يطالع قارئ الكتاب الفارسي "زين الأخبار" الذي يترجم إلى العربية لأوّل مرّة حقائق وأخبار وحكايات وأساطير عن تاريخ الأمم منذ نشأة العالم حتى القرن الحادي عشر الميلادي حيث عاش مؤلّفه أبو سعيد عبد الحي بن الضحاك بن محمود الجرديزي فعلى سبيل المثال يروي المؤلّف أن الاسكندر المقدوني (356-323 قبل الميلاد) الذي يقول أنّ اسمه "أخشندروس بن فيلقوس" حين استولى على إيران عمد إلى تخريبها وهدم حصونها وقتل كثيرا من مواطنيها وجميع علمائها وأحرق الكتب الدينية لكنّه أمر بترجمة كتب العلوم والحساب والنجوم والهندسة والفلسفة وأرسل الترجمات إلى مقدونيا ثم توجّه إلى الهند والصين وكشمير وقهر ملوكها "وجعل كلّ الملوك على وجه الأرض مسخّرين له في أقلّ زمان" وكان ينفذ مشورة وزيره الحكيم أرسطو، ويضيف أنّه بموت الاسكندر "خلت الدنيا من ملك يحكمها فاستولى كلّ شخص حسب هواه ومراده على ولاية أو مدينة وتغلب السفلة على العظماء والشرفاء ولم يبق في الدنيا أمن ولا طمأنينة". وترى الدكتورة عفاف زيدان مترجمة الكتاب أنّ أهميته ترجع "إلى أنّه الكتاب الوحيد الذي يؤرّخ لمنطقة خراسان لأنّ جميع الكتب التي ألفت عن خراسان ضاعت ولم يبق منها سوى هذا الكتاب" الذي يعدّ مصدرا أساسيا للدارسات التاريخية حول تاريخ إيران وأمم شرق آسيا حيث ينتمي المؤلف إلى مدينة جرديز القريبة من العاصمة الأفغانية كابول. وتقول المترجمة أنّ خراسان كانت منطقة جغرافية واسعة تشمل أجزاء من إيرانوأفغانستان وآسيا الوسطى وأنّ العرب قديما أطلقوا على أفغانستان الحالية اسم خراسان ومعناها "بلاد الشمس المشرقة" وتعدّ أفغانستان منشأ اللغة الفارسية. وتضيف أنّ المؤلف أطلق على كتابه "زين الأخبار" تيمّنا بزين الملة وهو لقب السلطان عبد الرشيد بن السلطان محمود الغزنوي في القرن الحادي عشر الميلادي حيث كان ديوان الرسائل باللغة العربية، وعلى الرغم من تحدّث الناس والملوك بالفارسية فإنّ العربية كانت لغة المكاتبات الرسمية حيث امتدّ نفوذ العائلة الغزنوية من إيران إلى أفغانستان وباكستان إلى حدود الهند. وصدرت ترجمة كتاب "زين الملة" بالقاهرة عن المشروع القومي للترجمة في 541 صفحة كبيرة القطع متضمنة فهرسا يزيد على 100 صفحة بالإعلام والأماكن والكتب، وشغلت الدكتورة عفاف زيدان مترجمة الكتاب منصب عميدة كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر بالقاهرة وكانت أوّل امرأة عربية تذهب إلى أفغانستان عام 1968 خلال فترة حكم آخر ملوك أفغانستان محمد ظاهر شاه (1933-1973) حيث درست الأدب الفارسي في جامعة كابول التي نالت منها درجة الدكتوراه. وصدر للمترجمة كتب مؤلّفة ومترجمة عن الفارسية منها "أسد الله الظافر أحمد شاه مسعود.. صفحات من تاريخ أفغانستان المعاصر" و"فرخي سيستاني.. عصره وبيئته وشعره" و"العلاقات الأفغانية الروسية من عهد الأمير دوست محمد خان حتى ببرك من 1826-1986" وهي السنة التي انتهى فيها حكم الرئيس الأسبق بابراك كارمال. ويروي الجرديزي مؤلّف الكتاب بحياد المؤرّخ قصصا عن الصراع على السلطة في العصر الإسلامي ومنها أنّ الحجاج بن يوسف السياسي المثير للجدل في العصر الأموي "قذف الكعبة بالمنجنيق وأحرقها" في حربه مع عبد الله بن الزبير المتمرد الذي ثار على حكم الأمويين بعد قتلهم الحسين بن علي حفيد النبي محمد. ومن مظاهر الصراع أيضا أنّه بعد ملاحقة مروان بن محمد آخر الولاة الأمويين وقتله في مصر عام 132 هجرية (750 ميلادية) جيء برأسه إلى العراق حيث يوجد مؤسّس الدولة العباسية أبو العباس السفاح الوحيد الذي حمل هذا اللقب في التاريخ الإسلامي، ثم تولى الحكم بعده شقيقه أبو جعفر المنصور الذي بايعه الناس إلاّ عمّه عبد الله بن علي فأرسل المنصور أبا مسلم الخراساني لقتاله فهزمه وأرسله إلى المنصور، ويضيف أنّ المنصور خشي على نفسه من أن يطمع في الحكم أبو مسلم القائد العسكري البارز الذي كان صاحب الدعوة للعباسيين في خراسان فدبر له المنصور مكيدة "وأمر فقتلوه أمامه". كما يروي بعض مظاهر البذخ ومنها أنّ هارون الرشيد أقسم أن يحجّ ماشيا وحين تولى الحكم أراد أن يبرّ بقسمه فأمر قائد الشرطة " ففرشوا له منزلا من بغداد إلى مكة بالفرش والأبسطة وكان هارون يمشي عليها حتى ذهب إلى الحج وبرّ بقسمه وسرّ هارون من عبد الله (بن مالك الخزاعي قائد الشرطة) لما فعله". ويتضمّن الكتاب فصولا منها "ملوك الساسانيين" و"الأكاسرة" و"في أخبار خلفاء وملوك الإسلام" و"في أسباب أعياد اليهود" و"في أعياد المجوس" و"في شرح أعياد الهنود" و"في أعياد النصارى" ومنها "عيد ظهور الصليب" والسبب في ذلك أنه ظهر في السماء شهاب مثل الصليب فقالوا لقسطنطين الملك.. سوف تظفر إذا صنعت رايتك في هذا الشكل، فصنعها وظفر، والسبب في مسيحية قسطنطين هو هذا الأمر". والإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير (272-337 ميلادية) هو صاحب نقطة التحوّل في تاريخ المسيحية حيث ألغى العقوبة عمن يعتنقون المسيحية وتبنى عام 313 المسيحية دينا للدولة، ويقال انّه تأثّر بأمه الملكة هيلانة التي ذهبت إلى القدس للبحث عن الصليب الحقيقي للسيد المسيح. ويقدّم الكتاب في فصل عنوانه "في المعارف والأنساب" تفاصيل عن جماعات بشرية ودول وأماكن مثل الروم والسقلاب أو السقالبة والتبت والترك والخرز والتتار والصين "أكبر ممالك الأرض وأغنى الأماكن وهي واسعة فسيحة الأرجاء وكل أهلها فطس الأنوف... وكل نسائهم ورجالهم شعورهم مدلاة مسترسلة وأثوابهم مثل أثواب العرب". ويقول أنّ أهل الهند "حاذقون أذكياء ماهرون يعملون أعمالا دقيقة جميلة، خرج من بينهم الكثير من العلماء وبخاصة في ولاية كشمير وصناعاتهم جيدة الإبداع ولهم في دينهم فرق وفي عاداتهم مذاهب" تختلف إحداها عن الأُخرى فبعضهم يؤمن بالله وآخرون ينكرون الأنبياء. أمّا الروس فيتّسمون بالعدل ويعنون بنظافة ثيابهم "وحينما يقتلون رجلا عظيما فإنّهم يحفرون له في الأرض قبرا فسيح الأرجاء كالمنزل الواسع ويضعون معه كل ملابسه وأساوره ووعاء مائه والطعام والشراب والأموال الصامتة كما يضعون امرأته معه ثم يغلقون القبر حتى تموت امرأته".