تعتبر دعوة البنت المتزوجة إلى بيت أهلها من بيت العادات التي مازالت راسخة في مجتمعنا الجزائري، رغبة في الإبقاء على العلاقات الحميمية بين الطرفين وعدم تحسيس ابنتهم بأنه أصبح غير مرغوب فيها في بيت والديها بعد زواجها، وعليه فحلول المولد النبوي الشريف يعد فرصة مناسبة وثمينة لتبادل الزيارات وتشجيع خطوة المحافظة على صلات الرحم. يعتبر المولد النبوي الشريف كغيره من المناسبات الدينية الذي تتعزز فيه العلاقات الإنسانية وتتوطد أواصر المحبة وتزداد فيها الحاجة إلى المحافظة على صلات الرحم، فبالنظر لأهمية التمسك بالروابط العائلية وحمايتها من الانقراض وجعلها في منأى عن الاختفاء خاصة في ظل التطور التكنولوجي الذي صرنا نعيشه والذي بات يهدد مستقبل التواصل فيما بين الأفراد وذلك من خلال تعويض الأجهزة الإلكترونية للقاءات المباشرة وأصبحت الرسائل القصيرة هي الطريقة الوحيدة التي يلجأ إليها الأشخاص من أجل الاستفسار عن حال بعضهم البعض، ومن ثم وتجسيدا لتعاليم ديننا الحنيف الذي يحثنا في العديد من المناسبات، بصفتنا مسلمين، على السعي للحفاظ على الدفء العائلي وكذلك التقرب أكثر من بعضنا وعدم التفريط في العائلة مهما كانت المشاكل والعراقيل، وبناء على أهمية لم شمل الأسرة في مثل هذه المواسم والأعياد، يقوم الأهل بدعوة بناتهم المتزوجات رفقة أزواجهن للاحتفال سويا بميلاد نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وهذا قصد مشاركتهم في المأدبة التي تحضر خصيصا لهذه المناسبة السعيدة. تحضيرات مكثفة لدعوة العروس وزوجها تحضر العائلات الجزائرية نفسها لاستقبال مناسبة المولد النبوي الشريف وتجند الأمهات مطابخها بكل ما يلزم من مواد غذائية تكون أهم العناصر التي تدخل في تركيب ألذ الوجبات التي تصنع الحدث في هذا اليوم المميز، لما يتطلبه من أطباق تقليدية اشتهر بها مجتمعنا الجزائري منذ زمن بعيد ك''الرشتة '' و''الشخشوخة''. فكما هو معروف وشائع بيننا أن أكل ''ملح'' بعضنا من شأنه أن يؤلف بين قلوبنا. وعليه فقد ساهمت هذه الطريقة التقليدية في زرع بذور المحبة والوفاق بين الأشخاص الذين يشاركون بعضهم البعض في الاستمتاع بطيبة مذاق الأكلات الشهية. ومما يزيد من نكهة الاحتفال بحرارة المولد هو احتضان الأسر الجزائرية لبناتها المتزوجات رفقة أزواجهن حتى يجتمعوا جميعا على مائدة العشاء، فوسط أجواء مليئة بالفرح والسرور تضفيها تلك الروائح العطرة المنبعثة من داخل القدر الذي تتجمر فيه مختلف أنواع الخضر وتتربع عليها قطع من اللحم أو الدجاج، تتضاعف نشوة الفرحة ويتمنى الجزائريون لو يدوم السنة بأكملها نظرا لقدرة مثل هذه المناسبات على استعادة مظاهر الترابط وتحقيق ما عجزت سائر الأيام عن تحقيقه. فرغم أن سنة الحياة تقتضي ابتعاد البنت عن عائلتها ومغادرتها للبيت الذي ترعرعت فيه وعاشت فيه أجمل لحظات الطفولة، إلا أن ذلك لا يعتبر المحطة النهائية في حياتها، بل وفي كل مرة تسمح الفرصة يقوم والداها بدعوتها من أجل مشاركتهم تلك المأدبة. وفي هذا الصدد أكدت لنا السيدة ''جميلة'' أنها في كل مناسبة أو موسم كعيد الفطر أو الأضحى أو محرم وعاشوراء وبالأخص ذكرى المولد النبوي الشريف، تقوم بدعوة بناتها الثلاثة المتزوجات حتى يشاركنها وجبة العشاء التي تكون مميزة في هذا اليوم والدعوة بطبيعة الحال تشمل أزواجهن أيضا، وهي مبادرة اعتبرتها ذات المتحدث ضرورية في هكذا مواسم من أجل تلطيف الأجواء بين العائلتين وكسر جليد الحرج الذي يشعر به الصهر عندما يكون جديدا ولم تمض مدة طويلة على الزواج. وينطبق الأمر على الحاجة ''حورية''، فهي الأخرى اعتادات منذ زمن طويل على لم شمل بناتها الستة رفقة أزواجهن وأولادهن وتحضر لهم ألذ وأشهى الأطباق الخاصة بالمولد النبوي الشريف، فبالنسبة لها فإن مشاغل الدنيا وركض الأشخاص وراء شؤون الحياة قد أدى إلى انفصال العائلة الكبيرة عن بعضها البعض ولم نعد نميز حرارة تلك اللمة ولا الاستمتاع بمشاهد القرابة، وعليه فاغتنام مناسبة كالمولد يلعب دورا كبيرا في تشجيع وتحفيز الفرد على التمسك أكثر بعائلته. ولأن الاهتمام بالبنت يعتبر من الأمور المقدسة، على حد قولها، فإنها تجد أنه من الواجب على الأولياء منح الكثير من الحب لفلذات أكبداهن لأن العائلة التي تحسس صهرها بأنها موجودة، فإن ابنتها ستحظى بالمعاملة الحسنة والاحترام من طرف زوجها.