة. هل يكون ثمن الانتخابات الحرّة هو الوصاية الدولية على البلاد، ولن يرضى أحد بذلك، أم يكون البديل هو الانتفاضة الشعبية التي قد تقود البلاد إلى فوضى مدمّرة لن يستفيد منها أحد؟ أم يرضخ النظام في النهاية لإرادة الشعب؟