مشروع تعاون بين وزارة العدل والأمم المتحدة    عجال يلتقي رئيس موزمبيق    جلاوي يبدي ارتياحه لوتيرة سير مشاريع قطاعه بتيسمسيلت    وليد يشارك في منتدى الغذاء العالمي بروما    نمو ملحوظ في عدة قطاعات    معارض خاصة بالمنتجات الوطنية في 11 بلدا    السودان.. الحرب تشتعل    صراع الخير والشرّ وسباق الموت والحياة في غزّة    الأكلات الجاهزة.. حرفة لربّات البيوت وحل للعاملات    أفضل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم..    ماذا طلب بن جامع باسم A3+؟    ندوة فكرية بجامع الجزائر    الشبيبة والمولودية من أجل نتيجة إيجابية    كيف يشكل الهاتف تهديداً لذاكرة طفلك؟    أطباء ينصحون بالوقاية والحذر    تكريم رئاسي لأبطال الجزائر    الجزائر تتماهى كلية مع الموقف الثّابت والمبدئي لحركة عدم الانحياز    ترسيخ ثقافة الاعتراف بردّ الجميل لرجال الجيش    تسريع التحاق الأساتذة المتعاقدين بمناصبهم    جريمة دولة وصفحة سوداء في تاريخ فرنسا الاستعمارية    إطلاق أكبر مركز إفريقي للبحث والتطوير بالجزائر قريبا    ضمان وفرة الأدوية والمستلزمات الطبية بصفة دائمة    مخلفات العدوان الصهيوني خطر على حياة سكان غزة    الشعب الصحراوي يرفض مقايضة حقّه في تقرير المصير    تسليم مرافق بريدية جديدة قريبا ببومرداس    التأكيد على ضرورة التكفّل بالنقل والصحة    تسلُّم مسبح نصف أولمبي    رصد الانشغالات اليومية للسكان بتلمسان    المكتتبون يستعجلون منحهم مفاتيح شققهم    موسوعة التعابير القبائلية المتعلقة بالجسد    لوحات جميلة برسومات عميقة    حكايات ناجيات من وجع الذاكرة التي لا تموت    بيتكوفيتش يستخلص الدروس ويحذّر لاعبيه قبل "الكان"    عمورة يتربّع على عرش هدّافي التصفيات    اتفاقية للتكفّل بعمليات زراعة الكبد    افتتاح 3 مراكز للتكفل النفسي واليبداغوجي بالعاصمة    الرأس الأخضر.. لأول مرّة    الجزائر تحتفل بالعودة إلى المونديال    الاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة من أولويات الدولة    بن دودة تقف على وضعية المنصّات الرقمية التابعة للقطاع:ضرورة تعزيز التحول الرقمي في تسيير المرفق الثقافي    الأغواط : ترسيخ الهوية الوطنية عبر الفنون التشكيلية والمرئية    المهرجان الثقافي المحلي للموسيقى والأغنية السوفية : انتقاء 12 فنانا هاويا للمشاركة في الطبعة ال12    محطة للتأسيس لثقافة الحوار والتكامل بين مؤسسات الدولة    تتيح بدائل تمويلية حديثة تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية    "الخضر" ينهون تصفيات المونديال بفوز مثير    التزام بمواصلة العمل لتحسين أوضاع مستخدمي الصحة    فلسطين : الاحتلال الصهيوني يفرج عن 83 معتقلا فلسطينيا    بلجيكا تلغي حفلاً ل"ديستربد":    جيلالي تعرض مشروعي قانونين يتعلقان بالأوسمة العسكرية    وزير الصحة يباشر سلسلة لقاءات تشاورية مع الشركاء الاجتماعيين    تاشريفت يستقبل وفداً    تنظيم مسابقة لالتحاق بالتكوين شبه الطبي    "صيدال" و"نوفو نورديسك" لتطوير أدوية    المجتمع الرقمي له تأثيره وحضورُ الآباء ضروري    الفريق أول السعيد شنقريحة يهنئ المنتخب الوطني بمناسبة تأهله إلى كأس العالم 2026    خديجة بنت خويلد رضي الله عنها    فتاوى : كيفية تقسيم الميراث المشتمل على عقار، وذهب، وغنم    فتاوى : إنشاء صور لذوات الأرواح بالذكاء الاصطناعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجل من التاريخ.. فاتح القدس-1-
نشر في الحوار يوم 16 - 09 - 2008

قل للملوك تنحوا عن عروشكم فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها هذا الذي أخذ الدنيا بسيف الظفر، ثم جاد بها بيد الكرم، هذا الذي روع أوروبة مرتين: مرة حين قهر جيوشها بسيفه، ومرة حين شده نفوسها بنبله. هذا الذي كان النموذج الأتم للقائد المنصور، وكان المثل الأعلى للحاكم المسلم، وكان الصورة الكاملة للفارس النبيل، والمسلم الصادق. وكان المحرر الأعظم؛ حرر هذه البلاد، الشام وفلسطين، من استعمار الأوروبيين بعدما استمر نحوا من مئة سنة.
هذا الذي انتزع من أصدقائه ومن أعدائه، أعظم الإعجاب، وأصدق الحب. وترك في تواريخ الشرق والغرب أكبر الأمجاد، وأعطر السجايا، وكان اسمه من أضخم الأسماء التي رنت في سمع الزمان، ودوت في أرجاء التاريخ، وخلدت على وجه الدهر: ''صلاح الدين الأيوبي''. سقطت على أقدامه الدول، ووقفت على أعتابه الملوك، ودانت له الرقاب، وانقادت إليه الخزائن، ومات ولم يخلف إلا سبعة وأربعين درهما، ودينارا ذهبيا واحدا، ولم يترك دارا ولا عقارا، فجهز وأخرجت جنازته -كما يقسم القاضي ابن شداد -بالدين!! لقد قرأت سيرة صلاح الدين مرارا، ولكني عدت أنظر فيها قبل أن أكتب هذا الفصل، فقرأت في سيرته وحروبه أكثر من ألف صفحة، فكان من أعجب ما وجدت أن ينبغ هذا الرجل العظيم (جدا)، في ذلك الزمان الفاسد (جدا)، وأن يتغلب على العدو القوي (جدا). كان المسلمون قبل نور الدين، وصلاح الدين، على شر حال من الانقسام، على حال لا يمكن أن يصل إلى توهمها وهم واحد منكم مهما بالغ في تصور الشر، كان في هذه البقعة الضيقة من الوطن الإسلامي، من الدول، بمقدار ما كان فيها من البلدان، ففي كل بلدة دولة مستقلة: في دمشق دولة، وفي شيزر دولة، وفي حماة دولة، وفي بعلبك، وفي حلب، وفي ماردين، وفي خلاط، وفي الموصل، ! وفي الحلة، وفي بانياس وفي الجبل دول. وكان في كل دولة ملك أو أمير، أمراء منكرون لهم أسماء عجيبة وسير أعجب. وكان أقصى مدى لصلاح الدين ونور الدين من قبله، أن يكون كأحد من هؤلاء الأمراء، وإن هو نبغ كان أكربهم، فكيف ظهر هذان البطلان الخالدان، في مثل ذلك الزمان؟ وكانت قد دهمت الشام قبل صلاح الدين حملتان صليبيتان، جاءتا كموج البحر لهما أول وليس لهما آخر، ساقهما الطامعون في هذه البلاد باسم الغيرة على النصرانية، وإنقاذ أرض المسيح من أيدي الوحوش الضواري ذوات الأنياب والمخالب: المسلمين! وكانت لهم دول، دول لا دولة واحدة، فلهم في القدس مملكة، وفي أنطاكية إمارة، وفي طرابلس، وفي الرها (أورفه) حكومة. ولهم في يافا كونتيه. دول وإمارات طالت جذورها، وبسقت فروعها، وعششت بومها وباضت وفرخت، وحسب أهلها وحسب المسلمون أنها امتلكت الشام إلى الأبد. فكيف استطاع صلاح الدين أن يصنع من ضعف المسلمين قوة، ومن انقسامهم وحدة، حتى واجه بهم أوروبة كلها، وأزال (ما أمكن) من بقايا الحملتين الماضيتين، ورد الحملة الثالثة الهائلة التي رمته بها أوروبة؟ أتدرون كيف؟ إنه ما رد العدو بعدد المسلمين ولا بعددهم، ولكن بالسلاح الوحيد الذي لا ينفع في هذا المقام غيره: ''بالإيمان''. غير ما كان بنفسه من الفساد، فغير الله على يديه ما كان في قومه من الضعف والتخاذل، كان يلهو ويعطي نفسه هواها، فتاب وأناب، ولم يفسد بالإمارة كما يفسد بها كل صالح، بل صلح بها بعد أن كان هو الفاسد، ورجع إلى الله، فأرجع الله إليه النصر. استمد أخلاقه وسيرته من إرث محمد (صلى الله عليه وسلم)، في التقوى والصلاح فأعطاه الله إرث محمد في الغلبة والظفر. تمسك بالدين وأقام دولته على أساس من الإسلام متين، فاستطاع بهذه الدول المتفرقة الهزيلة، وهؤلاء الأمراء المنكرين ذوي الأسماء العجيبة، أن يحارب أوروبة كلها، أوروبة الحانقة الحاقدة المتعصبة التي اجتمع ملوكها جميعا على حرب فلسطين. صحح عقيدته أولا، وسأل (القطب النيسايوري) فألف له عقيدة عكف عليها وصار يلقنها أبناءه، وقرب أهل العلم والدين، فكان من مستشاريه، وخاصته أعلام مصر: القاضي الفاضل، والقاضي ابن الزكي، والقاضي ابن شداد، وكان كلما نزل بلدا دعا علماءه، ومن كان لا يأتي منهم أبواب السلاطين أخذ أولاده وذهب إليه، كما ذهب إلى (الحافظ الأصبهاني) في الإسكندرية، وكان يحرص على صلاة الجماعة، ولا يترك الصلاة قط إلا في الأيام الثلاثة التي غاب فيها قبل موته، وكان يصوم حتى في أيام المعارك، وكان مكثرا سماع القرآن يبكي من خشية الله عند سماعه، ويواظب على مجالس العلم والحديث، حتى في ليالي القتال، لم يترك صلاة الليل إلا نادرا، يلجأ إلى الله كلما دهمته الشدائد، وضاقت عليه المسالك، فيجد الفرج والنجاة، لأنها إن سدت أبواب الأرض أحيانا، فإن باب السماء لا يسد أبدا، وكان يقيم الحق لا يبالي ولا يحابي أحدا. أخذ مرة ابن أخيه تقي الدين وأعز الناس عليه بشكوى عامي من دمشق اسمه ابن زهير ونكل به، أما كرمه وهوان الدنيا عليه، فأمر لا تتسع له الأحاديث. وكان اعتماده على الله، ما استكثر قط عدوا، ولا خافه ولا فقد أعصابه قط في هزيمة ولا ظفر. وكان متواضعا يطأ الناس (طراحته) عند ازدحامهم للشكوى، ويردون عليه ويضايقونه في أوقات راحته، ما غضب لنفسه قط، ولكنه إذا غضب لله، لم يجرؤ أحد أن يرفع النظر إلى وجهه، وصار كالأسد الكاسر لا يقف أمامه شيء. وكان محتسبا صابرا، لما جاءه نعي ولده إسماعيل، قرأ الكتاب ودمعت عيناه، ولم يقل شيئا ولم يعرف الناس إلا بعد.
(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.