في تصريح للتقني الفرنسي برونو ميتسو الذي كان يدرب منتخب الإمارات أجراه مطلع الأسبوع الجاري، أثارت انتباهي نقطتان قمت ب ''جمركتهما''. الأولى برّر الرجل رميه المنشفة قائلا بصريح العبارة ومن دون تلعثم القول وجّهه لمسيّري الإتحاد الإماراتي لكرة القدم: ''أعطوني لاعبين..أعطيكم منتخبا قويا". والحق يقال إن المدرب ميتسو وجد صعوبات جمة في إيجاد التوليفة المناسبة تشكيلا لمنتخب يجابه به أعتى نظرائه من القارة الصفراء، حتى أنه تورّط في مصيدة الإخفاق لما انهزم في مناسبتين متتاليتين داخل قواعده برسم تصفيات كأس العالم 2010, ولكن الحقيقة الساطعة والتي يريد الأشقاء الخليجيون وليس الإماراتيون فقط القفز فوقها هو أنهم يفتقرون للمادة الخام يعني المواهب، وأن المال لا يصنع وحده الإبداع، والمسلّمة التي لا تحتاج لجدال في فن الجلد المنفوخ فحواها أن الفقر والبؤس الاجتماعي هما أقصر الطرق وأسرعهما نحو كفاءة القدم والتتويجات الرياضية، فالنجم بيليه قبل شهرته كان يمسح الأحذية، وروماريو كان يزيح الغبار عن زجاج السيارات، وريفالدو كان يبيع المشروبات في شواطئ بلدة ''ريسيف'' البرازيلية، وباتيستوتا الأرجنتيني كان يبيع السمك... أما الجزائري أو الوهراني الملاكم محمد موسى فقد فاق هذه النماذج عوزا وفاقة وغرابة ، فهو منح الجزائر أول ميدالية أولمبية، وبدل المكافأة وجد نفسه يسترزق غصبا عنه من خلال بيع الملابس التي يأتي بها ''الطرابانديست'' من المغرب في شوارع وأزقة ''الحمري'' و''قامبيطة'' و''البلاطو'' و''المدينة الجديدة'' و''الكاناستيل''..ومن المفروض أن الشقاء يكون قبل المآثر الرياضية وليس بعدها! نقطة ثانية استشفّت من تصريح برونو ميتسو وهي شذوذه عن القاعدة، حيث خلال ندوته الصحفية قال كلاما مقتضبا ثم همّ بالإنصراف في سلوك اشمأز منه الإعلاميون الحاضرون، الذين كانوا يتأهبون لإمطاره بوابل من الأسئلة المستفزة عساها تشفي الغليل. إحجام ميتسو عن الخوض في غمار الإستقالة، ما كان ليكون لولا إصابته بلوثة مسيّري الجلد المنفوخ العربي، ذلك أن الإتصال ثقافة وسلوك حضاري عند الرجل الغربي، ثم إن شذوذ ميتسو شبيه بتصرف حداج رئيس الفاف لما ''عرض حبابو'' في وليمة عفوا ندوة صحفية خصصت حصريا لمن يسمون أنفسهم ''إعلاميين كبار'' وعقدها في الأيام القليلة الفائتة بشأن قضية كان حريا به أن يخجل منها، ويتخلى عن منصبه بسببها، إنقاذا للأثاث والشرف، في مشهد ذكّرني بعسكريي العالم الثالث لما يجتمعون سريا بعد أي انقلاب يدبّرونه للتباحث بشأن مستقبل القطيع الذي يعيش بين جنباتهم، واقتسام غنائم الحظيرة التي يعيشون في وسطها. هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته