يقدر عدد المعوقين بنسبة مائة بالمائة حسب آخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة التضامن الوطني 164 ألف شخص يعدون ضمن المليون و700 ألف معوق من فئات عمرية مختلفة على المستوى الوطني تحظى بمنحة التضامن الجزافي. ولعل الفئة الأكثر معاناة من بينها هي فئة الأطفال وخاصة منهم من بلغ سن التمدرس حيث يشكلون عبئا ماديا ونفسيا على عائلاتهم وتحديدا أمهاتهم اللواتي يتحدين المجتمع لمساعدة فلذات أكبادهن. ينتظر الوالدان المولود بفرحة كبيرة قد لا تدوم لأكثر من أشهر قليلة بعدما يصطدمان بواقع يعملان جاهدين على التغلب عليه بفضل عاطفة الأمومة والأبوة، وتتسارع الأفكار والهواجس لديهما، كيف سيربيان طفلهما المعوق؟ وكيف سيتعاملان معه؟ هل سيتمكنان من إعالة طفل معوق والوقوف على مصاريف تربيته وفي أي المدارس سيتعلم؟ وهنا تنطلق تجربة خاصة وجديدة في حياة الأبوين، تجربة التعامل مع طفل لديه نقص في الإدراك أو في القدرة على الحركة، وتجربة التعامل مع مجتمع ما زال يعتبر المعوقين كائنات غريبة تثير الشفقة ولا تتوفر على مقومات الإنسانية الكاملة. ابني معوق... يعرف أخصائيو التربية الإعاقة بأنها مفهوم كبير ولا يتحدد في مجال واحد، ولكن الفرد المعوق هو الذي يعاني من نقص في مجال معين في أحد المجالات مثل النمو والمعرفة، حيث تقسم الإعاقة إلى عدة أقسام، الإعاقة العقلية، البصرية، السمعية والاضطرابات الانفعالية والمشكلات النطقية، وهذا الفرد لا يستطيع أن يقوم بالواجبات الاجتماعية التي يتطلبها المجتمع من الفرد الطبيعي ما يؤرق عائلات هؤلاء المعوقين، فمن أكثر الأمور التي تعاني منها العائلات التي تضم بين أفرادها طفلا معوقا هي نظرة المجتمع له، وقد تكون نظرة عابرة ولكنها تعني الكثير بالنسبة للأب والأم، حيث يستمر تفكيرهم بأن المجتمع لن يتقبل أطفالهم، وحينها تبدأ المعاناة، كتلك التي تعيشها عائلة ''ولد حمودي'' منذ أزيد من 30 سنة مع ابنها ''هشام'' المعوق. ''هشام'' البالغ من العمر 34 سنة لم ير الشارع سوى 6 مرات فقط كما ذكرت والدته ''خالتي عقيلة'' فهو مصاب بالشلل التام ومرض عقلي تصاحبه نوبات عصبية حادة، إما بالبكاء أو الصراخ أو الضحك أو بضرب يده على الأرض بقوة أو بإلقاء نفسه على الأرض من فوق كرسيه المتحرك، إضافة إلى عدوانيته، فقد يتسبب في إيذاء الناس. حالة ''هشام'' هذه جعلته سجين المنزل منذ طفولته فلم يكن إخوته يرضون أن يصطحبوه معهم إلى الشارع، بينما هم يلعبون وحتى والده لم يكن يوافق على أخذه للتنزه في الحدائق العمومية كباقي إخوته نظرا للنوبات التي تصيبه بين الحين والآخر. وبما أن عاطفة الأمومة أقوى من كل عاطفة وجدت على وجه الأرض كانت ''خالتي عقيلة'' تضحي بنفسها من أجل ابنها، فكما قالت، ''كنت ولازلت على حد اليوم أحبس نفسي رفقة ''هشام'' في المنزل فلا أغادره أبدا وإن غادرته اضطراريا لزيارة الطبيب أحرص على أن تبقى إحدى بناتي بجانبه في فترة غيابي، وفي الماضي كنت لا أحضر الأعراس أو الجنائز فقط لأني لا استطيع تركه بمفرده، وكلما سئلت عن سبب تغيبي من قبل الجيران أو الأهل أرد بكل بساطة (ابني معوق) وادخل معهم في نقاش لا نهاية له أوضح لهم فيه حالته الصحية، فهو لا يستغني عني أبدا فأطعمه كالطفل الصغير وأقدم له الحليب في الرضاعة وأغير له حفاظاته باستمرار فلا أقوى على أخذه للحمام لثقل جسمه وكلها أعمال تتطلب مني ملازمته ولا يمكن لأحد غيري أن يقوم بها بعدما توفي والده منذ 7 سنوات''. ''هشام'' لا يعاني مثلما تقول والدته ''أنا من تعاني، فهو لا يشعر بما يحدث حوله ولا يفهم شعور الشفقة الذي يحظى به من قبل إخوته ولا بنظرة العطف التي يرمقني بها الناس وأنا أتحجج بعنايتي به في حال تغيبي عن المناسبات الاجتماعية، وكل ما أنا متخوفة منه مع تقدمي في السن هو مصير ''هشام'' فلا أحد من إخوته سيعتني به مثلي فكلهم متزوجون ولهم حياتهم الخاصة، فأدعو الله أن يكون أجله قبل أجلي حتى أموت مطمئنة البال''. صدمات نفسية لدى أهل المعوق أكدت الأخصائية النفسية ''ح. خديجة'' أن تقبل العائلة واقع ابنها المعوق هو الخطوة الأولى لإعادة تأهيله وتجنب تفاقم حالة العجز لديه، فكل فرد في المجتمع يحتاج إلى التأهيل المناسب لخوض غمار الحياة حيث تتوقع كل أسرة أن طفلها الجديد هو أفضل طفل في المستقبل، فكل عائلة تبني أحلامها على هذا المولود، وأول ما يظهر على الأهل عندما يعرفون أن ابنهم ذو احتياجات خاصة هي الصدمة، وفي لحظة من اللحظات قد يقول أحد الوالدين ولو خفية وفي همس داخلي ''هذا الطفل ليس ابني'' كنوع من الهروب من الواقع، وهناك من الأهل وخاصة الآباء من يصاب بصدمة نفسية وفي حالات أخرى تكون ردة فعله الأولية بهجر الأسرة والتخلي عن مسؤولياته تجاه هذا الطفل، وفي حالات نادرة وقليلة يصل الأهل إلى قناعة بضرورة مراجعة الأطباء والمؤسسات المعنية أو مراكز التأهيل بحثا عن المساعدة التي قد توفرها لهم، كل من وزارتي الصحة والتضامن الوطني كالحصول على منحة التضامن الجزافي ومكان لابنهم في أحد المراكز المتخصصة على مستوى الوطن حسب نوع الإعاقة.